ط
الشعر والأدب

من ثقب إبرة. قصة قصيرة للكاتبة / عزة سيد ( حياة العلا )

من شرفتى أراه كل يوم، يقطن تلك الشقة الصغيرة في العمارة المقابلة لنا، يرتدى جلبابه الفضفاض الذى يخفى فيه ضخامته وكرشه الكبير ، ويضع على رأسه طاقية من القماش ،يجلس فى الشرفة وفي يده كوب الشاى الذى لايفارقه ،إلا في شهر رمضان ،أمامه على السور قطه السيامى الذي يشبهه في الضخامة ، والمذياع الذي لا يتحول أبدا عن إذاعة القرآن الكريم ،يستمع لتلاوة الشيخ محمد رفعت ،يرتشف ما تبقى من الشاى ،وفى اليد الأخرى مسبحة يظل يتمايل مع التلاوة ، واحيانا أشعر أنه يبكي من فرط التأثر، بعد إنتهاء التلاوة يخرج إلى الغرفة ،يقف على طاولة القص ،أو يجلس إلى المكينة يزاول عمله كخياط ، يعيش وحيدا مع قطه ،لم أر أحدا يزوره غير أصحاب المحال، يأتون ليأخذوا ماقام بحياكته وينصرفون،

سألت أمى يوما…( هو عم يوسف جارنا مالوش ولاد خالص ؟)

ردت أمى: العلم عند الله يابنتي، صحينا يوما على صوت سيارة نقل تحمل بعض المنقولات وطاولة التفصيل والمكينة فقط ،ومن يومها لا رأينا له لا زوجة ولا بنت ولا ولد، ولا نعرف من أين أتى ، هو رجل في حاله، و بتاع ربنا وكفاية عشقه للقرآن ، ظللت لفترة طويلة أستمتع بمشاهدة عم يوسف وبرنامجه اليومي، وبداخلي رغبه عارمة في كسر الغموض الذي يحيطه ، واعرف سر حكايته ،لكن شجاعتي دائما تخونني، وفي يوماستيقظت على صوت حركة غير عادية في الشارع، خرجت مسرعة إلى الشرفه ،وجدت أمى قد سبقتني إليها، سألتها: ماذا حدث يا أمي؟ ردت وعينيها يملأها الدمع، عم يوسف مات، شعرت بقبضة في قلبي، انهمرت دموعي ،والشارع قد امتلأ بأناس لا أعرفهم، من هؤلاء ومن أين أتوا؟ فجأة حضرت عربه لها شكل مختلف عن عربات نقل الموتى التي أعرفها، أخرجوا منها صندوقا خشبي. بعد قليل نزل الكثيرون من شقة عم يوسف يتقدمهم القسيس ومساعدينه، والصندوق الخشبى عليه صليب خشبى ،نظرت أنا وأمى لبعضنا البعض، وقد ألجمتنا المفاجأة ؟!!!

عم يوسف مسيحي ؟؟!!!!!.

#حياة #

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى