ط
مسابقة القصة القصيرة

أنا و الوسواس ..مسابقة القصة القصيرة بقلم / تامر كامل من مصر

تامر كامل حسين محمد
جمهورية مصر العربية
تليفون /01111942118
مشاركة مسابقة فى (القصة القصيرة) بعنوان

“أنا .. و الوسواس”

“مجدي أنت جيت يا حبيبي ”
هذا ما قالته منال زوجة مجدي له حينما أتى إلى المنزل في وقت متأخر من الليل كعادته
منال لا تعلم ما هي طبيعة هذا العمل الذي يأتي منه زوجها متأخرا كل ليلة حتى أيام الأجازات والعطلات الرسمية ، وكلما سألته كان يجيبها الإجابة المعتادة انه عمل متراكم على عاتقة وحده ولا يوجد من يقوم به غيره ، كان الله في العون يا مجدي ، ولكن ما هو المختلف في تلك الليلة ،عندما دخل مجدي إلى المنزل لأول مرة يسمع صوت زوجته وهى تناديه ولم يسمع صوت شخيرها ذاك الشخير الذي كان يعزف أعذب الإلحان وأجمل السيمفونيات
أجاب مجدي “أيوه يا حبيبتي أنا جيت ”
هنا انكشح الظلام عن ملكة جمال كانت تقف خلف الستار
من تلك المرأة الجميلة؟ أحقا هي زوجتي ؟
عجبا !!! أين ذهبت تلك الملابس المتسخة من عمل المنزل التي كثيرا ما طلبت منها أن لا ترتديها ، وما تلك الرائحة الذكية التي تفوح منها ، أين ذهبت رائحة البصل التي كانت تتصاعد من يدها ، وما تلك الشفايف التي أشبه ما تكون بحبة فراولة أو كريز ،أين ذهبت تلك الشقوق التي كانت تجرح من يفكر أن يقترب منها أو يمسسها بسوء كعقاب منها كأنها كانت تضع لافته ممنوع الاقتراب أو التصوير وعلى المخالف أن يتحمل نتيجة خطأه، كيف تبدلت كل تلك الأشياء في ليلة واحدة كهذه ،هنا قاطعت تفكيره منال
” حبيبي مالك ”
“مال ِ أنا !!!؟ ”
هنا ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي منال مع غمزه سريعة من احد رموشها لتطلق سهام الغريزة في قلب مجدي فيترك كل ما بيده لينطلق كالأسد الذي يهجم على فريسته ليلتهم كل شيء بها جسدها …شفتيها …حتى ملابسها التي أعجبته لم تسلم هي الأخرى فقد تمزقت بين مخالبه لتكشف له عن كل ما أراد أن يراه ويتذوقه في تلك الليلة ، إنها ليلة مختلفة حقا فليس من العادة أن يرى كلا منا زوجته هكذا ولكن إذا أتت لك فرصة كتلك الفرصة فلابد أن تغتنمها كما فعل مجدي بالضبط ،ترك مجدي منال ملقاة على الفراش كحال الفتاة التي اغتصبها عشر رجال وقام منتشيا حلاوة النصر ليأخذ حماما باردا ليلة كهذه يحس الرجل بأحاسيس غريبة كأنه نجم المصارعة هالك هوجن أو ملك الرومانسية حسين فهمي أو مغنى الراب هذا امينيم لكن الوضع كان مختلفا قليلا مع مجدي لقد انقلب إلى مطرب شعبيا من الطراز الأول حتى انه ظل يردد “أديك في السقف تمحر ..أديك في الأرض تفحر ” حتى أن بعض الجيران ظنوا انه كان يعمل عمل مبيض المحارة في ذلك الوقت المتأخر من الليل
أحس مجدي بالجوع الشديد فذهب إلى المطبخ ليتكشف ما به من طعام لاشيء هنا ..أو هنا أو هنا نظر إلى الثلاجة متوسلا إياها أن يجد بها ما يسد جوعه وبيد تتردد وقلب يدعو وعين مغلقة ــ فتح مجدي ثلاجته ومعها فتح شباك صغير من عينيه ليفتحها أخيرا ًعن أخرهما ويرى الفاجعة الكبرى التي كادت أن تذهب عقلة وجعلته يأخذ بعض الخطوات للخلف في حركة لا شعورية منه ويسقط على الأرض من هول المنظر ،كان هناك يجلس رجلا مخيف المنظر يخرج من عينيه ضوءا احمر،فجأة تحول مشهد الطرب الأصيل مع أغنية أديك في السقف تمحر إلى مشهد مرعب مخيف جدا .من هذا الرجل الغريب ؟وكيف دخل بثلاجة المطبخ ؟ وما هذا الضوء الغريب الذي يخرج من عينيه ؟ لم يستطع مجدي أن ينطق ببنت شفة كما انه أحس حتى لو خرجت تلك الكلمات من فمه فأنه لن يسمعها احد فهي كلمات صامتة ، أحست منال أن هناك شيئا غريبا يحدث ،أين تلك الكلمات الهابطة التي قد صدع بها رأسها منذ ساعة وأكثر لماذا توقف فجأة هكذا!! ؟
منال : في حاجة يا مجدي ؟ أنت كويس ؟
لكنها لم تتلقى أي استجابة منه
تبادل مجدي وهو ملقى على الأرض نظرات صامته مع هذا المخلوق الذي لم ينطق هو أيضا وبعد دقائق صغيرة تمالك مجدي نفسه واخذ ينهض عن الأرض شيئا ً فشيئا ً ليعدو باتجاه باب المنزل ليطلب العون والمساعدة من الجيران على أمل أن ينقذوه،وبحركة كلها عصبية وخوف فتح مجدي باب منزله ليتسمر مكانه مرة ً أخرى لقد كان هو – نعم كان يقف هناك بباب المنزل ، كيف استطاع أن يفعل ذلك ؟ كيف تواجد في مكانين مختلفين في نفس التوقيت وبتلك السرعة ؟ لم يتمالك مجدي نفسه فخطى بضع خطوات سريعة لاإرادية للخلف ليسقط مرة أخرى ولكن لا يهم ، فالمهم ما فعله ذلك الكائن الواقف هناك ،فقد قرر أن يخرج من سكونه ويتقدم خطوات ثابتة تجاه مجدي هنا أغلق مجدي عينيه كي لا يرى هذا المشهد المخيف فقد كاد قلبه يتوقف من هول المنظر و تمني أن يكون كل هذا كأنه لم يكن وبعد لحظات أطلق مجدي انفراجة صغيرة من شباك إحدى عينيه ليرى هل مازال هذا المخلوق المخيف واقفا هناك ؟ أم أن كل شيء قد انتهى وسمع الله لدعوات قلبه التي تطلب الرحمة والمساعدة ؟انفرجت أعين فتحي عن أخرهما لترى ….ما هذا ..لاشيء هنا أين ذهب هذا المخلوق ؟ لقد كان أمامي منذ دقيقة واحدة ولكن لا يهم .. لا يهم المهم انه مضى ..هكذا تحدث مجدي إلى نفسه
هنا هبطت معدلات تسارع نبضات قلبه التي كادت أن تقضى عليه وتمتم أخيرا ببعض الكلمات “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..أعوذ بالله …..” لم يكد ينهى مجدي تلك الكلمات حتى سمع صوتا غريبا خلفه ،
بحركة دورانية ثقيلة جدا ارتكز مجدي فيها على ساعديه ليرى ما مصدر هذا الصوت ومعها تسمر مجدي في مكانه عندما رآه مرةً أخرى ،
اعتقد انه لن يصمد طويلا مع كل هذا فقد وصلت ضربات قلبه إلى حد ينذر بوقوع كارثة كبرى كأن قلبه يريد أن يخرج ويهرب من صدره لينجو بنفسه من هول المنظر
كان يجلس مجدي أسفل قدمي هذا المخلوق الذي تحدث أخيرا وخرج من دائرة السكون
“أنت خايف”
لم يستطيع مجدي أن ينطق واكتفى بتحريك رأسه أي نعم
“متخافش أنا مش جاى عشان أقتلك ”
هنا اطمئن قلب مجدي قليلا ولكنه لم يستطع أيضا التحدث
وأكمل هو
“أنا جيت بس في مهمة سريعة وماشى على طول ”
هنا خرجت من مجدي كلمات أشبه بالتمتمات
“م م م …مهمة أية ؟”
“أنت عارف إن إحنا مبنظهرش كده لأي حد ”
أومأ رأسه مجدي أي نعم
“إحنا بقى عوزين منك موافقة مكتوبة ”
مجدي : موافقة بأيه أنا مش فاهم حاجة
احمرت أعين هذا المخلوق الغريب أكثر وأحس مجدي بقدوم عاصفة من الغضب في وجهه
“يوه … متتعبنيش معاك أنا مش فاضيلك ”
مجدي :”أنا أسف ..بس أنا مش فاهم حاجة ”
“بص إحنا ممكن نعيش معاك هنا في البيت ده من غير ما تشوفنا ولا تحس بينا حتى بس الوضع ده متعب لينا جدا وإحنا زهقنا من الموضوع ده”
مجدي :”أنتوا مين يافندم ”
“وبعدين …يعنى أنت مش عارف إحنا مين؟ ”
مجدي :”لا عارف .. عارف أنا أسف”
“شوف إحنا بقى طالبين منك موافقة كتابية بأنك تسمح لينا نقعد ونظهر معاك عادى و متخافش أنا أضمنلك أن مفيش حاجة تأذيك ”
مجدي : “بس أنا متجوز ”
هنا ضحك ذاك المخلوق ضحكة ً شيطانه اهتزت معها كل عضلة بجسد مجدي وتابع بلغة كلها سخرية قائلا :
“منا عارف زى ما عارف انك بتكدب عليها كل يوم وتقول انك عندك شغل متأخر وأنت بتكون مع الزوجة التانية ”
خفق قلب مجدي … كيف علم بهذا الأمر ؟
– “يا نهار اسود …يانهار اسود لو عرفت منال بالموضوع ده ”
هنا خرجت منال لتجد مجدي ملقى على الأرض
منال : حبيبي أنت وقعت ولا إيه
لم ينطق بكلمة واحدة ولكنه أشار باتجاه ذلك المخلوق الجالس هناك
منال : “حبيبي مالك في إيه ؟ ”
مجدي :” أنت ِ مش شايفة ؟ ”
منال : “آه قصدك الكرسي …هو ده اللي وقعك معلش يا حبيبي ما يقع إلا الشاطر، شد حيلك كده وقوم وأنا هدخل أخد شاور سريع وأجيلك ”
هنا نطق هذا المخلوق بصوته المرعب
– “الظاهر إن أنت مش عارف بتكلم مين أنا الوسواس ..عارفتي ؟”
نطق مجدي بصوت متقطع :انعم وأكرم يافندم …بسمع عنك طبعا حضرتك أشهر من النار على العلم
الوسواس : تحب أوسوس لمنال وأقولها عن موضوع جوازك الثاني واخلي حياتك كلها نكد
مجدي : لا أرجوك …أنا هعمل اللي أنت تطلبه
الوسواس : امضي على الورقة بسرعة
بيد ترتعش امسك مجدي بقلمه ليمضى ” مجدي السلاب”
هنا تضاء جميع أضواء المنزل ويجد مجدي أمامه منال ووجها مكتظ غضبا
منال : بقى أنت يا ناقص رايح تتجوز عليا وأنا مستحملاك أنت وقرفك طول المدة دى طيب على فكرة الورقة اللي أنت مضيت عليها تنازل منك ليا عن كل حاجة
مجدي : ينهار اسود أنتي بتقولي أية ومين دة كمان ؟
منال :قصدك دول مش ده
رمق مجدي بنظره تجاه المطبخ ليجد نفس الكائن خارجا منه وممسكا ساندويتش بإحدى يديه يلتهمه بين فكيه وباليد الأخرى شيئا لامعا يعطى ضوءا احمر يشبه إلى حد كبير ضوء الليزر، صمت مجدي قليلا يفكر لينطق أخيرا
“إذا فهي لعبة ، هكذا تمتم مجدي”
منال :” آه … دول توأم أنا أجرتهم عشان يساعدوني امضي منك التنازل ده”
هنا أحس مجدي بدوار غريب كأن الكره الأرضية كلها تدور من حوله وما هي إلا لحظات قليلة حتى سقط مغشي عليه ولم يشعر إلا وضربات تتساقط على صدره ومعها صوت مألوف على مسامعه ، أطلق معه مجدي طاقت شباكه المعهودة من عينيه ليتخللهما ضوء شديد ..حتى يفتحهما أخيرا عن أخرهما ليرى زوجته في ثيابها المهلهلة ورائحتها المعهودة
منال : مجدي ..مجدي اصحي أتأخرت على الشغل
ولأول مرة يبتسم مجدي دون أن يصرخ بوجهها كالعادة ويضمها إلى صدره برائحتها الكريهة التي طالما وبخها لأجلها في استغراب تام من منال
منال :”مالك يا مجدي في حاجة أنت تعبان”
مجدي : “مفيش يا حبيبتي أنا بس اكتشفت أنى بحبك أوى”
هنا ارتسمت ضحكة جميلة كتلك التي أطلقتها له بالحلم ..ونهض هو عن فراشه لينفض عن باله كل تلك الأفكار السيئة التي كانت تدور بخاطرة لتدفعه ليتزوج من امرأة أخرى لكرهه لزوجته منال ولكنه الآن قد علم قيمة زوجته وعلم أيضا مقدار حبه لها.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى