ط
مسابقات همسهمسابقة القصة

عكس عقارب الساعة( الفصل الأول) مسابقة الرواية بقلم / سمر أحمد الشحات من مصر

الفصل الاول رواية (LSD)
الثانى والعشرين من نوفمبر 1981 قرية كتامة بالدقهلية

امتدت سحابة الدخان الاسود فوق حقول الذرة الوليد ، تحمل رائحة معسل الافندى و القليل من ماء الورد ، آتية   من اتجاه  نارجيلة تعسة احترقت جوانبها وبوصتها قدما ويلهتب رأسها بالفحم ،  ومن حينا لاخر تمتد اليه يدا خشنه لتداعبه بماشة صدأة تزيده احمرارا .

على المصطبة الاسمنتية يجلس جابر متربعا قابضا بيده على بوصة النارجيلة كافعى يخشى فرارها ، ومن شفتيه ينطلق الدخان الاسود مصاحبا للسعال والبصاق.

ستون عاما من الشقاء ترتسم اثارها على الاخاديد العميقة المحيطة بعينيه وفمه ، انف طويل كمنقار ابو قردان وعين فقدت بريقها وسوادها منذ زمن ، وعلى الرغم من كل هذا فقد كان يتمتع بجسد مصاريع ثيران اسبانى  وصحة شاب بالاربعين ، يرتدى جلبابه الابيض المتغضن والذى حال لونه من القدم ، وخف بلاستيكى عملاق تمزق فى اكثر من موضع لتطل منه قدمين فضولتين فقدتا اصبعا .

يجلس متململا يستند برأسه للجدار طالبا بعض الراحة لفقرات انتهت صلاحيتها منذ زمن ، يلوك شئ ما باسنانه ، ومن حين لاخر يلقم الشيشة ببعض المعسل وماء الورد ، ( انت فين يامرزوق الكلب خلصت نص المعسل والمخفى لسة مشرفش )

من بعيد يلمحه ، مرزوق الكلاف صديق عمره ، يأتيه مسرعا ليلحق بنصيبه من المعسل ، اصغر سنا من جابر لكنه يحمل جسد صرصار مصابا بفقر الدم ، وجه حليق تماما لولا شارب بحجم مقشة فاخرة ، كان جابر مؤمنا ان هذا الشارب هو السبب بضعف بنية مرزوق فهو بالتأكيد يشاركه طعامه كديدان الاسكارس  ، يرتدى جلبابا صوفيا مهترئا وعدد لابئس به من الفانلات والكالسونات الداخلية البيضاء ، فهو يشعر بالبرد طوال العام، بالاضافة الى قلنسوة ثقيلة يدفئ بها صلعته ، ابتسم  فظهر صف طويل من الاسنان المفقودة ،لولا سن باقى هنا واخر فضى هناك لقضى حياته معتمدا على المحاليل الوريدية .

_ كنت فين ياجدع انت الماتش قرب يبتدى

اتخذ  مرزوق موقعه على المصطبة مواجها التلفاز ، ( كنت بصلى المغرب فى الجامع الى عالبر التانى )  اختطف من يد جابر  بوصة النارجيلة وقربها لفمه وبدأ فى سحب انفاس الدخان لصدر اشبه بهيكل عظمى محنط

_ماتش مين ياعمنا ماخلاص فضوها عشان الريس الله يرحمه

قام جابر ليخبط فوق رأس الديناصور الغافل المسمى تلفاز محاولا اقناعه ببث اى شئ

_لا يابا دة كان على ماتش الجزاير النهاردة الاهلى هيلاعب المصرى

 

امسك جابر بقرنى الاستشعار الخارجان من سقف التلفاز وقام بتحريكهما يمينا ويسارا عله يلتقط اى اشارة ، بدأ الاخير يصدر صريرا كفحيح الاشباح ثم بدأ الصوت باتخاذ شكل ادمى ، ظهرت على الشاشة صورة الاستاد المصرى البورسعيدى ، وبدأ اللاعبين بالتوافد على أرضه

هتف مرزوق _ والله ماليهم حق يلعبو ايوها ماتش الوقتى ، عيب عليكو دة الريس مبردش فى تربته

استند جابر الى وسادة محشوة بالقش مريحا لعصعوصه المتألم

_يامرزوق الحى ابقى من الميت ، وبعدين الريس الجديد دة شكله ابن حلال وميتخيرش عن السادات ، انت عارف انى كنت بحب السادات اكتر من عيالى وعيطت عليه اكتر ماعيطت على امى ، طول عمرى بقول هو دة الى ينفعنا ويشرفنا ، عمرى يااخى محبيت جمال معرفش لية مع انه ادانا حتة ارض كويسة  وحتى اسمه على اسم ابنى  البكرى ، بس برضو مكنش عارف يحكمها صح ، انما انور دة كان راجل لئم بصحيح

 

 

نفث سحابة اخرى من الدخان واتبعها ببصقة

_بس هو دة حال الدنيا وعمر البكا مابيرجع الى راح ،خلى الناس تنبسط شوية كفايانا غم

حاول مرزوق تفادى الخوض بالحديث فذكرى البوليس السياسى لم تكن تفارق مخيلته ، فاكتفى بالصمت ومراقبه اكرامى وهو يطير لصد الكرة قبل ان تعانق الشباك ، قام جابر بادناء الكنكة والسبرتاية التى صارت عضو مهم من اعضاؤه يتغذى ويتنفس ،وضع البن والسكر وصنع فنجان قهوة  يحمل (وش ممتاز) باحترافية قهوجى حاصل على دكتوراه فى التلقيم .

تذكر ضيفه الذى لم يسقه الماء بعد ،فنهض بحرج مناديا

_بت ياناهد علقى على كوباية شاى لعمك مرزوق

اتته الحاضر من وراء الباب بصوت لا يزداد انوثة عن صوته ، وبعد دقائق اتت ناهد تحمل صينية صدئة كانت يوما ذهبية ، يستقر عليها كوب من الحبر الاسود تطفو على وجهه اوراق النعناع

_اتفضل ياعم مرزوق

 

رفع مرزوق عينيه اليها باعجاب فقد كانت بقمة اناقتها فى هذه الليلة ، ترتدى بلوزة صفراء مشجرة  وجونلة منفوشة على طريقة فساتين سعاد حسنى ،وقامت بحشو كتفيها بوسائد اسفنجية صغيرة لتبدو  كلاعبى كرة القدم الامريكية ، تلك الموضة اللعينة المسماة اوبليتات الى تحول المرأة لما يشبه لاعبى كمال الاجسام ، شعر منفوش المقدمة مشدود من الجانبين محاط بشريط لامع على طريقة لاعبات التنس مما جعل رأسها اشبه بقرنى حلزون يعصب رأسه من الصداع .

_ اذيك يابت ياناهد وازاى الواد عماد ابنك

انفرجت شفتيها مظهرة اسنان حمراء من اثار ( الروج ) فبدت كمصاص دماء فرغ لتوه من التهام طفلا

_ حلو يابا الحاج بس مغلبنى طول النهار يلعب مع ابن عمه فى الترعة وانا خايفة عليه من البلهارسيا

اعتدل مرزوق فى مجلسه وربت على مقشته الادمية بثقة

_ يابت انتى بتصدقى الكلام دة ، دة كلام تلافزيون ، ماحنا طول عمرنا نستحمى فى الترعة وادينا عايشين وزى الفل ، كان جرالنا اية يعنى ، وبعدين يعنى هى الدودة دى الى هتموتنا دة انى لسة ديك النهار  قارصنى حنش كان حصلى اية يعنى  ، ولا حاجة ، احنا ميتنا حلوة وزى الفل لو وحشة زى مبيقولو مكنتش كبرت الزرعة )

لوت ناهد شفتيها فى عدم اقتناع وتمتمت

_ يمكن ياعم مرزوق ، بالاذن انا بقى عشان الحق حنة بنت خالتى

رماها جابر بنظرة متفحصة متشككة

_ جوزك عارف يابت

ردت سريعا _ امال اية يابا الحاج طبعا عارف وواخده منه الاذن هو انا اقدر اخطى خطوة من غير مااشوره

لوى جابر شفتيه مبرطما بالدعاء على كلاهما بسره

_ طب متعوقيش عشان تحطيلى العشا

ردت وهى تجرى مسرعة من امامه

_ حاضر يابا من عينيا

زفر جابر فى ضيق وكاد ان يحطم البوصة باسنانه

 

_ جيل هم مايعلم بيه الا ربنا ، البت من دول عايزة تتجوز عشان تحط الاحمر والاخضر وتخلص من اوامر ابوها ، امهم كانت تقعد تحت رجليا مكان مروح تخدمنى وتشوف طلباتى ، انما النهاردة تجوز ابنك وتدفع عليه دم قلبك عشان تيجى عيلة برياله تلحس عقله وتعصيه عليك ، اسفوخس على دى رباية

ربت مرزوق على كتفه مهدئا

_ مالك بس ياجابر ماهى البنية بتقول واخدة الاذن من جوزها

صاح جابر فى غضب جعل اللعاب يتطاير من فيه

_ جوز مين ياجدع دة جوز شراب مقطع ، مانتا عارف محمد خايب لاعارف يحكمها ولا يلمها ، ديك النهار قال واخدها ورايحين السيما ، كل ليلة على دة الحال ناحلة وبره وهادة حيله ، وهو ياولداه يرجع كل ليلة شقيان وهى مقضياها تنطيط من امها للخياطة لأبصر اية المزين ، ياما نصحته مسمعليش طالع خرع لامه ، البت من دول تكسرلها ضلع يطلعلها 24

ضحك مرزوق كاشفا عن تجاويفه الاثرية وصدر يشخشخ كالبلى

_ وانت مالك ياجدع هو انت ضرتها هدى خلقك كدة وخلينا نشوف الماتش

 

(يعدى من ماهر ..ويعدى من حسام ..ويخشششش.. ..على حسنى يحط الجون الاول للنادى المصرى بعد مضى عشر دقايق …)

ينهض جابر ملسوعا ليمسك التلفاز وكانه يستجديه ان يرجع بكلامه ، لا يصدق كيف مرت الكرة من اكرامى كى تغتصب الشباك ، يصرخ جابر ( ملعون ابوكو )

_ياعمى هدى خلقك كدة ، ديه دى ، مكنتش كورة دى الى هتبوظ مزاجنا عشانها ، اقلب احسن شوفلنا حاجة عد…

رماه جابر بنظرة نارية اجبرته ان يبتلع لسانه ، كيف يطلب منه الاحمق ان يبحث عن قناة اخرى ، لقد

استطاع الوصول للاولى باعجوبة بعد محاولات مضنية للتفاهم مع الهوائى ،لقد كاد ان يشعل البخور لطرد الارواح الشريرة الى سكنت الصندوق الحديدى

تراجع بظهره نحو مجلسه وعينه المبصرة على الشاشة محاولا الا تفلت منه لحظة واحدة من المباراة ، سحب السبرتاية ليصنع قدح قهوة اخر يهدئ اعصابه التى فاحت منها رائحة الشياط

_ ازاى الواد ابنك البكرى يامرزوق لسة عصيان عليك

زفر مرزوق فى يأس حين تذكر بكريه ابراهيم ذو السابعة عشر ربيعا والذى اتاه بعد محاولات مضنية للانجاب تزوج خلالها ثلاثة نساء

_ الواد مستعر من الفلاحة لا راضى يزرع ولا يقلع وياريته فالح فى العلام الا كل يوم والتانى يقابلنى الاستاذ مرعى ويشكيلى منه مر الشكوى

كان ابراهيم فتى رقيعا من المتأثرين بموضة الهيبز والدجاج الابيض الغنى بالهرمونات ،ينكش شعره دائما ليجعل رأسه اشبه بقنفذ اشعث او سمكة spinypuffer غاضبة ،يصر على ارتداء السراويل شديدة الضيق على الخصر شديدة الاتساع كجونلة اسفل الركبتين ،بالاضافة لاحاطة عنقه بسلاسل عجيبة تحمل جماجم وافاعى كعبدة الشيطان ، من اجله تزوج مرزوق من ثلاث نساء على امل ان يحظى بالولد الذى طالما تمناه ، وكانت المفاجأه ان حملت به زوجته الاولى بعد ايام قليلة من اتمامه لزيجته الثالثة .

 

زفر جابر (سبحان الذى له الدوام دة انت عملت اللالى عشان تجيب العيل دة )

_ ياريته ماجه يااخى خلفة الندامة والصدامه جيل مهبب مايعلم بيه الا ربنا

افاق الرجلان من التركيز بالمباراة على صوت محمد ملقيا السلام

_يا الف مرحب ياعمى مرزوق ، احنا زارنا النبى

انفرجت اسارير مرزوق حين رأى محمد قادما ليحتضنه ويلثم خديه ، يشبه ابوه كثيرا بالملامح فقط لكنه ابعد مايكون عنه فى الطباع ، ورث الكثير من طيبة امه الراحلة وطولة بالها ، بالاضافة لانف والده وقامته الفارعة

_مرحبا بيك يامحمد يابنى ازيك وازاى ابنك

جلس محمد على المصطبة وسط نظرات ابيه الحانقة

_ نحمد الله ياعمى مرزوق اهو طول النهار يلعب فى الطين مع ابن عمه والسنة الجاية هيروحو المدرسة بعون الله

ربت مرزوق على كتفه _ربنا يخليهولك وتعيش وتفرح بيه

تمتم محمد _ امين يارب

والتفت لوالده

_ازيك يابا وازاى صحتك النهاردة  ،ناهد قالتلى انك كنت بعافية الصبح وكنت بتكح

لم يلتفت اليه جابر واجابه من تحت ضرسه

_توك ماافتكرت ابوك

_ يابا منا كنت معاك الصبح ومن وقتها وانا فى الارض برش الكيماوى مع الرجالة

_والدلعدى مراتك بتهق فين النهاردة ،سايبانى وهى عارفة انى عيان ، ليها حق تتنطط كل يوم ماهى شايفاك خرع ومش عارف تمشى كلامك عليها

زفر محمد فى نفاذ صبر

_لية بس كدة يابا هى ناهد قصرت فى حاجة ماهى خدمانا وشايفة طلباتنا دة حتى عمر ابن اخويا بتعامله كانها امه واحسن ،انت قلتلها على حاجة ومعملتهاش قولى وانا اكسرلك دماغها ، لكن لما هى مبتقصرش فى حاجة وبتخدم الصغير قبل الكبير يبقى احبسها لية وازعلها لية

احتقن وجه جابر ولم يستطع الرد بعد ان افحمه ابنه ، واكتفى بتحريك شفتيه مبرطما بكلام غير مفهوم

تركه محمد ودخل المنزل الصغير المكون من طابقين ،مبنى من الطوب الاحمر المغطى بالجير ،يستقر بمدخله فرن بدائى مصنوع من الطين صنعته امه الراحلة بنفسها ، ولازالت ناهد تستعمله فى صنع الفطير والارز المعمر ، بالسطوح تلهو بعض الدجاجات والارانب ،بالاضافة لبقرة نحيلة تسكن الزريبة المواجهة للمنزل

)توء توء توء ) تمتم مرزوق ( لية بس كدة ياجابر دة محمد ابنك طيب وابن حلال وطول عمره فى طوعك ،دة هو الى شايلك من يوم جمال ماهج على بلاد برة

_داهية تشيلهم الاتنين ، ولا واحد فيهم عاجبنى واحد خرع مراته الى ممشياه والتانى رايح يتجوزلى مرة كافرة لا نعرفلها اصل من فصل ، بقى انا بعد مصرف عليه دم قلبى عشان يطلع داكتور قد الدنيا ، فى الاخر يروح يتجوزلى بت صايعة ويخلف منها ويرميلى الواد اربيه ، عيال هم جابولى العلة والمرض

انتهى الماتش اخيرا بالتعادل بعد ان استطاع محمود الخطيب ان يحرز هدفا قرب نهاية الشوط الثانى ، مما اثلج قلب جابر الذى كاد ان يصاب بالفالج ، وضع مرزوق كوب الشاى المصفر من اثر الاستخدام واستأذن بالرحيل فالجو اصبح ببرودة الثلاجات الكهربائية التى ظهرت للمرة الاولى بهذا العام واثارت ضجة

_ بالاذن انا بقى ياجابر الدنيا سقعت والعضمة كبرت مبقتش تتحمل

نهض جابر متثاقلا وهم بحمل فنجان القهوة الذى كان يوما ابيضا ولم يعد ، ثم تراجع واثر تلك كل شئ لتنظفه (الست هانم )التى لن تعود طبعا قبل منتصف الليل

لمح الولدين عمر وعماد على مقربة من المنزل يجلسان ببركة طين و يصنعان منه اشكالا  مع اقرانهم ،جلابيب قصيرة متسخة لا تميزها من الوحل المحيط ، وجوه مغبرة يسيل من فتحاتها المخاط واللعاب ، صراخ وركض خلف الدجاجات فى محاولات باسلة لخنقها

صرخ فيهم جابر( انت يا ولا منك له يلا عشان تتخمدو)

لم يلتفت اليه الشقيين وقاما للعب دور جديد من استغماية ،عمر وعماد شيطانان بالثالثة يستطيعا اشعال حرب عالمية مفردهما ان ارادا ، ركض عمر حافى القدمين يلتصق شعره البنى الناعم بجبهته من العرق على الرغم من بروده الجو ، انفه دائما سائل المخاط  فلا يهتم بمسحه ، فى خفة الابراص استطاع

التسلل والزحف من فتحة عريضة بجدار الزريبة المتهالكة

صرخ جابر ( يلا ياولا منك له ياولاد الابالسة ،انت ياض ياعمر مش بنده عليك ،يلا عشان تتخمد مش كفاية ابوك رما….

بتر عبارته ليمسك صدره بيمينه ويصدر صرخة الم قصيرة ، حاول التماسك حتى لايفقد هيبته و مصداقية نظريه( الدهن بالعتاقى) التى يصر عليها ، حاول المشى نحو المنزل لكنه انهار وسقط على ركبتيه مصدرا بعض  الحشرجات غير مفهومة ،  من بعيد لمحته جارة بدينة تلقى ريش الدجاج المنتوف بقارعة الطريق فى فخر وتباهى ،القت مابيدها واطلقت صرخة تكفى لايقاظ الاموات وركضت نحوه لاتعرف ماذا تفعل

_ ياحاج جابر ، ياحاج جابر …اية الى جرالك … الحقونا يانااس

خرج محمد من المنزل يركض كالملسوع مرتديا فانلة وكالسونا داخليا ، فقد كان يستعد للاستحمام ، قفز على صدر ابيه يحاول تدليكه  وسقايته كوب ماء بسكر احضرته جارة سريعة التصرف ( مالك يابا اية الى جرالك ، رد عليا يابا )  لم تفلح محاولاته فى افاقة ابيه وبدء يدرك خطورة الامر ، فقام يركض باتجاه زينهم جارهم ، فهو الوحيد بالقرية الذى يملك سيارة

دق على باب بيت زينهم بكلتا يديه حتى كاد يقتلعه من مكانه ، افاق الاخير بعد دقائق فقد كان غارقا بنوم عميق ، قفز من فراشه يركض وهو يلعن اسلاف هذا الطارق قليل الحياء ، فتح الباب بسرعة حتى كادت الاوكرة ان تنخلع ،من الوهلة الاولى ادرك الامر فقد وجد محمد يقف بملابسه الداخليه ووجهه يغمره الدموع والعرق ، كان يلهث ككلب تاه بالصحراء و من بين انفاسه المتقطعة تخرج كلمات غير مفهومة لم يستوعب منها سوى ( ابويا )،ركض حافيا منكوش الشعر للداخل  ليستل مفاتيحه وحمل محمد معه بالسيارة منطلقا لابيه

تعاون بعض الرجال على حمل الجسد الثقيل ووضعه بصندوق السيارة التويوتا الربع نقل ، وجلس بجواره محمد يسند راس ابوه بزراع ، كان يعلم انه لاجدوى وبدات دموعه بالتساقط على وجه ابيه ( سامحنى يابا حقك عليا ) ، امسك بكف ابيه مقبلا عله يسامحه ويعود للحياة ، انطلقت السيارة تنهب الارض نهبا نحو المستشفى الى تقع بالمركز القريب ، وقبل وصولها كان قد اسلم الروح لربه .

فى اليوم التالى خرجت الجنازة مهيبة سار بها اهل القرية والقرى المحيطة ، لم يكن الفقيد محبوبا بشدة لكن ابنه محمد كان صاحب افضال على الجميع ، فكان المعزيين يتوافدون من كل مكان حاملين الاسى والدموع والمجاملات ،وعند الظهيرة قامو بتأدية الصلاة على الجثمان  ، لكن الصوان ظل قائما حتى العشاء

_ هيييه دنيا

ربت مرزوق على فخذ محمد مواسيا

_ سبحان الذى له الدوام ، دة انا سايبه بيشرب القهوة وكان زى البمب ، شد حيلك يامحمد يابنى وانا تحت امرك فى ايوتها حاجة ، ابوك الله يرحمه كان اكتر من اخويا ، عليا النعمة انى كنت بحبه اكتر مابحب ابراهيم ابنى

تمتم محمد بخفوت ولا يزال لا يستوعب فكرة رحيل ابيه

_ سابلك طولة العمر ياعمى مرزوق

كان من الصعب على الجميع استيعاب فكرة موت جابر المفاجئ ، فقد كان يتمتع بصحة ممتازة يؤمن انه اكتسبها من السمن البلدى ، لم يكن محبيه كثيرين فقد كان منعزلا عن الجميع ،كثير الوقيعة والمشاكل ولابد من نشوب عراك فى اى مكان يحل به .

تولت النسوة مهمة مساعدة ناهد بصنع القهوة السوداء والشاى ، والدوران بالصوانى البلاستيكية على الجالسين ، حتى انفض العزاء  ورجع الجميع لمنازلهم ، قامت ناهد لتجمع الاكواب الفارغة التى تهشم معظمها (موت وخراب ديار ) تمتمت ناهد بسرها ، لم تكن تحب المرحوم كثيرا فقد كان يعاملها كخادمة اشتراها المحروس ابنه من سوق الجوارى ، على الرغم من حسن عشرتها وخدمتها المخلصة له ، وكثيرا ماكان سبب نشوب المعارك بينها وبين زوجها ، حتى كادت الامور بينهم تصل للطلاق ،ولكن الشهادة لله فان زوجها طيب القلب  كان ينصفها اغلب الاوقات

نادت على عمر وعماد ليخلدو للنوم ، وقد كانا لايزالا لا يستوعبا بعد سبب سقوط جدهم كبالون مثقوب ، كان الشقيان لا يزالان يمارسا لعبهما المعتاد ، وصوت ضحكاتهم وصراخهم تصم الاذان ، زجرتهم ناهد وجرت عماد من اذنه واغلقت الباب .

لفصل الاول رواية (عكس عقارب الساعة)
سمر احمد الشحات من مصر

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى