ط
الشعر والأدب

قصيدة :حكايةُ لنا وطفلها ..للشاعر الفلسطينى / د. أسامة مصاروة

وقفتْ تراقِبُهم وهمْ يتدافعونْ،

وإلى بقايا مركَبٍ يتسارعونْ.

شدّت على يدِ طفْلِها بينّ الزِحامْ،

خافتْ عليهِ، فَحولَها يجثو الظلامْ،

وأمامَها بحرٌ وغدرٌ قد يليهْ،

ووراءَها وطَنٌ تخلّى عن بنيهْ.

فرّتْ من الأرضِ الحبيبةِ كلِّها،

لا شيءَ في يدِها سوى يدِ طفْلِها،

صرختْ: “أيَا بحارُ خذْ طفلي الوحيدْ،

فهُنا رأى ظلمًا وذلًا كالعبيدْ،

أمَّا هُناكَ لعلّهُ يحيا سعيدْ

لا الظلمُ يعرفهُ ولا الذلُّ الشديدْ”

“أختاهُ باللهِ العظيمِ ألا اسمعي

هيّا اصعدي، لا تُرسليهِ فقط معي

لكِ مثلما لهُ موضِعٌ في مركَبي

فتقدّمي لا تبطئي هيّا اركبي”

“لكنّني بصراحةٍ يا سيّدي

لا مالَ عَندي كيْ تُقدّمُهُ يدي”

“لا بأسَ يكفيني سوارُكِ يا” ….”لنا

اسمي لنا شكرًا لجمعِك شملَنا.”

أخذَ السوارَ ولم تجدْ بينَ الجموعْ

غيرَ الوقوفِ فمنْ يُفكّرُ بالرجوع،

في مركبٍ متهالكٍ وقفَ الجميعْ

ولنا تَضمُّ محمّدًا كي لا يضيعْ.

نشرَ القضاءُ شِراعَهُ عندَ الرحيلْ،

وسجا المساءُ بنجمهِ العالي الضئيلْ،

أرخى الظلامُ سدولَهُ من فوقِهمْ

وكذا الظلامُ بعمقِهِ من تحتِهمْ.

أمَلٌ ورعبٌ، رهبَةٌ وتفاؤُلُ،

حُلُمٌ وشكٌ، رغبةٌ وتساؤُلُ.

ضمّت لنا خوفًا عليهِ مُحمَّدا،

فالموجُ قدْ ضربَ السفينَ مُعرْبِدا،

صفعَ الوجوهَ إذِ التقاها مزبِدا،

فبدا لأضعافِ الحشودِ مُهدِّدا.

مالوا إذا مالَ الشراعُ بلا هُدى،

وَبلا هدىً كم شاسِعًا يبدو المدى.

أينَ الفرارُ من القضاءِ إذا غدا

ليلُ الغريبِ جهنّمًا أوْ قدْ بدا؟

صرختْ قلوبُ اللاجئينَ: “متى الوصولْ؟

وَمتى يحينُ حقيقةً وقتُ النزولْ؟”

ضجّتْ مخاوِفُهمْ وأنّاتُ الذهولْ،

وَكستْ ملامِحَهمْ علاماتُ الذبولْ،

وَعوتْ رياحُ الغدرِ، وانْشلّ الزمانْ،

وَدنتْ وحوشُ البحرِ وانْفضّ الأمانْ.

سحقَ الظلامُ بشهوةٍ أجسادَهم،

قتلَ الرجالَ، نساءَهمْ، أولادَهمْ،

جعلَ العشاءَ يطيبُ من أشلائِهمْ،

وشرابُهُ خمرٌ بطعمِ دمائِهمْ.

سحبَ الجميعَ إلى الجحيمِ الأسودِ

من قائدٍ أو لاجئٍ متشرّدِ

سقطتْ لنا، لم تستطعْ حتى السؤالْ

أينَ الصغيرُ محمّدٌ؟ أينَ الرجالْ؟

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى