ط
مسابقة القصة القصيرة

إعتراف أنثى .مسابقة القصة القصيرة .بقلم / حسينة برانى .الجزائر

اعتراف أنثى

قصة بقلم / حسينة براني
الجزائر
 
 

لَمعتْ عيناها ببريق حزن مكتوم داخلها، ورسمتْ ضحكة على شفتيها بطيف حب فارقها منذ مدة فنسجته بخيط رفيع قسمتْ مسافاته حبات لؤلئ من دموعها، رفعتْ يدها وحركتْ أصابعها التي ألبستها خاتم لاح منه صدأ ،أيام ندمتْ وبشدة حين اختارت أن تعيشها معه، نَعم، إنه زوجها الذي بدأتْ رحلتها بخطوات السواد والظلمة، لم تكن تتخيل يوما أن ذلك الرَّجُل الذي وعدها بالسعادة، وفتح لها أبواب الجنة بخياله الواسع، ووقفتْ أمام العالم لتختاره دون أن تنظر إلى ما ينتظرها بعد ذاك القرار، أيمكن أن تكون جهنم بهذا الزيف من الخارج!؟.

دخلتْ مغمضة العينين وفتحتها لتتفاجأ بزمهرير من المشكلات تعصف علاقتهما، ونار ظلم يجرح قلبها الصغير، مشتْ وهي تضع قدميها على شوك الغدر، وأحستْ بألم الضياع والحيرة، لكنها أرادت أن تكمل الطريق المسدود، توجستْ أن ترى نورا قريبا يحيكه أمل بداخلها، مسك يدها وهو يقول لها:”أنتِ بخير، لا تخافي”.

هي تعرف صوته جيدا، حتى وإنِ اختلط بصوت الأطباء والممرضات، ترقد في مستشفى بدار من دور الغربة الحقيقية التي أبعدتها عن بلدها وعن أهلها وذويها، تاركة كل ما تملكه من ذكريات الماضي هناك، لقد اختارته لوحده دون غيره من كل البشر، سألته عن الساعة فأخبرها أنها السابعة مساء بتوقيت جرينيتش، طرحتْ عليه السؤال المألوف لمسمعه:”كيف حالكَ؟”، هو يعرف حتى الوقت بدقة ليجيب: بخير، المهم أن تكونين أنتِ بخير، حتى هي تعلم جيدا أن الخير لن تترجاه منه مهما طال الحال، ما هي عليه الآن بسببه، هي تنام على سرير المرض فآلم رأسها من كثرة الضرب الذي تعرضتْ له منذ مدة، هي في بلد أجنبي، ولن تستطيع مصارحة أحد بذلك، ضحكتْ في قرارة نفسها وهي تحدثها: هل أنا اعرف غيره لأكلمه بما يحدث لي”!؟.

دخلتِ الممرضة ووضعتِ المصل المضاد للألم، وهي تخبرها أن هناك قطرات دم قريبة من المخ تسبب لها الدوار والغثيان والصداع المزمن من جراء حادث ما، انتفض من الكرسي وهو ينظر إليها نظرة قاسية كمعاملته لها المعتادة، نزلتْ دمعة تجيبه أنها لن تخبر أحدا بما تعرضتْ له من إهانة وضرب منه، وأنها تنتظر نهايتها على هذا السرير وفي هذا المشفى، ولن يعلم أحد بهذا إلا حيطان الغرفة التي تسمع صوت أنينها وآهات وجعها كل لحظة، حان وقت خروجه رغم أن الزيارة لم تنته بعد، لكنه يأتي ليتأكد أن أنفاسها الأخيرة قد اقتربتْ، ويخرج من هذا الكابوس الذي يؤرق عيشه، نزل مسرعا ،فالملهى الليلي قد فتح أبوابه لاحتواء بعض العرب كشاكلته، الخمر الذي يُذهب عقله هو سبب آخر لقتل آخر أمل لزرع الود بينهما، رجعتِ الممرضة ومعها طبيب آخر لم تره من قبل، قدم لها نفسه: أنا الدكتور فكتور، طبيب نفسي، أزور المرضى كل أسبوع”.

امتزج الخوف والفرح بصوتها، لتجد أخيرا قلبا آخر يسمعها، وشخص يواسيها لتفرغ ما بداخلها من شحنات الفزع والرعب الرهيب الذي لازمها ما يقارب السنتين، لم تنتظر حتى يسألها فانطلقت تحكي له حكايتها رغم وعدها لزوجها أنها لن تحدث أحدا، لكنها لن تحدثه بكل شيء، فقط ستخبره أنها تحب زوجها رغم عيوبه، وتكلمه عن خياناته القليلة لها، وعن… وعن… ثم سكتتْ، طلب منها مواصلة الكلام، قالت له: إن الله يحب الصبر وأنه مع الصابرين.

مؤكد أنه لن يفهم ما تمتمتْ به، طلب منها مرة أخرى أن تتكلم بصوت مرتفع،كلمته أنها تخبر أهلها بعكس ما هي عليه، هي لا تريد أن تقلق بال والدها العجوز، ولا تزعج قلب أمها المريضة، هي تتحمل كل هذا من أجلهما.. شكر الطبيب حسن صنيعها واحترامها الزائد لوالديها، وعرف أنها تعاني من شيء ما لن تخبر أحدا به.. لكنه تفطن لحيلة ربما ستجعلها تتكلم دون أن تشعر بالخوف، غادر الغرفة وهو يطمئنها ويعدها بزيارة قادمة إن لم تغادر المستشفى، أحستْ ليليان بألم مفاجئ، حاولتِ الوصول إلى زر الذي كان منقذها مرات ومرات، لكنها وجدتْ يدا أخرى لم تكن للممرضة فهي لم تدق الجرس بعد، إنها نانسي المريضة الجديدة التي ترقد جنبها في الغرفة، أعطتها الدواء، وعدلتِ الوسادة تحت رأسها، وطلبتْ منها أن تهدأ، بدأتِ الأخيرة تنظر إليها وتحكي:”أنا مصابة بألم نِصفي بالدماغ”، وأنها جاءت للعلاج علها تجد الحل النهائي لمشكلتها، حركتْ ليليان رأسها وأخبرتها أن هذا المرض يسمى”الشقيقة” لدى العرب، واصلتْ نانسي الحديث وكأنها تعرفها منذ مدة، تبادلا أطراف الحديث، وتواصلتْ حكاياتهم أيام وليالٍ حتى أنها بدأتْ تحس باختفاء الدوار الذي كان يلازمها، دق فكتور الباب ودخل ألقى التحية، ردتِ المريضتان التحية، جلس وبدأ يتكلم معهما وهو يقول:”لقد نجحتْ نانسي في إخراج ما بداخلك، اليوم عرفتُ ما ألزمك الفراش؟ ومن كان سببا في كل هذا الألم؟، نظرتْ ليليان مستغربة لما يحدث، أجابتها نانسي: لا تندهشي أختي، أنا ممرضة للدكتور فكتور قبل أن أكون مريضة، وأنا فعلا كذلك، لقد أخبرتك الحقيقة، وأنا أتلقى علاجي من طبيب الرأس والاعصاب نفسه ،أخبرها فكتور أنه يجب أن تقدم معلوماتها عن زوجها الذي سبب لها ضررا نفسيا وجسديا، وأن السلطات المعنية ستتولى عقابه، ارتعش كل عضو بداخلها، وأحستْ بشيء حي لم يمت بعد، وهي تقول: لا أريد سوى الشفاء، ولا أهتم لأمر آخر، ولا أحب أن يُصاب زوجي بسوء، انهمرتْ دموع من عينيها بالقوة نفسها التي انهمرتْ دموع من عيني زوجها هو الآخر فقد كان خلف الباب، جاء لجلب ما كتبته له في الورقة التي أعطتها إياه منذ فترة، تذكرها اليوم فقط، لقد كانت تحتاجه وهو مقصر في حقها.

واصلتْ ليليان الحديث، لا أنكر أنني كنتُ قاسية بعض الشيء معه، وأنني كنتُ أغيضه، لذا كان يقوم بضربي، وكنتُ عنيدًا أحيانا فكان يعاقبني –كما يرى-، هل يمكن لأي قانون أن يعد أي زوج مذنبا حين يسعى إلى إعادة زوجته نحو صوابها؟.

نَعم، سمعها وهي تدافع عنه، وتجعله ضحية، رغم أنه كان جلادا، كيف له أن يكون أعمى البصر والبصيرة عن حب زوجته له؟ كيف له أن يأتي مصادفة ؟ وأي مصادفة؟ لقد كانت خير من ألف ميعاد، دفع الباب ودخل، وقف الطبيب ونظر أليه، رفعتْ رأسها وبدأتْ تصرخ في وجهه، ليس الآن، لم يكنِ الوقت مناسبا لحضورك، غادرْ، أرجوك،غادر

تقدم نحوها، وطبع قُبلة على جبينها، وهو يقول: سامحيني، لقد أخطأتُ في حقكِ.. أبعده الطبيب وهو يقول له: فات الأوان، مسك يدها ودموعهما كمياه الأنهار، فهل يمكن لها أن تغسل كل تلك الآلام والجروح!!؟

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى