ط
الشعر والأدب

الأزرق الخادع .قصة قصيرة بقلم / بن عمارة مصطفى .الجزائر

بن عمارة مصطفى
قصة قصيرة بعنوان:(الأزرق الخادع)

قابع في ركنه المعتاد،باخع نفسه،يلوك الأحزان بصدره لوكا و هو في جلسته:مكبا رأسه على ركبتيه المثنيتين بين يديه،ينظر إلى بلاط المارستان لا يرفع مقلتيه عنها و كأنه يبحث عن شيء أو يفكر في أمر أو يستظهر ذكرى،بيد أنه لا يحفل بشيء من هذا كله فقد غاب عقله و أصبح مريض النفس عليل الجسد،إذا رأيته وجدته جسدا نحيلا يسبح في ثوب فضفاض أو هيكل عظمي ملفوف برداء أبيض.
فريد:في التاسع و العشرين ربيعا-قبل أن تذبل زهوره-شاب مرح،تزوج بفتاة أحبها أو خيل له ذلك و أنجب منها ولدا كالملاك في جماله،كان مهووسا بالعالم الأزرق إذ كان يلجه غالبا بل كان لا يبرحه،صادق أصدقاء كثر و صديقات كثيرات،يتبادل معهم وجهات النظر أو يتناقش معهم،إلى أن تعرف على (هبة)،أو كانت تسمي نفسها كذلك،وطئت أرض أزرقه حتى وطئت أرض قلبه فصار مدمنا في مكاتبتها، إلى أن علمت زوجته بذلك صدفة بعد أن ترك حاسوبه مفتوحا و عالمه الأزرق مطبوعا على شاشته يوما فإذا ب(هبة)تبعث رسالة ((أهواك يا غالي))لما قرأتها زوجته صُعقت،صُدمت،و لم تعرف ما تفعله غير أنها حملت حقيبتها و ابنها الصغير و راحت إلى بيت أهلها تاركة له كتابا فحواه :(لم أعرف غيرك أحدا،و سخرت حياتي كلها لك،و لو كان باستطاعتي أن أهب لك قلبي لفعلت،و لو قدرت أن أزيد إلى عمرك عمري لزدت،و لكنك خائن خنتني و خنت ولدك و عشرتنا و لم تبال،فاطلق سراحي لأني أدركت اللحظة أنني كنت في قفص كعصفور جميل زينت به مآقيك حينا من الزمان و سئمت منه الآن،فهذا آخر عهد بيني و بينك).
لما آب فريد من بعض شؤونه وجد البيت صامتا أخرسا،و لما رأى بحاسوبه الرسالة مفتوحة علم بهول ما اقترف بحق أسرته فأخذ هاتفه و هاتف زوجته مرارا و لكنها لم ترد فبدا كالمجنون رائحا غاديا في غرفته إلى أن وجد كتابها،فقرأه مسرعا وجلس عارفا بأنه قد قض جدران بيته،راح إلى حاسوبه أو إلى هبته فرسل إليها:(لقد ذهبت زوجتي،تاركة البيت بعد أن قرأت رسالتك:(أهواك يا غالي) التي بعثتها أخيرا.قالت:لا يهمك حبيبي فأنا هنا.ألست حبيبتك؟ألست تحبني؟استطرد:بلى،فأنا أعشقك.
و مرت الأيام متعاقبة أيام أذكت نار الهوى في فؤاد فريد كما يذكي البنزين النار جعلته ينسى زوجته و وولده،فإذا برسالة ترِدُه من هبة هي صورة رجل ،فتعجب أيما عجب و رد:لمن هذه الصورة يا حبيبتي؟فقالت:إنها صورتي.فرد:أتمزحين؟فقالت:أبدا و الله إنها صورتي و أرجو أن لا تغضب مني فهي لعبة لعبتها لكنها تطورت مع الوقت.فأنا رجل و اسمي جمال.فاختلطت ملامح فريد بين القهقهة و البكاء كما اختلط عقله و أصبح من سكان المارستان.
*بقلم الكاتب:بن عمارة مصطفى خالد. البلد:الجزائر.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى