باحث في السوسيولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس
” الإرهاب” لطالما ارتبط هذا المفهوم بالجانب الطائفي و الديني،اذ من البديهي أن التشدد لديانة معينة و التعصب لمعتقداتها يطرح رؤية مفاهيمية لهذا التطرف.الا أن المدقق في البنية النسقية التي يأخذ فيها الإرهاب سيرورة منظمة و دقيقة سيجد أن مختلف العمليات الإرهابية التي تحدث داخل المجال الجغرافي للدولة ارتبطت سيرورتها التاريخية بأيام مقدسة .فجل الهجمات الإرهابية التي حدثت في البلاد التونسية ارتبطت بيومي الاربعاء و الجمعة لما لهذين اليومين من دلالات رمزية و علائقية بالديانة الإسلامية.الا أننا اليوم نشهد انزياحا كليا لهذه الفكرة . فأصبحنا نتحدث عن “الإرهاب اللازمكاني” و نقصد به هنا أن الإرهاب أصبح قابلا للحدوث في كل زمان و مكان ،و في هذا الإطار لابد لنا من إعادة التثبت و التفكير في الفكرة القائلة بسيادة المرجعية الدينية في حدوث الهجمات الإرهابية و علينا أن نقدم رؤية حديثة تتماشى مع السيرورة النسقية للإرهاب اليوم. إن الباحث في القضايا الاجتماعية التي يشهدها العالم النامي اليوم يستطيع أن يلاحظ أن السبب الرئيسي للإرهاب هو الخلل الذي أصاب التسلسل الهرمي الذي وضعه” ماسلو” صلب نظرية الحاجات ،ففي ظل العجز الذي تشهده الدولة عن تحقيق بعض الحاجات الضرورية التي يحتاجها الإنسان لاستمراريته و هي الحاجات التي صنفها ” ماسلو” ضمن التنظيم الهرمي( الاحتياجات الفزيولوجية،احتياجات الأمن،الاحتياجات الاجتماعية ،الحاجة الى التقدير،الحاجة لتحقيق الذات) هذا الفشل الذي استبد بالفرد جعله ينتقل مباشرة الى البحث عن تحقيق ذاته في ظل غياب الحاجات الأساسية التي يجب توفرها لدى الفرد ليستطيع أن يحقق ذاته. فكان الإرهاب هو البديل الذي جعل الفرد يتجاوز هذه المراحل ليستطيع أن يحقق ذاته في وقت وجيز في غياب كل أشكال اهتمام الدولة بأفراد مجتمعها. هذا و ليس من الضروري وجود جماعات تلبس ” قمصان” و تطلق اللحي و تسكن المغاور في الجبال لنقول عنهم إرهابيين بل يمكن أن نجدهم في شكل أفراد طبيعيين من عامة الشعب يثورون كلما شعروا بالاستبداد المسلط عليهم من قبل أجهزة الدولة, فيطلقون العنان لوسائلهم الترهيبية كلما اقتضت الحاجة و هؤلاء من يطلق عليهم ب”الخلايا النائمة”. من جهة أخرى كان لابد من الإشارة إلى أن العمليات الإرهابية التي حدثت في تونس طوال السنوات الماضية لم تأتي بصفة عبثية إنما
كانت مرتبطة بتحركات اجتماعية قامت بها فئات شعبية ضد سياسات فشلت في تحقيق مطالبها و نستطيع أن نثبت هذا القول بارتباط العملية الإرهابية ،التي ذهب ضحيتها ستة عناصر من السلك الأمني، بالحراك الاجتماعي التي شهدته عدة مناطق داخل الجمهورية التونسية ضد غلاء الأسعار و انقطاع المياه،مما يجعلنا نطرح عدة تساؤلات في علاقة الدولة بهذه العمليات. اذا ففي كلتا الحالتين سواء كان الإرهاب وسيلة لتحقيق الذات في خضم العجز الكلي للدولة على تلبية احتياجات الفئات المهمشة أو في حالة استخدام الترهيب من قبل الحكومات لتشتيت المتظاهرين عن مطالبهم الرئيسية . نستطيع اذا أن نجزم أن الرؤيتان وجهان لعملة واحدة فالدولة بطريقة غير مباشرة هي التي تصنع الإرهاب و تعيد إنتاجه.