ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : الجسد الجريح . مسابقة القصة القصيرة بقلم / محمود خالد عبد الجواد . مصر

الاسم: محمود خالد عبد الجواد
الدولة: مصر
رقم الهاتف وواتس آب: 01004907933
رابط صفحة فيسبوك: https://www.facebook.com/mahmoud.qudsy/
تصنيف العمل: قصة قصيرة
عنوان القصة: الجسد الجريح.. رسائل من قلب الاستنزاف
==========================================================
“عزيزي القارئ، إليك رسالتي، ألا تعرف من أنا؟”
أنا الجسد الجريح الذي أذاعوا هزيمته وأشاعوا وفاته، قالوا عني جثة هامدة، لن تُردّ له عافية، ولن تقوم له قائمة، أنا التائه بين صفحات التاريخ، أكتب في صمت رسائل الحرية المرْويّة في صحراء اليأس، بقلب نابض وعقل للأمر الواقع رافض.
أنا من حلم بالقومية وآلمته ضربات نكسة مزقت نياط قلبه. أنا الحائر بين عدو ينهل من عطايا الطائرات والمدفعية، وحليف يحلم بدُبٍّ يرقص فوق صفيح ساخن على أنغام الشيوعية.
أنا الأذن التي سمعت من المذياع، نبأ هزيمة من كانوا على مشارف تل أبيب، وموشى ديان يعطي رقمه لكل زعيم عربي يطلب الاستسلام، وخطاب تنحي عبد الناصر، وهتافات الميادين تطالبه بالعودة إلى الحكم.
أنا الأسير الذي روى الأرض بدمائه، والجندي الذي رأى أعلامهم في أرض سيناء وشرق القناة وضفاف نهر الأردن ومرتفعات الجولان، وطائراتهم تحلق فوق رأسه وتشق عباب السماء المفتوحة بين الإسكندرية وأسوان.
أنا العربي الذي انتظر القرار 242، ودعوة الأمم المتحدة لانسحاب العدو، مقابل إنهاء الحرب، وثار من تجاهل القرار.
أنا كلمة عبد الناصر “ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، والعدو لا يعتزم الجلاء إلا إذا أُرغم على ذلك”، ورسالة العرب في مؤتمر الخرطوم؛ جسدٌ واحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
أنا الذي اختبأ عدوه خلف ساتر ترابي شرق قناته المؤمّمة، وقال رئيس أركانه “الشعب المصري سيكون طوع أيدينا”.
وأقسمت ألا يحدث..
أنا جندي القوات المسلحة الذي خلع رداء اليأس وارتدى بزَّتِه العسكرية، وتعلم كيف يقتحم الموانع المائية، ويدمر المواقع الحصينة، ويرمي بالذخيرة الحية.
أنا الشاب الجامعي الذي قرأ قانون منظمات الدفاع الشعبي، فتدرب على حمل السلاح، ووقف يحمي الأهداف الحيوية.
أنا ثلاثون مقاتلًا من الصاعقة، أجبروا مدرعة كاملة على الانسحاب من رأس العش، ومائة ضابط وجندي أطاحوا بالكوماندوز خارج الجزيرة الخضراء.
أنا رجل من القناة، أخذ زوجته وابنهما، وهُجِّروا إلى القاهرة، بعد اشتداد نيران العدو. ألمٌ حاد يعتصر قلبه؛ قد لا يُدفن جوار أبويه.
أنا من أغرق إيلات بصاروخ بحري موجه لم يعهده التاريخ العسكري، وزوارق طوربيد تحمل سبعة عشر مقاتلًا، واستأذن عدوه بالبحث عن ضحاياه في المياه.
أنا العامل في مصانع الزيتية، رأيت النيران تشعل البترول، وصحف العدو تشيع للعالم بأن السويس تحترق.
أنا ضابط جزيرة شدوان، أوهمت جنود العدو أني سأسلم رفاقي، واستدرجتهم إلى مخبأ، وأطلقت عليهم الرصاص، وختمت انتصاري بالشهادة.
أنا أب مكلوم من الشرقية، تلقى وحيدي الدرس الأخير في مدرسة “بحر البقر”، ورأى هذا الجسم الغريب القادم بسرعة من النافذة، و… طبعتُ قبلة فوق جسده الملفوف بكفن أبيض في المساء.
أنا من أثار هلع العدو بطلعاتي الجوية، وأسقطت دباباتهم في معارك المدفعية، ورأيتُهم يتركون مواقعهم ويفرون مثل الجرذان.
أنا الصحفي الذي كتب عن ضرب محولات كهرباء السد العالي وأبو زعبل وكوبري قنا وقناطر نجع حمادي، والعدو يشيع للعالم بأن بلادي غطتها المياه.
أنا صاحب “مذبحة الفانتوم” الذي أسقط اثنتا عشرة طائرة، وبطل رأس ملعب الذي نسف أعداءه بألغامه، وكمين اللواء 117 مشاة، الذي أَسَرَ دان أفيدان وعاد به إلى الضفة الغربية.
أنا الجسد المتعافي، أكتب رسالتي الآن بعد وقف إطلاق النار، لا أعلم ماذا سيحدث في المستقبل، ولكني لن أستسلم، وأؤمن أن الحرية ستأتي بعد سنوات قلائل.
—–
“حرب الاستنزاف خلت من قصص البطولة الإسرائيلية التي كان بالإمكان روايتها للإعلام الإسرائيلي، وحتى الصور التي كان يُجرى التقاطها من الجبهة خلف خط بارليف، لم تكن سوى صور جنود إسرائيليين محبوسين في مواقعهم أو داخل طائراتهم العسكرية”
– الباحث الإسرائيلي دان عيرف

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى