مسابقة/ مهرجان همسة الدولي للفنون و الآداب دورة 2018
المشاركة/ خاطرة بعنوان : “اِرْحَلْ”
صاحبة النص : شفيقة لوصيف
البلد / الجزائر
رقم الهاتف / 0561865759
lyc .mostkateb 25 @gmail.com الايميل/
“اِرْحَلْ”
اِرْحَلْ متى شِئْتْ…
لقدْ فقدتْ مخالبُ المسافاتِ بريقََهَا . لمْ تعدْ تستدرجُني نحوَ سَحيقِ الظُلم . ها قدْ أطلَّتْ الشّمسُ
وَ ذابَ ا لصَّّمغُ . و امتدّ الظِّلُ يتحرشُ بالسَّاكنِ وَ الْوتَد .
ارحلْ …
ما عاد للرحيل قبيلةٌ و لاَ نسَبٌ . ترمَّل الصَّهيلُ و تيتمتْ الفرسُ و انْمحى الأثرُ ..من يبْكي الرحيلَ
و قدْ عاداهُ الزمَن ؟!.
ارحلْ…
سترحلُ حتْما إلى هُناك . إلى تِلك التِّي عرفتْ كيْفَ تفطِمُ أيَام الصِّبا على بابِ شبابِكَ. إلى تلك التِّي نجحتْ في تقْليمِ قوادِم جناحِك . َو أحسنتْ حين أعتقتْكَ من النَّار بِحدّ الوَشَم .
أذكرُ- حين كنَّا صبيةً- كنّا نَرَاها و هِيَ تقفُ علَى أصَابِعِ الرِجْليْن . توزعُ ثقلَ الجسدَ المبريَ على الأطرافِ الأربعةِ. فنُصفقُ طويلا لدُمْيةَ الْبَارْبِي وَ فِي نُفوسِنا أثرٌ من الدَّهشةِ و الشَّجَن .
لمْ أكنْ أعلمْ أنََّها معَ كلّ حركةِ استقامةٍ وَ انحناءَةٍ كانتْ تحفرُ عميقا في حياتِي خنادقَ للألم . و أنّها مع كُلّ استدارةٍ و استطالةٍ كانتْ ترسمُ على كفِّ القدرِ جَبينِي المُعفرِ في ذُيُولِ الْوهَن.
كنتُ أشْعرُ أنَّ أصْدقاءَنا الصِّغارَ كانُوا يروْنها كما كنتُ أرَاها لُعبةً منْ خشَب , فرّتْ من خَلف أسوارِ سِيرك.
إلاّ أنتَ كنْتَ تَراها جنيّةً كَفرتْ بشريعةِ الجِنّ. واعْتنقتْ شريعةَ الإنْس. كنتَ تقيسُ مَواضعَ الشُّموع على جَسدِها بحَاسَةِ اللَّهب. حتَّى إذا ما اِنْتهى العرضُ أباغتُكَ وَ أنتَ مُتورطٌ في كلماتِ منْ نَزَق . تُغازلُ شَعرهَا الطَّويلَ المُسافرَ بِبَنَاتِ الْحُرق . كَمْ كانَ يَهزمُنِي خَوَاؤُك أمامَهُ ؟ . وَ كَمْ كانتْ تَنْثُرُنِي بَعْثَرتك في عَواصِفه.؟!.
اِرْحَلْ …
لكنْ قبلَ أنْ تُغادر قُصّ عَلَيَّّ منْ أخبارِك وَ أخْبارَها . قُلْ : إنّها – وَ مِنْ أَجْلكَ – قدْ تعَلمَتْ كُلّ دُروبِ الرَّقص . كمَا أَجادتْ – بالأمْس- منْ أجلِكَ القفزَ فوقَ أكثَر منْ حبْلٍ . قُلْ : إنّها الْيَوم تُجيدُ كُلّ الفَن . لكنْ لاَ تَقلْ فقطْ أنّهَا تُحْسِنُ الْمَشْيَ علَى رِجْليْن.
أَخْبرْني ..
ماذا تَفْعلانِ بعدَ كُلّ مَوْسمِ عَرضٍ ؟!. بَعْد أنْ يَجمعَ الصَّيفُ حقائبَهُ و يركبَ البَحر .؟ هلْ تمْضيان الوقتَ في انتظارِ مَوسم الصَّيف؟.
أنا أعرفَُهَا وَ أعرفُكَ.. هيَ ( البَهلوانَة ) حتْما سَتَقْضي الْخرِيفَ وَ الشِّتاءَ وَ كُلَّ الْمواسِم في قَصِِّّ مُغامراتِ ذاتَ صَيف ..! وَ أنتَ .. لاَ تقُلْ أنّكَ تَطبَعتَ ؟!.
لا أظنُّ و إلا َّ ما كنتَ أنْت .
كَأنّي أسْمعُك تَهمسُ : أنّك قدْ نَجحتَ فِي تَحريرِها منْ كُهوفِ الزَّيف . وَ هلْ أجْلستَهَا إلى جانبِ الرَّبيع على حجْر الشّمس؟. هلْ نجحْتَ في مَحوِ آثار مُنظفاتِ الزُجاج ِعنْ عيْنيْها وَ زرعْتَهُمَا ورْدا و شمْسا؟.
أتصوَرُ أنّكَ قدْ صبَبْتَ في أقدَاحِ عيْنيْها خمْرةً اعتَصرْتَها منْ نُورِ الْقمَر. وَ أنّك حَررْتَ علَى وتَرِ شَفَتَيْها تَغارِيدَ الشَّجر . وَ أنّك علَمْتَها كيْف تَحلبُ منَ الْغيمِ أعذبَ القَطر . وَ أنّك جَعلتَها تحْطبُ الْحكْيَ منْ غابةِ السَّحر. وَ هلْ أذَقْتها مُتْعةَ النَّحيبِ وَ حلاوةَ الدَّمع . فَخرجَتْ تُشيّعُ الشّمسَ معَ اللّيل . هلْ علمْتَها أنّ الأفكارَ لا تُولدُ إلاَّ منْ رحمِ الْوجَع ؟!.
صَرخَ الصَّمتُ الرَابضُ في عينيْه يقولُ: كَفَاكِ يا امرأةً تَكهُنًا وَ اسْمَعيني كمَا أُريدُ أنْ أكونَ . لا َكمَا تُريدِينَنِي أنْ أكونَ !.. أنَا لمْ أعرفْ كيْف أُشْفَى مِنك ..
قاطعتُه في تَذَمُر :
اِرْحَلْ..
اِرْحَلْ يَا جُبرانُ لَقَدْ غادَرَ الشُّّعَراءُ منْ مُتردمٍ كمَا غَادرُوا صَالُونَ مَيْ .
بقلم : شفيقة لوصيف
مسابقة/ مهرجان همسة الدولي للفنون و الآداب دورة 2018
المشاركة/ خاطرة بعنوان : “اِرْحَلْ”
صاحبة النص : شفيقة لوصيف