أنيس بوجواري:المحاكمة بين عبقرية الاخراج وحرفية الفنانين والم الواقع…!!
عرض مسرحي تشتغرق مدته ساعتين او اكثر قليلا قد يكون الامر عاديا للجمهور حين يكون العمل كوميدي صرف لانه اعتاد في السابق على نفس هذه النوعية من الاعمال
لكن العرض المسرحي “المحاكمة” المأخوذ عن ميراث الريح هو عمل مسرحي مختلف شكلا ومضمونا عن الاعمال السابقة وهو حالة خاصة منذ اللحظات الاولى من بداية العرض ميزها تليقائية الشباب الذين افتتح بهم العرض اللذين ظهر عليهم الفقر ووسوء الحالة المعيشية وينتقل مباشرة بعدها لحوار بين الشابة ” سلمى الديب ” والمدرس السجين ظلمآ لانه عبر عن رأيه
وبالرغم من تقارب الاوضاع بين هذا المدرس والشباب اللذين يعانون من ضنك الحياة تجد من يقف ضده باسم الدين واعلاء كلمة الحق ليتم الاسقاط على الوضع الحالي الذي يعيشه الوطن العربي من المتاجرين بالدين واستغلال عقول ضعاف النفوس..
وينتقل العمل بعدها للملك الظالم الذي يتظاهر ببياض النية زورآ وفي الحقيقة هو لايمتلك من البياض سوى بدلته البيضاء التي يرتديها في حين انه يعشق الظهور امام الكاميرا بابتسامة صفراء مصطنعه وحوارات تحاول مسح ادمغة الضعاف..
لنرى ايضا في نفس الوقت الصحفي ” ب..ك” الذي جاء ليظهر الحق وينشر ماهو مسكوت عنه مستخدمى اسلوبه الخاص لكسب الجميع والوصول لاكبر قدر من الحقيقة..
بين حين واخر يظهر لنا الروح والتي جسدها الفنان ” حمادة شوشه” ومثلت الروح هنا سماحة الدين التي قتلتها سوء النفس البشرية واسكتت صوتها وحولتها لمجرد روح تظهر من وقت للاخر لتذكير الناس بها
سخونة العرض زادت مع ظهور احمد فؤاد سليم الذي قدم دورآ شديد البريق وهو صوت الشعب الطيب تحديدا الذي لايرد ان يؤذي احدآ لكنه يريد ان يظهر الحق ولاشئ غير الحق بأقل خسائر ممكنه!!
احمد فؤاد سليم ممثل عبقري بمعنى الكلمة وهو ثروة فنية تستحق كل التقدير
وبالنظر لباقي ابطال العمل فأن سلمى الديب مذهلة بمعنى الكلمة ..للمرة الاولى اشاهد ممثل او ممثلة يحقق تناغم مع الموسيقى بهذا الشكل في عرض مسرحي مباشر لعله حدث في اعمال درامية وسينمائية لان المونتاج يلعب دورآ لكن هنا سلمى قدمت حرفية تحسب لها واحساس عالي حتى انها لفتت نظري في احد مشاهد المحاكمة حين جلست صامته في حوار بين بطلي العمل كانت تعبيرات وجهها متناسبة مع الاحداث ارى ان المنتجين قريبا سيلتفتون لها بشدة
اما عماد الراهب فهو ممثل شديد البساطة تلقائي الحضور من زمن ليس ببعيد ولكنه ظهر مسبقا في وقت كان الانتشار فيه صعب ولفت الانظار اليه ..هنا يعيد تجدده ونشاطه بدور الصحفي خفيف الظل لم يظهر عليه أي توتر وكان في منتهى الارتياح ان دل يدل على انه ممثل متمكن..
وحقيقة الامر ان حمادة شوشه ايضا كان في الموعد بادائه رغم ان الدور لم يكن كبيرا الا انه ممثل كبير الاداء..
لايحضرني اسم الرجل الذي يعمل في السجن لكنه ايضا ممثل خفيف الظل ورسم الابتسامة في مرات كثيرة على وجوه الحاضرين ..
في النهاية مخرج العمل طارق الدويري هو مكسب للمسرح ويقدم رؤية مختلفة لم ارى مسبقآ عرضآ بهذه الامكانيات الاخراجية واجاد توظيف الممثلين ..
والاضاءة والموسيقى كانتا ايضا من عناصر تميز العمل !!