ط
الشعر والأدب

أفنيت عمري..وسأبقى قصة قصيرة بقلم: رابحي محمد إلياس

رابحى محمد

أكاد أبكي حينما أراه لا يلتفت إلي، ولا يعيرني اهتماما قدر الذي يوليه لعمله وأصحابه “ربما”، أكاد أبكي، ليس لأني أشفق على حاله اليائس، بل أكاد أبكي حسرة وندما على حالي أنا، كيف قبلت برجُلٍ مثله، ربما لأنه لم يكن هكذا في الماضي، كان يموت في حبي ويذرف بدل الدموع دماءً حين أفارقه لبُرهة، أذكر جيدا اليوم الذي جاء فيه لخطبتي من أبي وأهلي، بدا متأنقا وريحه الطيبُ يسبقه بأميال، حتى أني قد شممتها قبل أن يصل مع والدته بدقائق، كيف لا وأنا التي كان يناديني بمقلة عينه، حبيبته..رفيقة دربه، وكل ذلك الكلام المعسول الذي لم يحدثني به منذ سنوات، وبالطبع أذكر حين استقبله أبي عند باب بيتنا، حاملا باقة الورود الحمراء، كان يعلم مسبقا أني أحب هذا اللون لذا خيّره دون سواه، فدخل ووالدته إلى صالة الدار المتواضعة، ويبدو من ملامح وجهه الارتباك والتوتر، هكذا عهِدتُه، خجول دائما ولا يجيد الكلام، ربما هذا سبب وقوعي في حُبه، فأنا الوحيدة التي كان يحدثني بفصاحة لسان ودونما خوف أو تردد، أراقبه من ثقب باب صالتنا المهترئة، والعرق يتصبب من أطراف وجنتيه، لحسن الحظ أن والدته برفقته والتي تحدثت نيابة عنه بينما اكتفى “هو” ببضع كلمات متلعثمة ومتقطعة، مرّ يوم الخطوبة بسلاسة، أذكر أن دموعي قد انهمرت من شدة الفرح والسرور، تلك الدموع التي لم أعد أذكر شكلها، دموع ودّعتها الجفون منذ أعوام خلت، وهكذا تعاقبت الأيام حتى جاء يوم الزفاف، اليوم الذي دخلت فيه بيته لأول مرة، “عفوا” فقد قلت بيتا، تلك لم تكُ إلا غرفة ذات أربع جدران، ويمكن إضافة الخامس باعتباره سقف القرميد، لم أتعجب للأمر لأنني كنت على علم بحالِه وظروفه، فقررت العيش معه وفقا لمبدأ: “لا بأس بالكِسرة والماء ما دمت أعيش بين من أحب”، لم يبدو ذلك “المبدأ” بهذه السخافة مقارنة بالسنة الأولى التي قضيتها برفقته، فقد كان يدللني ويحظر لي ما أشتهيه من مأكل وملبس، إلا أن الحال تغير بعد مضي السنة الأولى، بدأت أحس وكأن مشاعره قد تغيرت اتجاهي، فلم يعُد يُغازلني بكلماته الرقيقة الحساسة، ولا يواسيني بابتسامته العذبة البريئة، ابتسامة قد انقطعت هي الأخرى منذ أحوال، أغارُ عندما أراه يحمل حباتِ الطوب والقرميد كأنه يعانقها بين أحضانه، بينما أنا زوجته لا يكاد يلمسني ولا يُرَبِتُ على كتفي حتى، سأعذره على كل هذا، فلربما مشاكل الحياة هي ما جعله يبتعد عني قليلا، وربما أنه لا يريد أن أتعلق به كثيرا خوفا من اليوم الذي قد يرحل فيه، فأبقى وحيدة حزينة كاسفة، وربما..وربما..، لكن مهما اختلفت الظروف والأسباب فأنا على يقين أنه يحبني في داخله رغم أني لم أسمع منه هذه الكلمة منذ سنين، لقد كنت أحبه ولازلت، مع هذا الفقير الشحاذ قد أفنيت عمري..وسأبقى فما الذي تغير الآن.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى