.. مات، جاءني بعد أيام قلائل، بكفن مهلهل..، هزيلا..، تكاد تحمله أقدامه، تتأرجح به، تخدمه زاهدة..، صارخا ببنات عينيه:
أغثني يا ولدي..
استيقظت فزعا مكدرا، بلسان ذاهل حاضر:
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
اعتدلت..، جلست مفكرا..، ألهمني العليم الخبير بإشارته.. أبرقته بالفاتحة برقا..، أرعدته بكنوز قرآنية رعدا مؤيدا..، أمطرته بشلالات الاستغفار..، أغدقته ذكرا وتسبيحا ودعاء غدقا..، حتى غلبني النعاس.. جاءني ثانية..، نبأني لسان حاله:
أغثتني بجرعتكم المكثفة..، عداد حسناتي ودرجاتي. أصبح في حال أفضل،..
سررت لتوفيقي في فهم زيارته..، كذلك إشارة الله..، عزمت على إنعاشه..، ذهبت إلى المسجد، قابلت أحد مسئوولي الأعمال الخيرية، طالبته بعنوانات أسر فقيرة، أخرى ترعى أيتاما.. وكأنه ينتظرني، أمدني بما سألته..، أسرعت إليهم..، مددتهم بتموين غذائي..، أبلغتهم مبلغا.. لعاجل حاجتهم، أجريت لهم رواتب، عدت لمنزلي بسعادة.. لم أشعر بها من قبل، كأن ما فعلته لتوي وفاء لديون، سددتها في أخر ميعاد لاستحقاقها، خلصت من عبئها، همها، عقلي في فكر..، باحثا عن مصادر أخرى..، كما نقول (العبد في التفكير والرب في التدبير)، وضع في طريقي عددا من أبواب الخير، ولجتها بلا تردد، أوفيتها حقها، جبرت بخاطر الخالق في خلقه، خاطر من تسبب في خلقي، ظللت أياما وأسابيع، لا شغل لي، إلا تعزيز حسابه، رصيده..، حتى جاءني الثالثة، في أبهى صورة، ثمار الصدقات بوجنتيه. تتباهى، تتبختر بإنشودة ( أنا أفضلكم.. أنا أفضلكم..)، يسبح في أنوار أنهار الاستغفار، تكسوه حلل الذكر، التسبيح يكلل هامته، بزهو النجاة..، مهللا:
نجوت ورب الصدقة، تطهرت ورب المغفرة، أنقذني بتوفيقة وإشارته..، ارتقيت ورب الذكر والدعاء، من درجات عدن والخلد والنعيم، أصبحت محسوبا على الفردوس.
وقسما برب اللطائف والإشارات.. اللطيف الخبير. آلمتني نظرات المحيطين به من ذوي الأكفان المهلهلة..، لن أنسى أبدا نظراتهم..
بقلم
الكاتب / عصام سعد حامد
مصر اسيوط ديروط
26 – 5 – 2023