ط
مسابقات همسهمسابقة القصة

جريمة قتل.. مسابقة القصة القصيرة..بقلم / هبة الله محمد حسن من مصر

مشاركة في المسابقة
فرع القصة القصيرة

جريمة قتل
هو

جلس في فراشه يرتعش.. لن ينام.. لن ينام هذه الليلة.. رفع فنجان القهوة البارد وأخذ جرعة كبيرة منه..أتراه جن ؟.. هل كان يريد أن يقتل زوجته فعلا؟..لقد أفاق أمس ليجد نفسه ممسكا بسكين المطبخ في الظلام وهي تقف خلفه.. وأمس.. أمس أفاق ليجد نفسه ممسكا بسماعة الهاتف بينما هي تسأله إلى من يتحدث.. لم يستطع أن يجيب ..هل كان يريد أن يخبر الشرطة عن جريمته مقدما؟…أم……… أم كان يريد أن يخنقها بسلك السماعة.. كادت هذه الأفكار أن تصيبه بالجنون.. صحيح أنها أعتاد مشاكسته بعدما يعود من العمل.. صحيح أنها تثير داخله هموم لم يفكر فيها قط.. ولا يعرف متى وكيف فكرت فيها.. وصحيح أنها جعلته يتوقف عن الكتابة بتهكماتها التي لا تنتهي عن إضاعته الوقت في عمل لا يجلب مالا ولا فائدة ترجى منه.. ربما لم ينشر له لكنه كان يشعر براحة بعد إفراغ عذاباته اليومية مع مداد القلم.. نعم كل هذا صحيح..ولكنه لا يبرر أبدا رغبته في قتلها.. مستحيل.. أي شيطان هذا الذي يرقد في داخله؟..آه..انه خائف من نفسه الآن أكثر من أي شخص آخر.. لابد وأنها نائمة الآن كالملاك في غرفة الأولاد كما اعتادت أن تنام منذ زمن.. لو كان يستطيع أن يناديها لتجلس معه.. لكنه يخاف أن ينام فجأة فيستيقظ الوحش الذي بداخله ويفعل فعلته.. تبا.. ولكن النعاس.. النعاس اللعين.. اللذيذ.. يتسلل إلى رأسه.. لا.. لن ينام..ل..ن..ي..ن..ا..م.. ولكنه قد نام بالفعل..
هي

هي أيضا لم تنم..ومن يستطيع النوم في ليلة سوداء كهذه؟..أتراه سيتزوج عليها.. هل عرف واحدة أخرى؟..و إلاّ فلماذا كان يجلس في الظلام ممسكا بسماعة الهاتف وعندما سألته أرتبك ولم يستطع الإجابة.. لعنة الله على الرجال أجمعين.. ولكن..و لكنها فتشته اليوم بعدما ذهب إلى العمل ولم تجد معه ما يريب.. لابد وأنه حريص جدا.. لن يتحرك من مكانه الليلة.. هذا مؤكد.. ربما لم تذكر له الموضوع صباحا كي تستطيع أن تتابعه وتكشفه براحتها .. لكنه- هذا الشيطان- عرف أن الشك قد بدأ ينتابها تجاهه وبالرغم من أنها ساهرة اليوم تنتظر إلاّ أنها متأكدة من كونه لن ينهض الليلة.. تسلل النعاس إلى جفنيها.. بينما صوت خطوات آلية يسمع قادما من الردهة.
هو

آه.. كلما حاول رفع جفنيه ارتميا ثانية إلى الأسفل.. بينما زملائه في العمل يرمونه بنظرات متهكمة وسمع أحدهم يقول غامزا:- هل شاهدت فيلم السهرة بالأمس؟
سحقا لهم.. هذا الطنين في رأسه.. وأسراب النحل الزاحفة بين جفنيه.. بينما هم يتهكمون.. سيحاول أن ينام عصرا اليوم بدلا من الليل .. ولكن من أدراه أن تلك النوبات لا تأتي نهارا أيضا.. لا.. لا إنها لا تأتي نهارا.. لا تأتي نهارا و إلاّ سيصاب بالجنون.. أفادته كثيرا القهوة التي شربها بالأمس.. فعندما غلبه النعاس.. ساعدته على الاستيقاظ سريعا وهو لا يزال يسير في الردهة.. قبل أن يفعل أي شيء.. كان الزملاء مازالوا يتهامسون بينما هو لم يعد هناك.. ولكن لو سمعهم رئيسه في العمل.. فتحدث مشكلة كبرى لا تنقصه فهو لديه بالفعل ما يكفيه.. لا يعرف لماذا يكرهه هذا الرجل.. ولكن ليكرهه.. ليس هذا هو المهم الآن.. المهم هو أن ينام.. يناااااااااااااااااااااااام ..
عاد إلى البيت ومازال الطنين يدوي في رأسه.. غريب أن زوجته لم تشاكسه اليوم مشاكستها المعتادة.. ولكنه يشفق عليها.. يكفي أن زوجها مجنون يهيم ليلا في الشقة راغبا في قتلها.. سرت المرارة في روحه عندما تذكر.. ذهب إلى المكتب ليدس المفاتيح في أحد أدراجه عندما لمح شيئا أسود بالداخل.. جذب المقبض ليوسع فتحته فطالعه مسدسا أسودا رابضا بالقاع هناك.. من أين جاء هذا المسدس.. هل فقد التحكم في نفسه أيضا وهو مستيقظ.. ولكن لا.. لقد كان واعيا تماما طوال مدة استيقاظه.. من المؤكد أنه قد اشتراه في إحدى نوبات نومه ليلا.. انتابته رعشة باردة وهو يتخيل نفسه يسير نائما بخطوات آلية في الطرقات المظلمة الموحشة ليشتري مسدسا من تاجر أسلحة ملثم.. انه لا يعرف حتى أين تباع مثل هذه الأشياء فكيف بالله اشترى واحدا.. لا بأس.. لا بأس.. سيتخلص منه الآن .. ولكن أين؟.. أيلقيه من النافذة؟.. لا.. هذا سيجلب عليه مصائب لا حصر لها.. يدسه الآن في جيبه ويذهب ليلقيه في النهر..حاول أن ينزل ولكن زوجته تشددت في منعه من الخروج بطريقة غريبة.. ماذا دهاها يا ترى؟.. لم يعلم أن فكرة المرأة الأخرى كانت قد سيطرت عليها تماما ولهذا حاصرته.. وانهالت عليه بلا رحمة..لماذا النزول الآن؟..أين سيذهب؟.. لن يذهب لأن الغذاء معد.. كل هذا بالإضافة إلى ارتباكه الشديد حجبه عن تحقيق ما فكر فيه.. عاد محبطا ومازال المسدس في جيبه.. يشعر أنه ثقيل جدا.. استقر رأيه بعدما أحبطت محاولاته للخروج على أن يغلق عليه درج المكتب ويلقى المفتاح من النافذة.. جلس بعدما ألقاه شاعرا بالراحة.. ثم لم يعد جالسا فقط بل صار نائما أيضا.. بينما المفتاح لا يزال رابضا على أرضية الشارع.
هي

ظلت ساهرة الليلة أيضا.. وعقلها يغدو ويروح في أرجاء الغرفة.. عندما سمعت حركته المعتادة.. نعم هذا صوت خطواته.. قامت على أطراف أصابعها وفتحت باب الغرفة ببطء وسارت خلفه.. كان يسير متجها صوب غرفة المكتب.. لم يشعر بها.. ولم يلمس الهاتف أيضا.. حتما قد اشترى أحد تلك الهواتف المحمولة اللعينة ليتحدث على راحته في غرفة المكتب.. ولكن لا.. لن يكون الأمر بهذه السهولة.. ستضبطه متلبسا هذه المرة وليرين منها ما لم يره في حياته قط.. فتحت باب غرفة المكتب – الذي أغلقه خلفه- بهدوء شديد.. وفي ثوان فهمت كل شيء.. سكين المطبخ.. سلك سماعة الهاتف.. المجنون.. كان يريد أن يقتل نفسه.. كان واقفا هناك وقد ألصق المسدس بصدغه.. وعندما أفاق على صوت صرختها كان قد فهم هو الآخر..بينما الطلقة تخترق رأسه وتنهي كل شيء.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى