ط
مقالات بقلم القراء

البحث عن أحمد حمدي .. بقلم / د/ محمد كامل الباز

 

بينما كنت أشاهد أحد القنوات الكلاسيكية إذ وجدت احدي التحف الفنية فى فترة الخمسينات والستينات وهو الفيلم العربي ( حياة أو موت)،
لم تقف أهمية الفيلم من وجهة نظري كونه جمع كوكبة من أقوي نجوم السينما آنذاك مثل عماد حمدي ومديحة يسري والقدير حسين رياض إضافة للدنجوان رشدي أباظة وأخيراً عميد المسرح العربي يوسف بك وهبي، أهمية الفيلم كانت أولا فى قصته الجديدة والمختلفة والتي والله أري انها رغم كونها رواية من منتصف القرن الماضي إلي وتبدو أجدد وأفضل مما تبتلينا به شركات الإنتاج اليوم من اسفاف وسطحية،
تبدأ أحداث الفيلم فى نزول الطفلة ذات التسع سنوات بحثاً عن الدواء لوالدها المريض، حيث تغيب الزوجة بعد مشاجرة مع الزوج، تجد الطفلة معظم الصيدليات المجاورة مغلقة حيث أن اليوم هو وقفة العيد لتذهب لميدان العتبة الذي يبعد عن سكنها مسافة ليست بالقصيرة، تذهب للصيدلية ويتم تركيب الدواء ولكن بعد انصرافها تحدث المفاجأة أو إن شئت قل أصل الحكاية وبداية الصراع، يجد الطبيب الصيدلي أنه أخطأ فى المادة الفعالة للدواء بدل أن يضع نسبة قليلة من مادة الدواء وضع خمسين ضعف فى غلطة ستكلف حياة المريض المُنتظِر للدواء حياته فوراً، شاهدت منذ معرفة الصيدلي هذا الخطأ عالم غير العالم ودنيا غير الدنيا بل مجتمع غير المجتمع، لم يترك الصيدلي الأمر ويُكمل عمله، لم يتناسب هذا المسكين الذي من الممكن أن يدفع حياته ثمناً لهذا الخطأ، أخذ يتصل على كافة الأصعدة ليصل أولا للطبيب المعالج من خلال الروشته ويقابل هذا الشعور النبيل من الصيدلي شعوراً مثله من الطبيب الذي كان فى المستشفي لإجراء عملية وفورا انتهاؤه ومعرفته رجع مسرعاً للعيادة ليعرف أسماء المرضي الذي كتب لهم هذا الدواء ويعطي تلك المعلومات للصيدلي، الصيدلي لم يقف محلك سر، لم يخف على نفسه ويقول ( بلا وجع دماغ)، بل قرر إبلاغ الشرطة التي كانت على نفس مستوي الصيدلي والطبيب، بدأ الحكمدار يهتم بالأمر بنفسه رغم أن اللحاق بتلك البنت يعد دربا من المستحيل، تمسك المأمور المحترم الذي يراقب الله فى عمله بالأمل البسيط وبدأ يتتبع خط سير كل البنات اللائي فى سن تلك الطفلة، تم إذاعة نشرة فى الإذاعة، وخرجت فرق الشرطة تبحث عن المدعو أحمد حمدي ( والد الطفلة الذي ينتظر الدواء) فى كل الأماكن، فى نفس الوقت. كان مؤلف الفيلم يتفوق على نفسه ليعط لنا الأمل كمشاهدين بانحراف مسار البنت فى الرجوع تارة، ومحاولة أحد السكاري خطف زجاجة الدواء منها تارة أخري ظناً منه أنها نبيذ، كل هذا كي تتأخر الطفلة أكثر ويزيد من فرصة اللحاق بها، سمعت الزوجة فى بيت أهلها النشرة وبالفعل خرجت مسرعة لتلحق أسرتها، ويشاء المولي عز وجل أن تدخل فى الوقت المناسب قبل تناول زوجها الدواء لتنقذ حياته بعد سماع نشرة الإذاعة، لم يكن فيلم حياة أو موت مجرد قصة تسلية نشاهدها، كانت بالفعل دعوة واضحة لهذا الزمن الجميل، الزمن الذي رأينا فيه صيدلي يخاف على حياة مريض ويعترف بخطئه ويعمل كل شىء حتي يصلح هذا الخطأ، رأينا الطبيب الذي تناسي كل شىء وعاد من أجل خطأ لم يرتكبه ولكنه سيساعد فى إنقاذ حياة مواطن، رأينا الشرطة فى ابهي صورها وهى تؤدي واجبها بتفان وإتقان، لم تؤيد مجرد محضر أو تضع الصيدلي ككبش فداء بل استعانت به كي تصل لتلك الطفلة، رأينا عامل الترام وهو يساعد أيضاً من خلال التذكرة ليقرب المسافات عن اتجاه سير الطفلة، وجدنا ورق جيد واداء راقي لأبطال الفيلم فى غياب للبلطجة والاسفاف والنص الهزيل وكل ما نجده الأن، وجدنا معه مجتمع جميل وقف كله رأساً على عقب من أجل إنقاذ حياة روح، كنا نتفاعل مع النداء الدارج طيلة الفيلم (إلى أحمد حمدي القاطن بدير النحاس، لا تشرب الدواء الذي ارسلت ابنتك به، الدواء فيه سم قاتل)، ونحن بعد أكثر من سبعين عاماً مضت نقول له أين انت يا أحمد وأين مجتمعك بتاع زمان؟ عندما شاهدنا ما حدث معك فى ساعة ونصف، شعرنا بالسعادة لهذا العصر وأيضاً اشتقنا لهذا الزمان.

د/ محمد كامل الباز

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى