بسم الله الرحمن الرحيم
*******************
– خاص بالمسابقة – قسم القصة القصيرة
– الأسم : نيفين توفيق محمد
– البلد : جمهورية مصر العربية – الإسكندرية
** البريق الخادع **
دقات الساعة الثامنة في البهو الكبير عكرت فجأة صفو الهدوء المصاحب
للموسيقى الناعمة التي كانت تعم كل أنحاء المنزل و تنساب في تناغم
مبهج للروح من سماعات ضخمة مخفية بعناية وراء شجيرات الياسمين
المزروعة في الحديقة الخلفية للفيلا ، أمام شرفة قاعة الاحتفالات ، تململت
في جلستها و هي تكاد تلتهم بعينيها اللوزيتين الجميلتين كلمات الرواية
الرومانسية الشيقة التي كانت تقرأها بلهفة واهتمام، لاهثة وراء سطورها
لتصل بسرعة للخاتمة السعيدة المرتقبة ، رنة الهاتف الموضوع أمامها
جعلتها تنتفض في مكانها ، نظرت إليه في ضيق فقد أخرجها من إندماجها
العميق مع أهم حدث في الرواية ، ردت بلا مبالاة ، كان رجلا يسألها عن
شريف أخيها فأخبرته إنه بالخارج ، لكن الغريب و من أول ثانيه شدتها
نبرات صوته الرخيم الهادئ و شعرت أنها سمعته من قبل لكن لم تسعفها
الذاكرة في معرفة متى و أين ؟ واصل أسئلته لدقائق عن
أخيها و هىَ تجيب و عقلها شارد في موسيقى صوته الأليف المحبب
سؤاله الأخير جاء مفاجئ ليدرك الاثنان أن من يتحدث عنه هو في
النهاية شريف آخر ، ضحكا لسوء الفهم ، اعتذر منها فتأسفت في سرها
لأنه لم يكن صديق أخيها و لانتهاء المكالمة بهذه السرعة ، لكنه و لدهشتها
لم يغلق الخط ، ظل يتحدث فأخبرها إن أسلوبها في الرد يدل على ثقافتها
و أن صوتها ساحر كمعزوفة ناعمة تجعله يؤثر في الحجر و .. و .. و .. لم
تدر ما الذي دعاها لتستمر في الإنصات له و هي المعروفة بشدة مواقفها
أمام حديث كهذا ، شيء ما فيه غامض لم تعرف كنهه شدها إليه بقوة
و حيرها . عرفها بنفسه فكانت المفاجأة ، إنه هو هذا الإعلامي اللامع
الذي طالما أعجبت ببرامجه و أبهرتها شخصيته و آراؤه الجريئة و أسلوبه
الرائع في محاورة ضيوفه . لم تصدق نفسها لطالما حلمت بهِ وسهرت ليالي
تفكر فيه و تحلق معه في عالم سحري و كانت دوما تحسد كل من يعرفه
تعجبت و هي تتساءل :
– هل حقا هو يكلمني الآن ؟ هل القدر أرسله إلى بالخطأ ليتحقق الحلم ؟
مليون سؤال و سؤال دار بخلدها و هي تستمع له شبه مخدرة من روعة
حديثه بدأت تسأله عن نفسه و هو يجيب بسلاسة و انطلاق ، سكت برهة
فخافت أن ينتهي بذلك الحديث و تنتهي المكالمة لكنه فاجأها بسؤاله
إن كانت قد شاهدت برنامجه الأخير وعن رأيها فيه ، تشبثت بالسؤال و
كأنه طوق نجاة قد ألقي إليها من السماء و هي تصارع أمواج القلق و
الخوف ألا تتاح لها مثل هذه الفرصة الثمينة مرة أخرى ، أجابته و أغدقت
عليه بالثناء ، أنصت إليها و هو ينظر في مرآته مبتسما بخيلاء يحثها على
المزيد و قد كانت في ذلك من الكرماء . بعد ساعتين كاملتين تحدثت
هي فيها و هو منصت بابتهاج المنتصر، اعتذر منها فقد كان على موعد مع
بعض المنتجين للاتفاق على تفاصيل برنامج جديد ، أنهيا الحديث على وعد
بحديث آخر في الغد ، أغلق هو الخط و ظلت هي محكمة قبضتها على
سماعة الهاتف تخاف أن تفلت منها و كأنه سكن فيها و لو تركتها سوف
يضيع منها عنوانه ، لم تعد كما كانت قبل المكالمة ، أخذت تحاور نفسها
بصوت مسموع كالبلهاء :
– ماذا حدث لي ؟ و ما هذا الزلزال الذي ضرب قلبي و هز بعنف كياني و
جعلني لا أستطيع السيطرة على مشاعري وشدني لأنجرف في الحديث
معه بهذه الطريقة و كأنني أعرفه منذ زمن بعيد ؟ و كأنني كنت أنتظره كل
تلك السنوات ، كيف حدث ذلك ؟ هل كنت مفتونة به لهذه الدرجة دون أن
أدري ؟ لقد ظننته طويلا مجرد إعجاب ، لا ليس افتتانا أظنني كنت واقعة
في حبه دون أن أشعر فكل ما فيه كان يعجبني و كلما كان يتقدم لي
خاطب كنت أقارنه به فلا أجد فيه ما يشبهه لذلك رفضت الجميع ، هل
كنت فعلا أنتظره ؟
انتفضت لهذه الفكرة المجنونة و أنبت نفسها و هي تذكرها بكلام والدتها
التي طالما نصحتها بالتأني في الحكم على الناس و بعدم التسرع و
الانجراف وراء مشاعرها حتى لا تقع فريسة تسرعها فتندم في النهاية
لكن رومانسيتها الزائدة لم تجعلها تفكر يوما بتعقل و خاصة عندما يمس
موضوع ما شغاف قلبها ، فهي لم تنسَ حتى الآن تجربتها القديمة و
المريرة مع زميلها في الجامعة و التي انتهت قبل خطوبتهما بأسبوع بعد
اكتشافها خيانته ، تلك التجربة التي آلمتها و تركت في نفسها جرحا غائرا
مازال يسبب لها الألم من حين لآخر ، أنبت نفسها و هي تحدثها :
– تعقلي و لننتظر الغد و ما سيأتي به .
نامت تلك الليلة نوما مضطربا متقطعا ، لم تر فيه سوى حلم واحد لفارس
وجهه مضيء و كأن كشافات من نور ساطع قد سلطت عليه ، لم تتبين جيدا
ملامحه لشدة الإضاءة ، كان يركب جواداَ أشهب بديع التكوين ظلت ترقبه و
تتوسل في خشوع أن يلتفت إليها و هي واقفة وسط صحراء جدباء قاحلة
وحدها يكاد يهلكها الظمأ و هو الفارس الوحيد فيها و عندما بدأ يقترب منها
فرحت بقرب نجاتها ، أشارت له بسماعة هاتف كانت في يدها ، هللت لقرب
دنوه منها و لكنه مر بجانبها و لكزها بعصاه و أنطلق مبتعدا .
استيقظت فزعة و قد أغرقها العرق و جف حلقها .
مر اليوم ببطء و كأنه عام كامل لم يسعفها من القلق و الترقب سوى برنامج
كان يعرض له جلست تشاهده بشغف و ما بين الحين و الحين تقف و تقترب
من الشاشة لتتأمل ملامحه و تحفظ كل جزء فيها لتخزنها في ذاكرتها ، بعدها
أخذت تتأمل ملابسه ، أعجبتها أناقته ، جلست ثم قامت مرة أخرى و اقتربت
من الشاشة لتحدد مقاس بزته و قميصه و حفظت الألوان في ربطة عنقه و
شكل المثلثات بها حتى حذائه حاولت تخمين مقاسه ، ثم مرة ثالثة قامت
واقتربت و وضعت يدها على الشاشة فوق يده الممدودة أمامه على مائدة
الحوار و أغمضت عينيها و استشعرت لمستها، أما صوته فقط كان أجمل لحن
سمعته ، تاهت مع أفكارها تلك ما بين حركاتها الهستيرية من وقوفها أمام
الشاشة و التصاقها بها و بين جلوسها ثم الوقوف ثانيا و كأنها قد مسها طائف
من الجن ، ظلت على هذا الحال حتى انتهاء الحلقة لتوقن بعدها أنها فعلا
أحبته و تمنت لو يعلم مدى حبها له و لكنه ربما سينعتها بالهوائية بينه و بين
نفسه ، لأنه سيظن أنها أحبته هكذا و بعد مكالمة واحدة فقط ، قالت لنفسها :
– معذور فهو لا يعلم عن أحلامي شيئا .
ثم تساءلت في قلق :
– هل يمكن أن يأتي اليوم و يحبني بدوره دون أن يراني ؟ ربما لو راني الآن
سيتأثر بجمالي و لن يكون حبا صادقا ، أريده أن يعشقني لشخصي يعشق
أفكاري ، حديثي ، أحلامي و روحي هذا هو الحب الذي يدوم للأبد .
قبل الموعد الذي اتفقا عليه ، أخذت الهاتف لغرفتها و أوصدت الباب و جلست
تقرأ و عقلها شارد مع دقات الساعة التي امتزجت نغماتها مع نبضات قلبها
ليعزفا لحنا مضطربا دمر ما تبقى من صبرها ، ألقت الرواية في ضيق و أخذت
تنظر للهاتف بتوسل محموم ترجوه أن يرن ، لكن مرت نصف ساعة كاملة على
الموعد و هو أمامها ، حجر أبكم أصم حتى همت بالإطاحة به و الخروج من
الغرفة لتتحدث مع أي أحد في المنزل يساعدها على عدم التفكير فيه
عندها سمعت أجمل موسيقى ‘‘ ترن ترن ’’ لم تدعه يكمل ردت متلهفة و هي
تحاول أن تجمل من صوتها قدر المستطاع لتسحره ، كان بالفعل هو
– أخيرا .
قالتها بسعادة من هلت عليها نسائم خريفية منعشة بعد أن لفحها أوار شمس
صيف قائظ .استمر الحوار لساعات وانتهى على وعد بمكالمة أخرى في الغد
هكذا عاشت مع مكالماته أربعة أشهر وعشرة أيام كاملة و هىَ سابحة معه في
أحلامها المخملية التي نقلتها لجزيرة سحرية أبعد من الخيال ليس يسكنها
سواهما و الدنيا ملك يمينهما يرتعان و يلعبان و يرقصان معا قي بساتين الهوى العطرة
و عندما يحل المساء و تدخل لتنام تتوسد في الحلم ذراعه و يلتحفان الفضاء و
النجوم فوقهما ثريات متلألئة من الماس و الذهب . حلم رائع عيشتها فيه سيمفونيات
قصائده الغزلية حتى باتت لا تقوى على فراقه شعر هو ، بحس الخبير بتلك الأمور،
أنها لن ترفض طلبه لمقابلتها هذه المرة ، اتفقا على الموعد و المكان ، جلست
لساعات تتزين و تختار أي الأثواب سترتدي و هي تكاد تطير من السعادة ، تخرج
ثوبا من خزانتها و تضعه عليها أمام المرأة و هي تحدث نفسها :
– لا لن أكون فيه جميلة كفاية .
تلقيه لتتناول آخر ، تحاول النظر في المرآة بعينيه هذه المرة :
– لا لن يحبه .
ظلت على هذا الحال حتى أخرجت كل أثوابها ، التي تكومت فوق بعضها البعض
كالهضبة فوق فراشها ، شدت أخر ثوب و كان أبيض اللون بديع التصميم بكسراته
الناعمة و قماشه الرقيق الهفهاف الذي كان يظهر دوما رشاقتها، وضعته عليها أمام
المرآة ثم ابتسمت بسعادة قائلة :
– هذا هو ، أخيرا وجدتك ، ستعجبه أكيد .
أخذت تضحك من نفسها متعجبة :
– هل الحب يسلب هكذا العقل و يجعلني أحدث الفراغ ؟
رنة ضحكتها شدت والدتها لتدخل و تجدها تكلم نفسها في المرآة ، و من نظرة
واحدة فهمت الأم بخبرتها ما يدور ، ابتسمت لها و سألتها :
– أين تذهبين ؟
هي : – موعد مهم يتوقف عليه مستقبلي كله
ردت أمها بخبث : – هل هو موعد عمل جديد ؟
– يا أمي الحبيبة لا تشغليني بكثرة أسألتك و دعيني حتى لا أتأخر و عندما أعود
أحكي لكِ
نظرت إليها أمها بحب ممزوج بالقلق و ردت :
– سأقول لكِ نصيحة واحدة فقط يا بنيتي أتركك بعدها ، فكري كثيرا و تريثي قبل
الإقدام على أي خطوة و أحذري التسرع ، و أعلمي أنه ليس كل ما يلمع ذهباً
أحيانا يكون صفيحاً مطلياً بقشرة ذهبية مغرية لامعة ، فلا تجعلي المظاهر تخدعك
و تغرقك في ألم جرح جديد . خرجت أمها و تركتها مشتتة الذهن تتساءل :
– هل تسرعت فعلا ؟ هل يحبني كما أحببته ؟ هل حقا أنا لا أستطيع التفرقة بين
الذهب و الصفيح ؟
ارتدت ملابسها و هي سابحة في تساؤلاتها التي أزعجتها :
– هل هذا وقت هذه المخاوف ، لا لا هو حقا يحبني لقد شعرت بذلك في حديثه
معي عندما قال لي ، قال … ماذا قال ؟
هنا تنبهت لشيء لم تكن توليه اهتماما وقتها :
– هو لم يحدثني سوى عن نفسه و عن أحلامه و مشاريعه المستقبلية و لم يعدني
بشيء خاص ، و أنا بدوري لم أسأله خوفا من أن أفقده ، لكن عندما كنت أبدأ في
التنويه عن مستقبلنا وعن أحلامنا سويا ، كان يقاطعني بحجة أن هناك من يطلبه
على الخط الثاني ، و في يوم آخر أدعى أصابته بصداع مفاجئ و أنهي المكالمة ، و
غيرها الكثير ، كيف لم ألاحظ ذلك من قبل ؟ هل أمي ترى ما لا أراه و هىَ التي لا
تعلم شيئاً ؟ تبا ما هذه السخافات كيف يا أمي أثرت في بكلماتك تلك ؟ يجب أن
أسرع في النزول قبل أن أعدل عن قراري .
استقلت سيارتها ، أدارت المسجل و وضعت فيه شريط أغاني لفيروز ، كان قد أخبرها
في مكالمة سابقة أنه يحبها فاشترته ، قادت مستمتعة بسحر النغمات و هىَ تفكر
فيه ، متلهفة و خائفة في نفس الوقت ، تتنازعها رغبتها في رؤيته و رهبتها من
نتيجة هذا اللقاء المرتقب .
دخلت النادي و دلفت إلى الكافتريا كما اتفقا ، شد جمالها الأخاذ و أناقتها ، التي
تنم عن ذوق رفيع ، جميع الجلوس في القاعة دون أن تنتبه ، اختارت آخر مائدة
متجنبة بذلك شدة الإضاءة ، لتجلس عليها ، جالت ببصرها تبحث عنه
– حمدا لله لم يصل بعد ، فماذا كنت سأفعل لو وجدته واقفا فجأة أمامي ؟ آه لكنت
ارتبكت و أسمعت ضربات قلبي كل من بالمكان .
بدأت تشعر بتقلص معدتها و بألم خفيف في بطنها ، كانت تهز قدمها اليمنى
الموضوعة على الأخرى في عصبية ظاهرة، و تنقر بأظافرها على المائدة و هىَ
تنظر في ساعتها كل ثانية ، دون أن تدري أنها شدت بذلك أنظار بعض الجالسين
على المائدة المقابلة حتى باتوا يتغامزون عليها كأنهم يعرفون سرها .
انفتح الباب فجأة ، دخل يسبقه عطر ما بعد الحلاقة النفاذ الذي انتشر بسرعة في
أرجاء القاعة ، ليدغدغ ما تبقى من مقاومتها ، سار في بزته الفاخرة بخيلاء و كأن
لسان حاله يقول : – من هنا يمكن أن ينافسني ؟
سرق أنظار جميع الموجودين ببهاء طلته و بالوردة الحمراء الزاهية ، التي يحملها
في يده ، نظر بتمعن حوله لم يجد سواها وحيدة ، تضع وردة بيضاء في شعرها
الأشقر البندقي المسترسل في استكانة فوق كتفيها المرمريتين ، حدث نفسه و
هو ينظر إليها :
– لمَ لم تقل لي إنها تتمتع بجمال فتان كهذا ؟ فمن عرفتهن كلهن قبلها في كفة
و هي في كفة أخرى لا بل لا يشبهها أحد .
شعر بسعادة عارمة أنه سيجالس تلك الغادة الهيفاء ، أسرع في خطوه و هىَ تنظر
إليه كالبلهاء من شدة التأثر و من رهبة اللقاء المرتقب ، شعرت بقدميها ترتعدان
من تحت المائدة ، محدثة نفسها :
– يا الله ، هو جذاب أكتر مما يظهر على الشاشة ، التي تخفي الكثير
ارتعشت يدها و هي تفكر كيف ستمدها لتسلم عليه و تلمس بها يداه ، أرتعد كل
جسدها و باتت كورقة شفافة في مهب الريح كل ذلك حدث في أقل من الثانية
قدم ناحيتها ، توقف أمامها و سألها بأدب جم و بصوت هامس :
– هل أنت ؟ .. لم تدعه يكمل
– نعم نعم أنا هي .
انفرجت أساريره كاشفة عن أسنان بيضاء ناصعة ، مد لها يده بالسلام ، عندها
شعرت يده الخبيرة بكل ما تعانيه ، ابتسم لها محدثا نفسه :
– جميل ، ليس لديها أي تجارب سابقة
جلس قبالتها و قدم لها الزهرة و هو يحدق في ملامحها بجرأة صارخة لم تعهدها
من أحد من قبل ، أخفضت عينيها خجلا و قد اكتسبت بشرتها لونا ورديا ناعما زاد
من جمالها ، دون أن تشعر . أشار للنادل و طلب منه بعنجهية مشروبا ساخنا
لهما ، مهملا سؤالها عن رغبتها ، ضايقها هذا التصرف الغريب لكنها تغاضت عنه
حدثها كثيرا و كان كالعادة كل حديثه يدور عن نفسه و مشاكل العمل و أصحاب
القنوات الفضائية الذين يسعون وراءه ليقبل انضمامه لهم و . و . و
لم يشعر بضيقها و بالقناع الذي باتت تراه يسقط بالتدريج عن وجهه ، ليظهر جليا
قبحه و هو يتحدث كأنه لا يرى سوى نفسه .
فتحت النقاش حول موضوع حلقته الأخيرة ، لتفاجأ و تصدم من ردوده بأنه غير
مهتم بما قاله فيها و أنه لم يكن وفق رأيه الشخصي ، بل هي مجرد أسئلة يضعها
المعد و هو ينقلها فقط بخبرته كإعلامي محترف لا أكثر و لا أقل . أحضر النادل
الطلبات و نسى أن يحضر له سكر الحمية الخاص الذي طلبه ، فجأة هاج و ماج و
أخذ يسب و يلعن النادل بعجرفة و وقاحة و كأنه ملك يعنف خادمه و الرجل يقف
أمامه مبهوتاً ، لا يقوى على الرد ، نظرت إليه في شفقة و عيناها تنقل له ألف
اعتذار . حضر المدير المسئول يستفسر عما يحدث ، تجمع الناس من حولهم
محاولين تهدئة الوضع و هم ينظرون إليه بضيق متعاطفين مع النادل المسكين
سمعت شخصاً من خلفها يقول لآخر :
– مسكينة يا أخي زوجته الرقيقة هي مضطرة من أجل الأولاد أن تعاشر مثل
هذا المتكبر زير النساء !!
كادت تفقد توازنها من هول الصدمة،تمالكت نفسها بصعوبة ،بدون تفكير ، تناولت
حقيبتها في هدوء و أنسلت خارجة من الباب .
لم يشعر بها و هو مستمر في الكيل للنادل ، ألقت نفسها داخل سيارتها ، كانت
الزهرة ما تزال في يدها ، ألقتها فوق حقيبتها و خرجت مسرعة من بوابة النادي و
جملة والدتها ترن في أذنيها ‘‘ يا بنيتي ليس كل ما يلمع ذهبا أحيانا يكون صفيحاً
مطلياً بقشرة ذهبية مغرية لامعة ’’ ضحكت في حركة هستيرية و الدموع منهمرة
بغزارة من عينيها و هيا تردد :
– متسرعة ، لماذا أختار دائما الشخص الخطأ ؟ غبية ، غبية ، غبية
عند أول صندوق للقمامة صادفها توقفت ، فتحت النافذة ، أمسكت بامتعاض زهرته
و تخلصت منها بإلقائها بعنف لتنزل إلى قاع صندوق القمامة و معها صاحبها
المتحذلق ليرقدا سويا في المكان المناسب إلى الأبد .
ابتعدت عائدة ، لتعيش مع ما تبقى من روايتها الرومانسية الشيقة ..
بقلمي
{نيفين موسى}