مكتبة الصورمواضيع
الأديبة د. سناء الشعلان تحاور المفكّر السّيد د.علاء الجوادي “عناق الفنّ والعلم والفكر والعمل”.( الجزء الأول )
نظرا لطول الحديث وروعته سوف نقوم بنشره على اجزاء متعاقبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هامش تعريفي:هذه المقابلة هي عبارة عن ندوة فكرّية للمفكّر السّيد د.علاء الجوادي تقدّم أفكاره ورؤاه وإبداعاته ومنهجه واتّجاهاته،وهو لقاء نادر من نوعه مع المفكّر الجوادي قلما يُظفر بمثله.
* السيّد علاء الجوادي: هو الدكتور علاء الجوادي، الملقب بين أصدقائه بالأمير الشّاعر، وًلد في بغداد لأسرة مسلمة عربيّة عراقيّة هاشميّة أصيلة ملتزمة ذات علم وثقافة وفضل، حصل على تعليمه الاولي والثانوي في بغداد، ثم تخرّج في كليّة الهندسة التكنولوجيّة من جامعة بغداد قسم هندسة البناء والانشاءات الذي تنقسم به الدراسة في الصف الخامس الى قسمين اختار هو تخصّص تخطيط المدن، وكان بحثه للتخرج بعنوان “الاسواق البغدادية… دراسة تخطيطية” ثم حصل على درجة الماجستير والدكتوراه من جامعات بريطانيا، والآن هو يحمل درجة الأستاذيّة.إلى جانب ذلك هو شاعر متصوّف ورسام ومؤرّخ ومفكّر وناقد أدبي، فضلاً عن تكوينه مدرسة فكريّة خاصّة تدعوللتسامح والمحبّة والإخاء ونبذ العصبيّة والإقليميّة والعنصريّة، تقلّد الكثير من المهام والوظائف الوطنية والثقافية والسياسية والدبلوماسية، وهو الآن السفير العراقيّ في سوريا، وهو يصرّ على رأس عمله هناك على الرّغم من المخاطر الأمنية المحيطة به ليخدم الجالية العراقيّة هناك. له العشرات من المؤلفات الفكرية والنقدية والإبداعيّة والتاريخية والتخصّصية في تخطيط المدن، كما لها المئات من الدراسات والمقالات والأبحاث المنشورة في هذا الشّأن.
**كيف تلخّص الفكر الصّوفي الذي تتبنّاه في إبداعك الشّعريّ؟
قبل الجواب عن هذا السؤال العميق نحتاج الى القاء نظرة ولو سريعة على التصوف والمقصود منه، والموضوع يحتاج الى كتابة بحث عنه ومع اني كتبت الكثير من الملاحظات هنا وهناك عن التصوف وما يمت اليه من مفاهيم وقيم. اولا اريد ان اقول انه لا يوجد اتفاق على تفسير التصوف بل حتى في توصيف التصوف وتحديد ميادينة وابعاده. ولاختلاف فهم معنى التصوف اختلفت المواقف تجاهه بين مؤيد وممارس له وبين مخالف ومحارب ضده، وبين من يكون موقفه على الحياد دون عداء او تأييد.
وهناك الكثير من أقوال العلماء من المدرسة السنية تتفاعل ايجابيا مع حقيقة علم التصوف والعارفين فيه. وحول حقيقة التصوف كما قال الشيخ الشعراني في كتابه الأنوار القدسية: (هو العمل بالعلم والشريعة الإسلامية على وجه الإخلاص والصدق، ولو رجعت إلى رجال التصوف الاوائل الذين أسسوه كانوا كلهم علماء عاملين دعاة إلى الله ساروا إلى الله بالكتاب والسنة المطهرة فلذلك ظهرت أنوارهم وبقيت آثارهم فالتصوف حقيقة أن تتعلم العلم الشريف الذي هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة ثم يعمل بهذا العلم الذي تعلمه ثم يسعى لاكتساب الصدق والإخلاص وذلك يكون بالاستعانة بالله تعالى والعكوف على الذكر والعبادة لتصفية الروح وتزكية النفس وشفاء القلب السقيم فلا تصوف بدون علم ولا ينفع العلم بلا عمل ومن قال بغير هذا فهو ليس من التصوف. ويقول إمام أهل السنة والسلفية الشيخ احمد بن حنبل لولده عبد الله: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة ويقول عن الصوفية لا أعلم أقواماً أفضل منهم)!!
اما حجة الاسلام الشيخ ابو حامد الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال: (ولقد علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرهم أحسن السير وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق).
ويقول الإمام الشافعي: (حبب إلى من دنياكم ثلاث: ترك التكلف وعشرة الخلق بالتلطف والإقتداء بطريق أهل التصوف). ويقول شيخ الشافعية النووي: (أصول طريق التصوف خمسة: تقوى الله في السر والعلانية، إتباع السنة في الأقوال والأفعال، الأعراض عن الخلق في الإقبال والأدبار، الرضا عن الله تعالى في القليل والكثير، الرجوع إلى الله في السراء والضراء).
وحتى ابن تيمية الحراني المعروف بتشدده فانه لا يهاجم الصوفية بالكامل اذ يقول: (فأما المستقيمون من السالكين كجمهو ر مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الدارني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، مثل الشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ حماد، والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء او مشى على الماء أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إلى أن يموت. وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف).
ويقول الباز الاشهب الشيخ عبد القادر الجيلاني في الفتح الرباني:
-
كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة هي زندقة،
-
طر إلى الحق عزَّ وجلَّ بجناحي الكتاب والسنة ادخل عليه ويدك في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
ترك العبادات المفروضة زندقة
-
وارتكاب المحظورات معصية. كل باطن خالف ظاهراً فهو باطل
وهناك اقوال لكبار مشائخ العلماء السنيين مثل: تاج الدين السبكي والشاطبي والسيوطي والمحاسبي وابن خلدون وابن عابدين في مدح المتصوفة. ويقول ابو الحسن الندوي الهندي وهو من السلقية المحدثين في كتابه “المسلمون في الهند” قولا حسنا بالصوفية. وقال ابو القاسم الجنيد البغدادي: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته،فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه. من لم يحفظ القران ولم يكتب الحديث لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب. وقد أثر عن السري السقطي أنه كان يقول: التصوف اسم لثلاثة معاني هو الذي:
-
لا يطفئ نور معرفته نور ورعة
-
ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنة
-
ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله.ولكن نرى اليوم الحملة شعواء من قبل سلفي ووهابي زماننا على المتصوفة اذ يعتبرون التصوف: علم مبتدع وليس له أصل في الشريعة وهو زندقة ورجاله زنادقة. ان الصوفية فرقة مجانبة لمنهج أهل السنة والجماعة.
والصوفيون ليسوا فرقة واحدة بل هم فرق ومجاميع كثيرة، فمن طوائفهم: القادرية، والرفاعية، والنقشبندية، والبكتاشية، والصفوية، والشاذلية، والسطوحية طريقة سيدي احمد البدوي، إلخ. وكل اسم مأخوذ من اسم الشيخ الذي يتبعه المريدون. وفي عقيدة المتصوفة أن تعدد الطرق حتى لو كانت بالملايين، لا يضر في الدين، لانهم يعتقدون ان الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق.