ط
الشعر والأدب

اغتصاب الياسمين . قصة قصيرة بقلم / هالة جاد

 

                          ﴿اغتصاب الياسمين، قصة قصيرة، هاله جاد﴾

تتعـالى الزغاريـد، وتتوالى التهنئة والتبريكات، تصدح الأغاني وتتعالى النغمات، هناك في بيت العروس، ولكن أين هي العروس؟..

وفي غرفـة مزيّنـةٌ برسوماتي البدائية، وخربشات إخوتي على جدرانها الباهتة اللون، كنت أختبئ، نعم! أنا العروس..

سـخرت في نفسي وأخـذت أقـول: هـل عدنـا لزمن الجـواري؟، هل تتقدم الإنسانية لتكون أكثر رحمةً وإنسانيةً، أم تتأخر لتكـونَ أكثـر قسـوة وجاهليـة؟!..

وعند زاويـة بعيـدة اختبأت؛ قلبي يرتجـف، أوصالي ترتعش، وعقـلي يتجمد، ويكأنه لا يتقبّل ما يحدث بأي طريقة، خائفـةً حد الموت..

رجـلٌ بعُمـر والـدي كنـتُ أدعـوه (العم..) احترامـاً لكِبــَر سِـنِّه، وبين ليلة وضحاها أصبـح زوجي، وأخذتني أمي إلى غرفتها وأغلقتها جيداً وهي تخبرني بأن البنت المؤدبة تطيع زوجها في كل ما يريده، ولا ترفض له أمراً؛ بل تطاوعه وتسمح لـه بأن يلمس جسمها كما يشاء، ويفعل مـا يريـد، وألّا أخجـل منـه أبـداً، ثم مسحت دموعاً باهتة عن وجهها وخرجت..

نقشـتُ تلـك الأوامـر في عقـلي؛ كـوني فتـاة مطيعـة وذكية!، وارفـعي رأس أهلـك عالياً!، ولا تتشـمّتي النـاس بنا!..

بحـق رب النـاس!، لقـد حسـبتم حسـاب كل النـاس البعيد منهم قبل القريب، وتجاهلتموني!..

أنـا هي مـن سـتُنتَهك عفّتها من أجل رغباتكم، أنـا هي قربان النار من أجل أطماعكم، أنا هي من سـيُسرق شرفها وأنتم تسمعون وتبصرون، وتوقعون شاهدين على ورقة ملعونة جائرة، ثم تضحكون ملء أشداقكم، وتأكلون ملء بطونكم، دون أن يطرف لكم جفن..

وقـد قلـت لا وألـف مـرةٍ لا؛ ولكـن كانـت (لا..) يتبعهـا ضرب وإهانـة، ثـم (لا..) يتبعهـا توبيـخ شديد وتقريـــــع عنيـف، ثـم (لا..) يتبعهـا جلـد للـذات، وكيـف سأسـاعد أهـلي وأنتشـلهم مـن الفقـر والدَيـْن و العَـوَز، وألاّ أكـون فتـاة أنانيـة غبيـة..

تحركـت مـن جمـودي ببـطء، وبأقـدام مرتجفـة جلسـت عـلى حافـة السرير المفـروش بالأبيـض، كبياض وجهي وثيابي، وكم حلمـت بـأن تكون هذه الليلة أجمـل ما سأعيشه في حياتي، وبأنها ستكون ليلة تساوي عمري كله!، ولقد كانت!..

هززت رأسي في حسرة وخيبة أمل، أقول لنفسي وأسمعها: يكفيني من الأمنيات أنها لي وحدي، أتذوق حلاوتها وحدي، وأحتفظ بها في خانات ذكرياتي البعيدة، وأخذت أُمَنِّي نفسي ودموعٌ ساخنة تغرق وجهي وتحرق روحي، وبيدي أمسح دموعي وكحل عيني الأسود وزينة وجهي الملونة بطـرف ثـوب أكفاني الأبيـض..

وحينهـا سـمعت أصواتاً ترتفع، وخطـواتٍ تقترب، ومـا لبث أن تباعـدت الأصـوات والأقدام، وعقلي الصغير يتوجـس خيفـة، فازداد رعبي ونحيبي..

دخـل وأغلـق البـاب جيـداً بالقفـل عـدة مـرات، ثـم اسـتدار وتقـدم منِّي خطـوات واسعة متعجلـة، فتوقفـت أنفـاسي، وتجمـدت أطرافي مـن شـكله وهيأتـه ورائحته الثقيلة، ودقـات قلـبي المفزوعـة المسموعة من مسافة ميل، ومـع كل خطـوة كان يخطوهـا باتجاهي؛ كان يخلـع شـيئاً مـن ثيابـه، حتى وصلـني شـبه عـارٍ، يـا إلـهي! هـل فقـد هـذا العجـوز مـا لديـه مـن حيـاء؟، ولـم يكـن عقـلي الطفولي يدرك أن ما يدور في عقله المتصابي أبعد ما يكون عن الحياء!..

أخـذت أصابعـه الثخينـة تتلمّـس وجـهي بجـوعٍ كافر، وأنفاسه المتهدجة تلفّني بطمعٍ جائر، وصوته المتحشرج يحيطني بجشع سافر يقول: أنـت جميلـة (ياسمين..)، جميلة جداً، مـذ رأيتـك أول مـرة؛ لـم تفـارقي عقلي لحظـة واحـدة، وشاركتني خيالاتي المهووسة بكِ ليلة بعد ليلة، أنتِ من ستعيدين إليّ شـبابي مـن جديـد، ولكـن لـمَ لـمْ تخلـعي فسـتانك حـتى الآن صغيرتي!؟..

وحينهـا بَرَقَ في عينيـه لمعـان غريـب، وابتسامة مريضة ترتسم على وجهه، ونظـراته الجائعة توشك أن تلتهمني يقول: أتخجلـين مـنّي؟!، أنـا زوجـك، ويسـعدني أن أسـاعدك بفعـل ذلـك دائماً، صغيرتي..

ولـم أَعِ مـا حـدث بعد ذلك؛ فـكل مـا أذكـره رائحـة أنفاسـه الكريــهـة الممزوجـة بـشيء مـا لا أعرفه، ويديـه الضخمتـَيْن تلمسـانِنِي كل مـكان، وتعتصر أجزاء جسمي الخاصة بجوع ونهم، فكانـت تكويـني لمساته كلسـعات مـن نـار؛ وتتـرك آثـارها عـلى جلـدي وروحي مـرةً بعـد مـرة، ثم تحرقني وتُدميني وتمزقـني ظاهراً وباطناً شرّ تمزيـق..

فتمزقـْتُ عن ثيـابي كلها؛ تمتد يديه الجشعتَيْن على غضاضة جسدي فتلتهمه، وبشفتيه وأسنانه على بشرتي بشراسة فتفترسها، وأجد عذراء مذعورة ترجوه بصوت مهزوزٍ.. مهزومٍ.. ألّا يؤذيني!، ألّا يؤلمني أكثر!، وبجناحيّ عصفورة مكسورَيْن أدفعه عني..

ولكنـه كان بـلا عقـلٍ ولا سـمعٍ ولا قلـبٍ، كان فقـط شـهوانياً كحيـوان، ولسان حاله البغيض يخبرني أنني فاتنـة وكبيـرة بما يكفي ليمتلكـني، وأكـون لـه جاريتـه الـتي يريـد، ولمّا زاد عبثه بأنحائي الواهنة فوق احتمالي؛ صرخت..

تعالت صرخاتي وازدادت شهقات بكائي، وعندما خاف أن يسمعني من في الخارج كتم صوتي بيده، وأكمل أيّـاً مـا كان يفعلـه، وكأن بـكائي يعجبه، وصراخي يسـتعذبه، واسـتمرّ بقـوة وغلظـة، والمزيـد مـن العنـف والاندفـاع الشـديد حـتى شـعرت بأن داخلي يتمزق، وحينهـا سـكنت مـكاني، واستسـلمت تمامـاً لـه، وهـدأت كما القبر..

وهـو كذلـك؛ بعـد أن اكتـفى ممـا يفعـل، ابتعـد عـني وتمـدد بجـواري وقـال بصـوت متقطـع متهـدج فخـور: مبـارك يـا أحـلى عـروس، سـأرتاح قليـلاً، ثـم أخـرج إليهـم لترفـع عائلتـك رأسـها بـين النـاس..

قلـت لنفـسي هـذا مـا أهمهـم مـن البدايـة، فليلعنهـم رب النـاس مـا دامـت السـموات والأرض، لـن أغفـر لهـم مـا فعلـوه بي مـا حييـت، إن كانـت يل حيـاة باقيـة!..

دقائـق قليلـة مضـت حـتى استطعت مغادرة فراشـه ومـكان جريمتـه، مشمئزة منـه ومـن نفسي، ومـن دمـائي الـتي ملأتـه، ورائحتـه الذكورية الخانقة، وبعـد قليـل سـمعت طلقـات ناريـة متتاليـة..

فهـداني ربي أن اغتسـلت من آثاره وارتـديت شـيئاً أستـر به عـريّي أمـام ربي ونفـسي، وبصعوبـة عـدت للفـراش ألَمْلِم شتات نفسي وبعثرات روحي، أرقـد بعيـداً.. بعيـداً عـن جانبـه مـن الفراش، ورقـدت عـلى جانـبي الأيمـن وكـفي تحـت خـدي، ودعـوت ربي وبكيته ورجوته أن يحييني إن كانت الحياة خيراً لي، أو يميتني إن كان الممات خيـرًا لي، وما استيقظت بعدها؛ فكان خيراً لي..

                   ꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂

                                        تم بفضل الله.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى