ط
الشعر والأدب

الأديبة سناء شعلان تكشف تفاصيل مكنونات القاص السباعي في مدونّات امرأة أرملة

10834126_673144286116477_2053455773_n 10841714_673144269449812_1187470456_n
كتب- صلاح عبد المنعم
أسردت الكاتب الأردنية سناء الشعلان تفاصيل المجموعة القصصية “مدونات أرملة جندي مجهول للقاص العراقي على السباعي وبينت منونات القصة الأدبية الرائعة في مقال خاص لها وهذه هي تفاصيل المقال ..تقول الكاتبة الأردنية الشهيرة..عن دار ميزوبوتاميا للطّباعة والنشر والتوزيع صدر في العاصمة العراقية بغداد المجموعة القصصية ” مدوّنات أرملة جندي مجهول”،وهي مجموعة قصصية جديدة للقاص العراقي علي السباعي،أبدع لوحة غلافها الفنان التشكيلي محمود فهمي عبود.والمجموعة تقع في 114 صفحة من القطع المتوسّط،وتتكوّن من أربعة معقودة تحت عنوان مدوّنة،وهي على التّوالي :مدوّنة الحرب،مدونة الحصار،مدوّنة الحبّ،مدوّنة التّيه.
باب المدخل إلى هذه المجموعة القصصّية هي كلمة غلافها الخلفيّ للقاص العراقيّ علي السّباعيّ الذي يقول:” واجهتُ نَفسي بالأسئلةِ،ماذا تعني القصةُ وهي تترسَّمُ آثار الحرب والحصارَ والحبَ والتيه؟وماذا تعني القصةُ وهي تترسمُ بصمات ِ الإنسانِ عندما ينْسَحبُ أمام ذاتهِ؟!سؤالُ كونيُ؟يحملُ طعمَ كلَّ المراراتِ التي لا تفارقُ نسغَ حياتنا إنْ كانَ هُنالك في الحياة منْ وجودٍ”.
وهذا المدخل الخلفي لهذه المجموعة القصصيّة يقودنا نحو الحالة النفسيّة والفكرية والشّعورية التي ينطلق السّباعي منها في كتابة مجموعته هذه التي تقمّص فيها شخصيتين لا شخصيّة واحدة،أيّ أنّه استدعى المرأة والرّجل كي يرسم ملامح معاناة ومأساة الشّعب العراقيّ الذي يعيش منذ عدّة عقود في معاناة لا حدود لها،لاسيما معاناة الحرب التي خلّفت إرث حزن عملاق في ذاكرة الشّعب العراقيّ،وقد استدعى المرأة الأكثر معاناة في الشّعب العراقيّ،وهي المرأة الأرملة،كما استدعى زوجها الجندي الذي دفع حياته ثمناً للحروب والمآسي والتّصفيات العسكريّة.
والسّباعي يتولّى الحديث بصوت المرأة الأرملة عبر تفويضها له بذلك في القصة القصيرة الأولى “وصايا امرأة توشّحت بالرّماد” إذ يقول :”دموعُها شاهدٌ حيٌ وهي توصيني على تدوينِ عذاباتِ الناس الذين َ يمشون َ بجانب ِ الحائط ِ في بلد ٍ طيب ٍ ؛ وهم يحرثون أرض َ خيباتِه بمرارات ِ الواقع ِ وهباءاتِه … وكان العراقيون المصلّبين َ في جذوع ِ نخله ِ المنقعر يسقونَها بدماءِ جراحاتِهم ،لِتكُنْ كتابتُكَ في هذا الوقت ِ عن عذاباتِنا أجملُ انتقامٍ من هذا العالم ِ القبيح ِ الذي نعيشه ُ”.
ومايكاد السّباعي يقدّم لنا هذه القصة القصيرة وثيقة إبداعيّة وقانونيّة لحقّه بتدوين عذابات الأرملة عبر تفويضها له بذلك حتى ينزلق مباشرة إلى داخل الجنديّ العراقي مستعرضاً عوالم عذابه وانكسارات وجوده وأشكال سحقه وظلمه ومصادرة حقوقه بالحياة بالمعارك طاحنة قد زُجّ بها زجّاً على امتداد عدّة عقود،وهو بذلك ينطلق من إيمانه الرّاسخ بأنّ الانزلاق إلى الرّجل لا يكون إلاّ عبر المرأة،وأنّ اكتشاف المرأة لا يكون إلاّ عبر بوابة الرّجل،وما توأمة حزنهما ومصيرهما إلاّ فهم حقيقيّ لشكل الوجود البشريّ الذي يتكوّن حقيقة من لحمة الرّجل والمرأة.
ولأنّ معاناة الرّجل العراقي ّهي معاناة المرأة العراقيّة،ولأنّ الجندي المجهول الذي مضى إلى الموت قهراً وظلماً هو فجيعة المرأة العراقيّة،فإنّ السّباعي بدأ بسرد قصص هذا الجنديّ عبر ذاكرة المرأة التي جعلها الحافظة لكلّ الحكايا،وقد عرض حكايا الجندي المجهول عبر عدّة قواطع قصصيّة سمّاها”مدوّنات”،وأعطاها الأسماء التّاليّة: مدوّنة الحرب،مدونة الحصار،مدوّنة الحبّ،مدوّنة التّيه.
وقد خلق السّباعي من حالة التّعميم المقصودة في العنوان بوابة للتخّصيص،فهو لم يحدّد من تكون هذه المرأة الأرملة،ولا حدّد اسم ذلك الجنديّ المجهول؛كي تكون تلك الأرملة هي العراقية الأرملة في أصقاع العراق كلّها،وكي يكون الجندي المجهول هو الجنديّ العراقيّ الذي لقي حتفه في المعركة بغض النّظر عن اسمه أو ديانته أو منبته أو منزلته الاجتماعيّة أو الثّقافيّة،وحواره مع المرأة في القصّة القصيرة الأولى من المجموعة:” وصايا آمرأةٍ توشَّحتْ بالرمادِ” يقودنا نحو قصر هذه المجموعة على معاناة العراقيّ والعراقيّة:”وكان العراقيون المصلّبين َ في جذوع ِ نخله ِ المنقعر يسقونَها بدماءِ جراحاتِهم ، كانتْ دموعُهم النازفة ُ
برقيّاتٍ من جحيمه ِ … زامنتْ بكاءَ الأرملة ِ المتّشحة ِ برماد ِ الفجيعة ِ تبكي يومها الدامي في بلاد ِ وادي الرافدين ، سَألتُها مذهولا ً : كيف تبكين َ ؟ ! أجابتْ بشفتين ِ راجفتين ِ شاحبتين ، ودموعُها منهمرة ٌ من عينيها السومريتين ِ الرافضتين ِ لعراق ِ القهر ِ : العين لا تبكي إلاّ إذا بكى القلب ُ ، والقلب ُ لا يبكي إلاّ إذا أشتـدَّ وقع ُ الهم ِّ عليهِ ، كم كانَ
همِّيْ ثقيلاً يطبقُ على قلبي .
علّقتُ مهموما ً :
ليسَ مِن َ السهلِ نسيان ُ كل ِّ ما مرَّ بنا من أحزانٍ .
شاطَرتني حزني َ قائلة ً :
أقتـنص هذه ِ اللحظات ِ ؟ !!
بُحتُ لها وأنا أُمْـسِكُ رماد َ فجائِـعَـنا :
ليتك ِ تدركين َ كم هو ثقيلٌ هم ُّ الوطن ِ ؟
قالتْ بلحظة ِ بوح ٍ باذخة ِ الدهشة ِ :
دوّنْ . . . دموع َ الناس ِ بوصفِها الخيط الرفيع الذي يربط ُ بين َ الحياة ِ والحلم ِ .
استفهمتُ :
لِمَ ؟ !
قالتْ ناصحة ً :
لأنّكَ متى تأخّرتَ عن الإمساكِ بتلكَ اللحظاتِ المدهشةِ من محنتِنا … ستفقدُها إلى الأبد ِ .
لِتكُنْ كتابتُكَ في هذا الوقت ِ عن عذاباتِنا أجملُ انتقامٍ من هذا العالم ِ القبيح ِ الذي نعيشه ُ”.
ومنذ” مدوّنة الحرب” نقرأ في أسفار الجندي المجهول الذي يتناوب على أصناف المعاناة والحرمان،فيسرد السّباعي علينا ابتداء قصة” عازفٌ نســيَ عُودَه”،إذ يقول فيها:”كان معي جنديٌ إبان حـرب ثماني السنــوات فـي جبـــهةِ القتـــالِ ،لم يكن مقاتلاً شرسـاً ، كــان عازفَ عودٍ موهـــوباً ، مُبدعـــاً، لا يجيدُ القتالَ… أثناءَ المعــاركِ الطاحنـــةِ وما أكثرَها وأثناءَ اشتدادِ القصفِ كان يعزفُ لنا نحنُ إخوانَه المقاتليـن أجملَ الألحان ، يضربُ علــى عودهِ بلا تعــــبٍ ، بمتعةٍ وإبداعٍ أبداً لا يكررُ نفسَه … أُعلــــنَ وقـــفُ إطــــلاقِ النارِ في 8/8/1988 راحَ يدندن فرحا بانتهائِها.. وإذا بقذيفـــةٍ إيرانيةٍ تسقطُ على موضِعـــه وهو يعزُف … تقتلٌه”.
وقبل أن نستسلم لأحزان هذا الجنديّ المفجوع بنفسه وفرحه،ينقلنا السّباعي إلى أحزان المرأة العراقيّة إذ يقول في قصّة”أرملة” :” زمـنَ الحرب . كنـا نقفُ طوابيرَ لشراءِ الخبزِ ، كـــــانَ الناسُ يصطفــونَ صفيــن اثنين … صفاً للنساء وآخر للرجال ، كان طابورُ النسوة طويلاً جدا كـأنه أفعى سوداء ، وصـــفُ الرجالِ يتكونُ مــــن ثلاثةِ أشخاصٍ مسـنين وأنــــا ، جـــــاءت أرملـــةٌ و اصطفــتْ فــــي طــابورِنـــا ، خلفــــي مباشــرةً ، أمرهـَــا صــاحبُ المخبز المصــريِ الجنسية أن تقفَ في طابورِ النســاءِ ، فقالتْ بحدةٍ وهي تٌعَدِّلُ من وضعِ عباءتها السوداء الكالـحة :وهــل هنالك رجـــال حتى أقف في صفهــم “.
وبعد ذلك يسرقنا السّباعي سريعاً إلى تضحيات ذلك الجندي العراقيّ الذي عاش شجاعاً ومات بطلاً،وأجاد أن يحوّل الموت والخراب إلى جمال ونخيل وحياة،إذ يقول في قصّة “ثأر”:”جـاهــدَ جدي ضــدَ الإنكليز … كــان يقتلُ الجنديَ البريطانيَ ويأخُذ سـلاحـَه وعتاده ويدفنُه في بستانِه ويزرعُ فوقَ جثتهِ نخلــةٍ … صــارت فسيلاتُ النخيل تمــلأ بستانهَ … تحـتَ كلِ تالةٍ يرقدُ جنديٌ انكليزيٌ، قَتـــلهُ جــدي … غــادَرنا البريطانيـــون … كبـرَ النخيـلُ … مــات جدي… كبرنا … شاخ نخيلُنا … احتلّنــا الإنكليزُ ثانيــةً … قامــوا باقتلاعِ كل نخيل جدي”.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى