إن القاسم المُشترك بين كثير من المفكرين والفقهاء والمخترعين والأدباء ورجال الأعمال والعلماء، “هو أنهم أيتام” …..أيتام غيروا مجرى التاريخ… أيتام ولكنهم عظماء .
ومنهم / الحافظ ابن حجر العَسْقلاني رحمه الله:
حيث نشأ الحافظُ ابن حجر يتيمًا، مات أبوه، وماتت أمه قبل ذلك وهو طفل. قال الشمس السخاويُّ تلميذ الحافظ ابن حجر: وزادت تصانيفُه – التي معظمها في فنون الحديث، وفيها من فنون الأدب والفقه، والأصلين وغير ذلك – على مئة وخمسين تصنيفًا، رُزِق فيها من السَّعد والقَبول، خصوصًا فتح الباري بشرح البخاري، الذي لم يسبق نظيره أمرًا عجبًا”، وقد بلغت مصنفاته أكثر من اثنين وثلاثين ومائة تصنيف.
ومنهم / الإمام ابن الجوزي رحمه الله
وكان أولُ مجلس يتكلم فيه ابن الجوزي على المنبر يعِظُ الناس وعمره إذ ذاك ثلاث عَشْرة سنة، وكان يومًا مشهودًا، حزر الجمع يومئذ خمسين ألفًا. فهو الإمام العلامة، حافظ العراق، وواعظ الآفاق، صاحب التصانيف المشهورة في أنواع العلوم؛ من التفسير، والحديث، والفقه، والوعظ، والزهد، والتاريخ، والطب، وغير ذلك.
قال الحافظ شمس الدين الذهبي: “وما علمت أحدًا من العلماء صنَّف ما صنَّف هذا الرجل، مات أبوه وله ثلاث سنين، فربَّتْه عمتُه، وأقاربه”. وحضر مجلسَه ملوكٌ ووزراء، بل وخلفاء، ويقال في بعض المجالس: حضره مائة ألف.
قال سِبْطُه: سمعت جدي يقول على المنبر: “كتبت بإصبعي ألفَيْ مجلد، وتاب على يدي مئة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفًا”، وكان يختم في كل أسبوع ختمة.
ومنهم/ ابن المُلَقِّن رحمه الله
وهو مِن أكابر العلماء بالحديث والفقه وتاريخ الرجال، له نحو ثلاثمائة مصنَّف، مات أبوه وله مِن العمر سنة واحدة، فتزوجت أمه بشيخ كان يلقِّن القرآن، فنشأ في بيته، فعُرِف بابن الملقن، نسبة إليه.
ومنهم/ جَلَال الدين السيوطي رحمه الله
وهو إمام حافظ مؤرِّخٌ أديب، له نحو 600 مصنف، منها الكتاب الكبير، والرسالة الصغيرة، نشأ في القاهرة يتيمًا، مات والده وعمره خمسُ سنوات.
ومنهم/ عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك رحمه الله
مؤسِّس الدولة الأموية في الأندلس، وُلِد في دمشق سنة 113هـ، ونشأ يتيمًا، وكان فصيحًا، بليغًا.
ومنهم/ الشاعر أبو الطيِّب المتنبِّي رحمه الله
نشأ يتيمًا، وتوفِّيت أمه وهو صغير، فكفَلَتْه جدتُه لأمه، وكان أعظمَ شعراء عصره، وأكثرهم تمكنًا باللغة العربية وبقواعدها، حتى قيل: إنه نظم الشعر صبيًّا، وقد اشتهر بحدة الذكاء والشجاعة. ومِن شعره:
فالخيلُ والليلُ والبَيْداءُ تعرِفُني ♦♦♦ والسيفُ والرُّمحُ والقِرطاسُ والقلَمُ
ومنهم/ الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله
لقد قضى الشيخ عبد العزيز بن باز حياتَه في العلم والتعليم، والتدريس والتأليف، والدعوة والتوجيه. نشأ رحمه الله يتيمًا؛ إذ توفي والده وعمره ثلاث سنوات؛ فعاش في كنف والدته التي لم تألُ جهدًا في تربيته والعناية به، حفِظ القرآن الكريم وهو لم يتجاوز سن البلوغ، ثم فقدَ بصره قبل بلوغ العشرين. وكان رحمه الله – على كِبَر سنِّه – يعملُ في اليوم ما يقارب الثماني عشرة ساعة.
ومنهم/ الشيخ محمد محمد خلة الغزي رحمه الله
نشأ رحمه الله يتيمًا، فقدَ أباه صغيرًا، ثم ماتت أمه، فذاق نار اليُتْم والفقر والحاجة، اعتنت به بعض النسوة حتى كَبِرَ، وكانوا يطلقون عليه اليتيم، ويغضب من هذه التسمية؛ لأن اليتيم مَن فقدَ أباه وكان دون سن البلوغ، وبعد البلوغ لا يُسمى يتيمًا. جَدَّ رحمه الله في طلب الرزق؛ فعمل صيادًا في بحر غزة هاشم، إلى أن وفقه الله وأعانه، فتزوج وأنجب، ولكنه كان يصرُّ على طلب العلم الذي فقده بسبب اليُتم، ترك زوجته وأولاده وسافر طالبًا للعلم الشرعي، فالتحق بالأزهر الشريف، وكان متفوقًا شديد الذكاء والفطنة، فقد أتم حفظ القرآن الكريم، وحصل على الإجازة العالية في الشريعة الإسلامية، ثم رجع إلى غزة، فواصل ليله بنهاره علمًا وعملًا، ودعوة وإصلاحًا، يأتيه الناس من غزة وجنوبها وشَمالها، حتى من الداخل المحتل؛ طلبًا للعلم والفتوى والإصلاح، وأخذ يجول في مساجد القطاع والداخل المحتل داعيًا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان بيتُه مأوى للفقراء والمساكين، ويأتيه طلبة العلم يوميًّا ما بين المغرب والعِشاء، يُصلُّون معه وينهَلون من علمه في التفسير والفقه، والسيرة والأدب والأخلاق، وغيرها من العلوم. فأحبه الناس، ولم يتركوه يستريح في ليل أو نهار، صيف أو شتاء، حتى أيام حرب الخليج بين الكويت والعراق، كانوا يأتون إلى بيته يصلون الجماعة ويطلبون العلم، فلم يمنعهم منعُ التجوال من الوصول إليه والاستفادة منه. ولما توفي رحمه الله كان الجو شديد البرودة، ولم ينقطع الغيثُ لحظة، ومع ذلك جاء الناس للصلاة عليه وتشييعه، فلم يستطعِ الناسُ المشي لتشييعه من شدة الزحام؛ فرحمه الله رحمة واسعة.
ومنهم/ عبد الرحمن الجريسي
كان يتيما بسيطا، ولكنه نجح وعلا شأنه بإصراره وعزيمته، حيث أصبح صاحب أول مؤسسة لبيع الحواسب في المملكة العربية السعودية، وثروته كبيرة جدا وله العديد من الإسهامات في مجال التكافل الاجتماعي والأعمال الخيرية؛ وعُرِفَ عنه اهتمامه بدعم المؤسسات الفلسطينية، وخاصة التعليمية منها.
إنهم أيتام … ولكن عظماء
وللحديث بقية
*سفيرة الإعلام العربي
*عضو الإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب
*مسؤولة الإعلام بجمعية كيان للأيتام