أسمهان الفالح/ تونس
————————————————-
لئن بدا كتاب “الأوراق” منذ الوهلة الأولى كتاب أخبار ينزع فيه المؤلّف نحو الحياد و الموضوعيّة، فيقتصر دوره على جمع الأخبار من أفواه الرّواة أو من بطون الكتب فترتيبِها فتدوينِها، فإنّا لا نعدم مع ذلك حضورًا لذات الصّولي مكثّفا في الأوراق. هذا الحضور اِتّخذ أشكالا و صورًا متعدّدةً لعلّ المحقّق قد تفطّن إلى بعضها. يقول في مقدّمة الجزء الأوّل:
“و مؤلّفات الصّولي كلّها طريفة ينحو فيها منحى مؤلّفي عصره و تظهر فيها شخصيّته الممتازة و كثيرا ما يتحدّث عن نفسه في كتاب الأوراق و يدوّن أحواله مع الخلفاء و وزرائهم.”
فالحديث عن النّفس و تدوين الأحوال مع الخلفاء و الوزراء يشكّل بعض ملامح البعد السّيرذاتي عند الصّولي. و هنا نشير إلى أنّ السّيرة الذّاتيّة – هذا الجنس الأدبيّ الوليد في معبد الأجناس الأدبيّة- على حدّ عبارة جورج ماي، لم تستقم جنسا أدبيّا قائم الذّات إلاّ في منتصف القرن الثّامن عشر. لذلك لا يمكن الحديث في كتاب “الأواق” عن سيرة ذاتيّة بالمعنى الاصطلاحيّ للكلمة لعدم تبلور جنس السّيرة الذّاتيّة زمن تأليف الكتاب. لذلك سينحصر مجال بحثنا في حدود تقصّي ملامح السّيرة الذاتيّة عند الصّولي.
فماهي مظاهر حضور البعد السّيرذاتي في الأوراق؟ و ماهي الوظائف التّي يضطلع بها هذا البعد؟ ثمّ ماهو دور كلّ ذلك في إبراز خصوصيّة الكتابة عند الصّولي؟
إنّ أوّل ما يشدّ اِنتباه القارىء و هو يجوس في ثنايا كتاب الأوراق هو هذا الحضور المكثّف لذات الصّولي، هذه الذّات التّي ما اِنفكّت تطالعنا بين الفينة و الأخرى في مختلف الألوان و على متباين الصّور تحضر حيث لا نتوقّعها و تغيب حيث ننتظرها. هي لعبة يروم من خلالها الصّولي كسر أفق انتظار القارىء و الانزياح بالخطاب من صبغته التأريخيّة الصّارمة إلى صبغة أدبيّة معينها التّشويق و جوهرها الحركة الدّؤوب تختزلها اِنفعالات الذّات و المتقبّل في آنٍ. فذات الصّولي تتراءى لنا حينا ذاتا عالمة بأمور الأدب و الرّواية تحاول أن توهم فينا العقولَ بأنّها تأتي في هذا المجال ما يعجز عنه غيرها. و تتراءى لنا حينا آخر ذاتا منكسرة تعالج صنوف المحن و ضروب الحيف في صمت ليس لها إلاّ الأدبُ متنفّسًا. و يتناهى إلينا صوت صاحب “الأوراق” و قد علا بعد خفوتٍ ليصوّر في خيلاء وجوه التّواشج و الوفاق بينه و أصحاب السّلطة في عصره. فالصّولي ما فتىء يقحم نفسه في مختلف المجالات الأدبيّة و السياسيّة و الاجتماعيّة. و هو ما سنفصّل فيه القول لاحقا. فماهي تجليّات البعد السّيرذاتي في مجال الأدب و الرّواية؟
لمّا كان الصّولي مهووسا بالحديث عن الذّات و الإحاطة بها في جلّ تفاصيلها أو أغلبها فإنّه لم يدع فرصة إلاّ و سلّط فيها عدسة الضّوء على الأنا بعد أن كانت مسلّطة على الآخر. و لعلّ أبسط صورة على ذلك سعيه إلى إشاحة النّقاب عن الخطّة التّي اْتّبعها في التّأليف و الإشارة إلى ما طرأ عليها من تعديل في بعض المواطن لأسباب لا يتورّع عن ذكرها. و آية ذلك قوله في الجزء1 من “الأوراق” (أخبار الشّعراء المحدّثين): “قد صرتُ من كتاب الخلفاء و هو كتاب الأوراق إلى ذكر الشّعراء الذّين أسماؤهم ألف. فذكرتُ منهم جماعة ثمّ رأيتُ بعض الأجلاّء يحبّ أن أقدّم له ذكر أحمد بن يوسف الكاتب و آله جميعا، و من قال الشّعر من آبائه و وُلْدِه فآثرتُ مراده و اِتّبعتُ محبّته.” (الأوراق ج 1 ص143)
فالصّولي بعد أن سار خطوة هامّة في تقديم أخبار بعض الشّعراء المحدثين و ضرب نمادج من أشعار لهم مطوّلة شيئا ما بدءًا بابن عبد الحميد اللاّحقي و صولا إلى أبي الوليد أشجع السّلمي و أخيه، رأى أن يعلن في هذا الموطن بالذّات عن المنهج الذّي اِتّبعه في التّأليف في مرحلة أولى ثمّ أبرز عدوله عنه في مرحلة ثانية. فقد صرّح بأنّه اِتّبع في تقديم الشّعراء ترتيبا هجائيّا حسب الأسماء. لكن ألا يساورُنا الشكُّ و تُداخلُنا الرّيبة حول ما إذا كان الصّولي قد اِتّبع هذا المنهج في التّأليف فعلا قبل أن يعلن عنه العدولَ؟ و نحن إذ نتتبّع ما أورده من أخبار في الجزء1من الأوراق نرى أنّه يلتزم بادىء ذي بدء التّرتيب الهجائيّ، فقد أورد أخبارا لشعراء تبدأ أسماؤهم بحرف الألف و على رأسهم “أبان اللاّحقي إلاّ أنّه لا يلبث أن يخرق هذا التّرتيب إذ يورد في حدود الصّفحة53 أخبار “حمدان بن أبان” ثمّ يعود إلى حرف الألف مجدّدا ليورد في حدود الصّفحة 62 أخبار “أبان بن حمدان”. و هاهو محقّق الكتاب نفسه يطعن في اِلتزام الصّولي بهذا النّمط من التّرتيب. يقول:
“ذكر أنّه رتّب الشّعراء فيها على الحروف و الذّين أوّل أسمائهم ألف و لكنّه لم يفعل، فقد رتّب الشّعراء على حسب بيوتاتهم و أسرهم، فذكر بيت اللاّحقي و بيت أشجع السّلمي و بيت أحمد بن يوسف و القاسم بن صبيح”.
فنلمس بذلك أنّ اِستدراك الصّولي عن الخطّة التّي اِتبعها منذ البدء بخطّة ثانية اِستجابة لبعض الأجلاّء على حدّ قوله، إنّما هو منه تمويه و محض زيف، أليس لأنّ التّرتيب الأوّل الذّي عنه أعلن يتلاءم في الظّاهر و طبيعة الأخبارالتّاريخيّة التّوثيقيّة و يحقّق بالتّالي الموضوعيّة المطلوبة في هذا الصّنف من المؤلّفات، إلاّ أنّ هذه الخطّة تكبّل المؤلّف و تحدّ من فضاء حريّته فلا يجد حينها بدّا من اتّخاذها درعا واقيا و قناعا شفّافا يخفي مقاصده الذّاتيّة، فلا تعدو هذه الخطّة إذّاك إلاّ أن تكون خطّة صوريّة، أمّا الخطّة الفعليّة و التّي طُبِّقتْ بمنتهى الدّقة فهي الخطّة ذاتها التّي اِدّعى المؤلّف أنّه اِستعاض بها عن الأولى بتعلّة تلبية رغبة بعض أحد الأجلاّء. و ما هذه التعلّة في نهاية المطاف إلاّ تمويه على تمويه و إلاّ فما الدّاعي إلى التستّر عن هذا الذّي طلب إليه التخلّي عن خطّة التّأليف “المزعومة” لإبدالها بأخرى؟
فلعلّ الصّولي رام من خلال هذه الوقفة التّي أبان فيها عن خطّة التّأليف السّابقة و نظيرتها اللاّحقة أن ينتقل بالخطاب من حديث عن الآخر إلى حديث عن الأنا فما اِنسياقه وراء الاستطراد بتجاوز ذكر أخبار الشخصيّة ليأتيَ على ذكر أخبار سائر أفراد أسرتها بشكل يتسمّ بالإطناب أحيانا إلاّ رغبة منه في الإبانة عن قدرته على الحفظ و الإلمام بأخبار مختلف شعراء عصره.
و لئن تجلّت ذاتيّة الصّولي في برهة أولى من خلال هذا الملمح (الإعلان عن خطّة التّأليف)، فإنّها تنبجس كذلك من خلال ظاهرة تضخّم الإسناد حينا و ضموره أو غيابه أحيانا
فأنّى لنا أن نربط بين تضخّم الأسانيد من ناحية و حضور ذات الصّولي من ناحية ثانية؟
وسم الصّولي أسانيدهُ بميسم خاصّ ألا وهو التضخّم حدّ الورم بعبارة د. محمد القاضي. أي إنّ السّند أصبح يشاكل المتن أحيانا من حيث طوله إن لم نقل أنّه يتجاوزه في الغالب. فهو قصّة خارج القصّة أوهو منها كالإطار يمهّد لها و يتجاوزها في الآن ذاته. و لعلّ تدخّل الصّولي بشكل شبه مطّرد في الأسانيد يفسّر ما شابهُ من تضخّم. و هو تدخّل ألفيناه في غير موطن و على غير شاكلة؛ من ذلك مثلا الإطناب في التّعريف ببعض رواة سلسلة الإسناد أو التوسّع في مقام الرّواية. يقول الصّولي:
“حدّثني عون بن محمد الكنديّ كاتب حجر بن أحمد الحويمي بفارس، و ما رأيتُ قطّ شيخا أكمل منه من نظرائه و لا أسند و لا أصدق، رأى النّاس قديما فكان يروي الحرفين و الثّلاثة، و لو اِدّعى كلّ شيء جاز له، و كانت معه أصول أبيه بخطّ عون فلو أنكر أنّها أصوله لصدق. قال: حدّثنا اسحاق الموصليّ قال…”(ج3 أشعار أولاد الخلفاء ص32)
و لا يخفى ما وراء هذا التّعليق الذّي هو من الإسناد قول اِعتراضيّ أو فاصلة اِستطراديّة من عدول بالخطاب عن مساره الأصليّ الموضوعيّ إلى مسار آخر تحكمه ذات المؤلّف حتّى لكأنّنا بالموضوعيّ يستحيل لبنة منها ينطلق المؤلّف و عنها يحيد ليعانق الذّات و بها يلتحم. فليس وقوفه عند “عون الكنديّ” مثلا وقوفا عند راو ناقل للخبر بقدر ما هو وقوف على تخوم الذّات العارفة النّاقدة المبدعة. فهو اِستعراض لثقافة الصّولي تبدو بعض شذراتها جليّة من خلال إلمامه بسيرة رواته و أحوالهم و خبرته الواسعة بشتّى الرّوايات في عصره، و إلاّ فكيف تسنّى له أن يفاضل في المثال الذّي قدّمنا آنفا بين ذاك الرّاوي و سائر نظرائه؟ و من المفاضلة ذاتها بل من هذا الفاصل الذّي نشأ بين المؤلّف و النصّ المنقول ككلّ يلوح لنا وجه آخر من وجوه الصّولي النّاقد. أمّا الإبداع عنده فجليّ في تحويل المادّة الحدثيّة القوليّة التّي وردت على شفاه بعض الرّواة إلى نصّ مكتوب ينفث فيه من روحه غير قليل فيخرجه في لبوس متميّز من مونق اللّفظ و بليغ العبارة. فما التضخّم في الإسناد في الأخير إلاّ اٍنعكاس لتضخّم في دور الصّولي واضح. فقد خرق السّبل المسطورة تمرّدا على الكائن، و إن هذا الكائن إلاّ حدود وظيفته كإخباريّ لا يرقى في الغالب إلاّ أن يكون حلقة من الحلقات التّي تنُوقِلَ عبرها المتن و مجرّد وسيط بين مصدر الخبر و قارئه ليضطلع من ثمّة بوظيفة النّاقد المبدع. فنحن نقف إزاء شخص و القول للقاضي: “لا يقنع بأن يكون مجرّد ناقل يروي ما سمعه بل يريد أن يقنعنا بأنّه امرؤ عارف بملابسات النّصوص و أحوال الشخصيّات قادر على ربط ما تباعد منها.”(الخبر ص197)
هذا فيما يهمّ تجليّات ذات الصّولي من خلال تضخّم الإسناد. فما مدى تجلّي البعد السّيرذاتي في حال ضمور الإسناد أو غيابه؟
لئن أولى الصّولي في جلّ الأخبار عناية بالأسانيد فائقة فإنّه تساهل في البعض الآخر منها أو هو قد أغفلها تماما، و من ذلك قوله:
“”و لقد حدّثني بعض جيراننا…”(ج2 ص210) أو قوله: “حدّثني بعض أصحابنا” (ج3 ص115) أو قوله: “حدّثني بعض الخدم”. فما نلاحظه هو أنّ الصّولي لم يبدِ بالغ اِهتمام بناقل الخبر كدأبه في سائر الأخبار. فتراه ينقل الخبر عن غير الثّقات، فهم إمّا جيرانه أو أصحابه أو بعض الخدم. و لعلّ ذلك يُفسّرُ بمعاصرته لتلك الأحداث فهو بها عليم و منها قريب. هذا العلم و ذاك القربُ ما فتئ يتعمّق حتّى اِستحال إلى معايشة للأحداث و إسهام فيها. فسقط إذّاك الإسناد تماما و أصبح الصّولي يروي الخبر بضمير الأنا مباشرة دون الحاجة إلى وسائط. و من ذلك قوله: “قال لي الرّاضي بالله يوما..”(ج2 ص85 ) أو قوله: “و كنت يوما بحضرة أبي ذكوان..”(ج1 ص28)
و صفوة القول أنّ الصّولي بين حضور الإسناد تارة و غيابه طورا آخر -تحرّكه في كلتا الحالتين رغبة في تأكيد البعد السّيرذاتيّ في الأوراق- تبطن مماهاة من صنو ثان هي مماهاة بين المشافهة و الكتابة، اثنان يصطرعان يحاول كلّ منهما أن ينفي الآخر و أن يسحب من تحته البساط بحسب مقصد المؤلّف، و آية ذلك التّنازع بين الاثنين، تمزّق الصّولي طيلة الكتاب بين سجلّين؛ سجّل يشدّنا إلى المشافهة حينا كقوله: “حدّثني/ أخبرني/ حكى/ زعم/ سمعتُ…” و سجلّ يشدّنا إلى المكتوب حينا آخر كقوله: “وجدتُ بخطّ إبراهيم بن شاهين”(ج3 ص53 ) أو “وجدت في كتاب أبي الفضل”.(ج3 ص63)
و إذا قمنا بعمليّة اِحصائيّة لما ورد في كتاب الأوراق، فإنّا نجد مثلا أنّ الجزء1 من الأوراق يحتوي على 54 خبرا رُوِيت مشافهة مقابل 7 أخبار مكتوبة. أمّا في الجزء 3 فلا تتعدّى نسبة المكتوب خبرين مقابل 18 خبرا رُوِيتْ مشافهة. إنّ هذه المراوحة بين قطبيْ المشافهة و التّدوين، إن هي إلاّ انعكاس لتردّد الصّولي بين غايتين؛ فتارة نراه يحوّل مسار الكتابيّ مسارا شفويّا هدف إثبات قوّة الحافظة و سعة الاطّلاع على مختلف علوم عصره. و لا أدلّ على ذلك من قوله: “أنشدنا المبرّد يوما أبياتا و لم يسمّ شاعرها و قال لا أعرف في وصف أصحاب المعارف أحسن منها فكتبوها و لم أكتبها. فقال لي: لم لا تكتبها؟ فقلتُ: أنا أحفظ القصيدة. فقال: لمن هي؟ فقلتُ لأشجّع السّلمي..”(ج1 ص84)
و نراه تارة أخرى ينحو بالشّفوي من مجال الرّواية و النّقل إلى مجال التّأليف و الإنشاء، و هو ما يفسّر غياب الأسانيد في أغلب الأخبار و طمس مصدر الرّواية في أخبار أخرى. و الصّولي لا يجد حرجا في ذلك، بل هو يحتفي به و كأنّه يوقّع بذلك و القول للقاضي: “على موت المشافهة و النّقل و علوّ كعب التّأليف الذّي أصبح الخبر يولد فيه مكتوبا.” فالصّولي بين أخذ و ردّ يطوّع المكتوب للشفويّ، و يحوّل الشفويّ مكتوبا. هذا و يتأكّد البعد السّيرذاتي في مجال الأدب و الرّواية من خلال اِهتمام الصّولي بضبط بعض الحيثيّات المتعلّقة بمقام رواية الأخبار فيذكر مناسبة إيراد ذاك الخبر و دواعيه. و من ذلك قوله: “و كنت يوما بحضرة أبي ذكوان فسعل ثمّ قذف ثمّ تشكّى من مفاصله فجعلنا ندعو له. فقال:…”(ج1 ص28). أو قوله: “قال لي الرّاضي بالله يوما و قد وقف على نهر و كان يحفظ أكثر شعري” (ج2 ص85)، بل إنّ الأمر يصل بالصّولي أحيانا إلى تحديد بعض الحيثيّات المتصّلة بمقام السّماع بغية وضع القارئ في إطار للتقبّل ملائم حتّى يتفاعل و الخبر. و مثال ذلك قوله:
أنشدنا المبرّد يوما أبياتا و لم يسمّ شاعرها و قال:…”(ج2 ص48)
ثمّ إنّ ذات الصّولي كانت كالمدّ بطوافها بين الأخبار يصعد حينا و يهجع أحيانا، يحاول بين الظّهور و الضّمور أن يبثّ القارئ هواجسه و كوامن نفسه فيعرب عن دواعي اختياره لذاك الشّاعر أو لتلك القصيدة دون سواها و غالبا ما تكون تلك الدّواعي ملتبسة في ذهنه غير واضحة. يقول في الجزء 1 بعد أن أورد قصيدة مزدوجة لابن آبان:
“و الله ما أدري ما اِخترتُ و لا ما تركتُ و لو حقيقة هذه القصيدة ما ضمنتُ ما تضمّنتْ لأنّها قصص لا يحسن بعضها إلاّ ببعض و الإحسان فيها قليل.” (ج1 ص50)
و يقول في خاتمة أخبار الجزء1:
“”قد جئتُ بأكثر أشعار هؤلاء إذ كانوا شعراء ظرافا كتّابا لا يعرفهم النّاس و من عرفهم لا يعرف أخبارهم و لا أشعارهم.” (ج1ص255))
إلاّ أنّ الصّولي و إن ردّ في خاتمة الجزء1 اِختياره أولئك الشّعراء دون غيرهم إلى إجادتهم فنّ القول و إتقانهم صنعة الكتابة من ناحية و غبن سائر الأنام إن هم لم يطّلعوا على أشعارهم فيمتّعوا آذانهم بما راق منها و حسن من ناحية ثانية، فإنّه في الواقع يموّه القارئ عن الخلفيّة التّي تحرّكه و تكمن وراء ذاك الاختيار و هي في رأينا كونه حداثويّا يُعرض عن أشعار القدماء مهما بلغت قيمتها الفنيّة و الأدبيّة، فلا يورد أيّا منها و في المقابل نراه منكبّا على شعر المحدثين يورد منه الشّيء الكثير. فالمقياس الذّي وجّه الصّولي في مشروع تأليفه لهذا الجزء من “الأوراق” ليس مقياسا أساسه بلاغة القول و جودته، بقدر ما هو مقياس ذاتيّ ينطلق من موقف المؤلّف و ميله إلى الشّعر الحديث أكثر من غيره. و ينفلت الصّولي أحيانا من ربقة الحديث عن أشعار الآخر إلى الحديث عن أشعاره الخاصّة، فيكون إذّاك المتنفّس و السّبيل إلى تضخيم الذّات و السموّ بها عن غيرها من الشّعراء. و هل أدلّ على هذا التّضخيم و ذاك السموّ من حفظ الخلفاء لأكثر شعره، و اِعترافهم بأنّه تميّز من شعر القدماء و المحدثين من حيث إنّه أتى ما لم يستطيعوا إثباته في وصف النّهر مثلا:
“قال لي الرّاضي بالله يوما و قد وقف على نهر، و كان يحفظ أكثر شعري لا أعرف في صفة نهر لقديم و لا محدث إلاّ كلمات ابن الرّومي و أبياتك ثمّ أنشدها وهي لي من قصيدة نحو مائة بيت وصفت فيها الرّياحين و الرّوضة.”(ج2 ص85)
و يصل الاحتفاء بالذّات عند الصّولي حدّ التّيه و الصّلف أحيانا، ففي بعض المواطن من كتاب “الأوراق” نراه يثني على ذاته بذاته بأسلوب قطعيّ لا يحتمل الشكّ أو المهادنة، فيتوسّل بالقسم ليبرز تميّز شعره المدحي من شعر غيره. يقول:
“”و كنتُ أنا بواسطَ فقال لي:(يعني الوزير) أعملتَ شيئا في أمرنا هذا؟ فأنشدته شعرا و الله ما مدح أحدٌ منهم قطّ بمثله فيه”. (ج2 ص220″)
هكذا إذن نكون قد وقفنا على بعض الملامح التّي تؤكّد حضور البعد السّيرذاتي في الأوراق في مجال الأدب و الرّواية. فماهي تجلّيات هذا البعد في مجال الحياة السّياسيّة؟
إذا أنعمنا النّظر في الجزء2 من الأوراق، و قد خصّص في الظّاهر لإيراد أخبار بعض الخلفاء كالرّاضي بالله و المتّقي بالله، فإنّا نرى أنّ الصّولي لم يقتصر على سرد الوقائع التّاريخيّة التّي تعاورت على الخلافة العباسيّة في فترة حكم كلّ واحد من الخلفاء المذكورين. و هي وقائع توخّى فيها ترتيبا زمنيّا يبدو محكما، إذ اِنطلق في تدوين الأحداث من سنة 322 إلى حدود 333. هذا التّرتيب المحدّد بالسّنوات يوهم بأنّ المؤلّف سيؤرّخ لفترة حكم بعينها، فيذكر أهمّ ما ميّزها و بعض ما ساءها.
غير أنّ ذات الصّولي “النّرجسيّة” ما كانت لترضى بتفرّد الآخر بمدار الحكي و اِستحواذه على اِهتمام القارئ، فأبت إلاّ أن تفتكّ من الآخر المشعل لتغدو بدورها عنصر اِستقطاب فهي تجعل الذّات بالخلفاء سَميّةً تؤرّخ لها من حيث أنّها تؤرّخ لهم. و هي في ذلك لا تني تبحث عن سند و دعامة بها تبرّر هذا التّماهي في التّأريخ، تأريخ للآخر من ناحية و تأريخ للذّات من ناحية أخرى. و لعلّها تردّ ذلك إلى ما كان لها من دور في مسار الحياة السّياسيّة للخلفاء متميّز. و أبرز مثال على ذلك علاقة الصّولي بالرّاضي. و هي علاقة اِنطلقت سردا من حاضر الشخصيّة أي منذ أن اِستلم الأمير أبو العبّاس مقاليد السّلطة و قبل أن يُسمّى الرّاضي بالله”. و هنا يبرز الصّولي فضله في اِختيار هذا الاسم للأمير. يقول:
“و كنتُ في هذا اليوم قد أخذتُ دواء لحاجة إليه و شيء وجدته و علم بذلك الأمير بن العبّاس قبل أن يتسمّى بالرّاضي بالله، فجاءني رسوله يأمرني أن أوجّه إليه بالأسماء التّي يُنعتُ بها الخلفاء، فوجّهتُ إليه برقعة فيها ثلاثون اسما ليختار منها ما يريد.”(ج2ص4)
ثمّ نلمح وجها آخر من وجوه العلاقة بين الصّولي و الرّاضي بالله عبر ومضة ورائيّة و فاصلة اِستطراديّة تعود بنا إلى الماضي أيّام كان الأمير حدثًا لا يفقه على فطنته من أمور الأدب و الشّعر و اللّغة إلاّ النّزر القليل، فيشيد الصّولي بدوره في الأخذ بيد الأمير و أخيه هارون و تلقينهما شتّى العلوم و صنوف الحديث على شيوخ عصره. يقول:
“دخلتُ إليهما فرأيتهما ذكيّين فطنين عاقلين إلاّ أنّهما خاليان من العلوم…فحبّبتُ العلم إليهما و اْشتريتُ لهما من كتب الفقه و الشّعر و اللّغة و الأخبار قطعة حسنة و جئتهما بأعلى من بقي من الزّمان إسنادا”. (ج2 ص25))
بل إنّ الصّولي يذهب إلى أكثر من ذلك فيعمد إلى تحويل العلاقة بين رجل السّياسة ممثّلا في الرّاضي و رجل الفكر و الأدب و هو ممثّله إلى علاقة تبعيّةٍ؛ التّابع فيها هو السّياسي مُعيدا بذلك الاعتبار إلى دور المفكّر الأديب في توجيه حياة السّياسي و جعله مالكا لزمام الأمور. يقول الصّولي في الجزء2 من الأوراق: “حدّثه يوما مُضحكُ “الرّاضي” كان يدخل إليه أنّه حضر مجلسا غنّى فيه بهذا الشّعر (شعرا قاله الرّاضي في الغزل معارضا به الصّولي) فقال: “هو هذا لسيّدنا الأمير. فقال له: عرّفني هذا الكاتب فظنّ أنّه يريد سوءا به. فقال لعلّك توّهمتَ أنّي غضبتُ من قوله..لا و الله و لكنّي اِستحسنتُ علمه بالشّعر لأنّ الصّولي علّمني الشّعر و أنا أتبع ألفاظه و أنحو مذهبه.” (ج2 ص46)
فالعلاقة بين الصّولي و الرّاضي علاقة تناغم و تكامل لا علاقة تنافر و اِنفصال، فالأوّل يطلب الثّاني و الثّاني يطلب الأوّل حتّى يكتمل النّصاب. لذلك نرى أنّ الرّاضي ما كان يقدم على أمر إلاّ و عاد إلى الصّولي ليسمع منه و يأخذ بمشورته. و مثال ذلك أنّ الرّاضي كاشف الصّولي برغبة في السّيطرة على الموصل لافتكاك ضياع آل حمدان و تمكين “بجكم” و أصحابه منها فلم يبدِ الصّولي تحمّسا لتلك الفكرة بل رفضها لأسباب ذكرها في قوله:
“فقلتُ له إنّ هذه النّاحية إنّما عَمُرَتْ بعناية آل حمدان بها و نزولهم فيها و لو صارت إلى غيرهم لعادتْ خرابا كما عادتْ فارس بعد عمر بن اللّيث”(ج2 ص131 ) فعدل الرّاضي بذلك عمّا كان عليه عاقدا العزم. فكأنّنا بالصّولي و هو يسعى جهده إلى رسم أوجه العلاقات بينه و صاحب السّلطة يتّخذ التّاريخ مطيّةً ليؤرّخ لذاته إعلاء من شأنها و تضخيما لصورتها. و لعلّ هذا ما يفسّر توخّيه منطق التّداعي بكسر خطيّة الزّمن في سرد الأخبار بحيث ينطلق من الحاضر ثمّ يقوم بلفتة إلى الماضي تليها أوبة إلى الحاضر مجدّدا، و بين هذه اللّفتة و تلك العودة تجد الذّاتُ لها فضاء فسيحا يسع تأمّلاتها و أفكارها. فماهي تجليّات البعد السّيرذاتي في مجال الحياة الاج من خلال الأوراق؟
إنّ أبرز ميزة يختصّ بها الصّولي في الأوراق هو هذا التحوّل في مسار الخطاب المباغت من الحديث عن الغير إلى الحديث عن الذّات أو من اِيراد حوادث عامّة إلى إيراد حوادث خاصّة. هذا التحوّل غالبا ما يأتي غير مبرّر كما سبق أن رأيناه في بعض المواطن، إذ هو لا يعدو أن يكون من باب الاستطراد هدف إقحام الذّات في الملفوظ و لو عنوة، و قد يجد له في أحايين كثيرة ما يسنده كأن يطوّع حادثة عامّة ليعبّر من خلالها عن حادثة خاصّة هي للأولى اِمتداد و عنها اِنعكاس يطال حياة المؤلّف الاجتماعيّة و النّفسيّة في آن. فبعد أن أورد الصّولي خبرا عن ابن رايق، يقول ليخبر عمّا وقع له وقت اِنحدار البريديّين:
“فأمّا خبري أنا في آخر شهر رمضان وقت اِنحدار البريدييّن من النّجمي فإنّ الدّيالم في يوم الاثنين صاروا إلى دار ابن التّرجمان و هي ملاصقتي بقصر عيسى فنهبوها و صعدوا سطوحها فوجدوها كالمتّصلة بسطوحي، فنزلوا على من فوق سطوحي..و خرج حرمنا هاربات و لم يتركوا لي شيئا من ذخائر و غيرها إلاّ أتوا عليها…فوالله ما اِكتسيتُ و لا عيالي إلى وقتنا هذا.” (ج2 ص210)
هي مظلمة اجتماعيّة حلّت بالمؤلّف من حيث لا يدري و دون أن يأتي جريرة بها يُأخذُ فصارت حياته إلى التّآكل و التوجّس بعد سكون و اِطمئنان، و إلى رقّة الحال و شظف العيش بعد رفاه و بذخ.
هي صورة للصّولي لم نعهدها في سائر أخباره؛ فشتّان بين الصّولي الأديب الممتلئ عزما و حزما و ثقة بالنّفس لا تتزعزع و بين الصّولي البائس المنكوب “يتقوّتُ و عياله أثمان دفاتره.” عل حدّ قوله دون أن ينبس ببنت شفة. فكأنّنا بالصّولي يريد اِستدرار شفقة القارئ بعد أن حاز إعجابه في غير هذا الموطن. و هذا فرق ما بين الوقائع العامّة و الوقائع الخاصّة. فالوقائع العامّة لا تنحو بالخطاب نحو التّأثير و التّشويق، لذلك لا نرى بين أعوان السّرد ممثّلة في المؤلّف و الرّاوي و الشّخصيّة أيّ توافق أو اِتّصال، في حين أنّها تبلغ حدّ التّطابق في الوقائع الخاصّة شأن هذا الخبر. فالصّولي الكاتب هو ذاته الشخصيّة و الرّاوي الرّائي يصاحب سائر الشخصيّات في ما تراه و تعلمه، فهو معها في تواطئ مستمرّ. و من أمثلة ذلك قوله:
“و لقد حدّثني بعض جيراننا أنّه رآهم يتجاذبون على بعض الثّياب حتّى تُخرَقَ فيأخذ كلّ واحد قطعة منها.” (ج2 ص210)
هكذا إذن نكون قد وقفناعلى بعض الملامح التّي تؤكّد حضور البعد السّيرذاتي في “الأوراق” على الصّعيد الأدبي و السّياسي و الاجتماعي. فماهي وظائف هذا البعد السّيرذاتي؟
إنّ حضور البعد السّيرذاتي في “الأوراق” يسم النصّ بطابع خاصّ، إذ يكسر ما يُسمّى بأحاديّة القراءة، فنكفّ عن النّظر إلى الأوراق كنصّ يروي السّيرة الذاتيّة بشكل تطغى عليه الصّرامة و الدّقة التّاريخيّة لينفتح النصّ إذّاك على قراءة أخرى. هذه القراءة من بين ما يجلوها تلك الوظائف التّي إليها نهضت الملامح السّيرذاتية التّي رأيناها مبثوثة بين طيّات الأخبار. و لعلّ من أبرز تلك الوظائف ركوب الكاتب التّاريخ مطيّة للوصول إلى الأدب. فما اِنفلاته بين الفينة و الأخرى من الخطاب العامّ إلى الخطاب الخاصّ إلاّ رغبة منه في اِستدعاء الأدب و الولوج إلى حضيرته و لو “قسر إرادة النصّ الأمّ”
فالأدب من التّاريخ عنده كالنصّ المضمّن داخل نصّ إطار، بل إنّ التّاريخ لا يعدو أن يكون مجرّد مهاد يتنزّل فيه الأدب على حدّ عبارة القاضي. و الأمثلة على اِنتقال الصّولي من الحديث عن الغير إلى الحديث عن الأنا كثيرة في كتاب الأوراق. ففي الجزء2 منه كان يتحدّث عن حبس الرّاضي جعفر بن المكتفي، ثمّ ما لبث أن أقحم نفسه في الخطاب، فحوّل مجرى الحديث من حديث عامّ إلى حديث هو طرف مباشر فيه. يقول: “و أحضر الرّاضي جعفر بن المكتفي فحبسه لشيء بلغه عنده ثمّ أخرجه إلينا مرّات نسائله و أرسلت إليّ والدته تسألني الكلام عنه.”(ج2 ص96)
هذا التّنازع بين الأدبي ّ و التاريخيّ المحتدمُ، ينهض من جهته إلى الكشف عن وظيفة ثانية للبعد السّيرذاتي؛ إنّها وظيفة الانتصار للذّات أو الثّأر لها ممّن جار عليها يوما و بخسها حقّها، سلاحها الوحيد في ذلك إن هو إلاّ الأدب به تقارع الرّزايا و إيّاه تشهر في وجوه أعدائها و مغرضيها، فيكون إذّاك الظّفر المبين، و هل أدلّ على ما لحق بالصّولي من أذى و هوانٍ من موقف جدّة الرّاضي و هارون حين أرسلتْ إليه خطابا تأمره بالانصراف عن تلقين حفيديها العلوم بتعلّة أنّ اِبنها المقتدر قد ساس الرعيّة على خير وجه، دون أن يكون عالما و لا عارفا بالأدب و شؤونه: “فقل له عنّي يا هذا ما نريد أن يكون أولادنا أدباء و لا علماء، و هذا أبوهم قد رأينا كلّ ما نحبّ فيه و ليس بعالم.” (ج2 ص26 )
بل إنّ هذا الموقف يتّخذ بعدا دراميّا مأسويّا حين تسبق دموع الحاجب قوله لما بلغه من أمر الصّولي:
“فأتيتُ نصرَ الحاجبَ فأخبرته بذلك فبكى. و قال: كيف نُفلِح مع قوم هذه نيّاتهم؟ فقلت: و الله ما أعود إليهما بعد هذا فقال: و لا لك الحظّ في ذلك.” (ج2 ص26)
فهذه الحادثة كان لها و لا ريب أثرٌ عميقٌ في نفس الكاتب يبرز من خلال وعيه بدور الكتابة في تحقيق ثأره. فالكتابة بالنّسبة إليه متنفّس من خلالها يبثّ لواعجه و عبرها يطلق العنان لآماله و آلامه. و آية ذلك قوله:
“و لولا خوفي من إطالة الكتاب بما لا يحتاج النّاسُ إليه و لا يبالون بعلمه لذكرتُ ما أتفرّحُ به فإنّي كالمصدور يستريح إلى النّفث و كالإناء ينضح بما فيه”..
و إلى وظيفة القصاص و اِتّخاذ التّاريخ مطيّة للأدب ينهض البعد السّيرذاتي إلى وظيفة الشّهادة، لا الشّهادة على عصر من خلال وقائع تاريخيّة رسميّة، و إنّما هي شهادة على وقائع لا تمتّ للتّاريخ الرّسمي بصلة بقدر ما تتصّل بذاته هو بصفة خاصّة. من ذلك مثلا إشارته إلى عدم تشبّع الرّاضي قبل أن يتولّى الخلافة بما يلزم من العلوم ليبرز دوره في الأخذ بيده و جعله يرتقي شيئا فشيئا إلى مصاف الأدباء. يقول مشيرا إلى الرّاضي و أخيه هارون:
“رأيتهما ذكيّين إلاّ أنّهما خاليان من العلوم فحبّبتُ العلمَ إليهما و اِشتريت لهما من كتب الفقه و الشّعر و اللّغة و جئتهما بأعلى من بقي من الزّمان إسنادا.” (ج1 ص25)
نستشفّ ممّا تقدّم أنّ الأوراق أثر مخاتل يتّسم بالتردّد و اللّبس فلا هو من جهة منتمٍ إلى جنس الخبر –إن جاز أن نعتبر الخبر جنسا أدبيّا- نسلّم بذلك فتطمئنّ نفوسنا، و لا هو من جهة أخرى منتمٍ إلى جنس السّيرة الذّاتيّة مستوفٍ لشروطها. هو تردّد قلق بين هذا و ذاك، يوهمنا تارة بأنّه خطاب للآخر و على الآخر من خلال اِعتماده في التّأريخ لسيرة مختلف الأعلام التّرتيب الزّمني المحدّد بالسّنوات، إلاّ أنّ هذا الإيهام ما يلبث أن يتبدّد حين نصطدم بذات المؤلّف تطوف بين مختلف الأخبار فتُكسرُ تبعا لذلك خطيّة الزّمن و تكثر الفواصل الاستطراديّة و تحتكم الكتابة إلى منطق التّداعي. فكأنّنا بالصّولي يروم التّأريخَ للذّات من حيث يدّعي التّأريخ للآخر أو أنّه يؤرّخ للآخر من حيث أنّه يؤرّخ للذّات. فلا مناص حينها من أن نقرأ التّاريخ في ضوء البعد الذّاتي. فلعلّه نحو في كتابة الأخبار جديد أراد الصّولي إرساءه.
—————–
المراجع:
القاضي(محمد): الخبر في الأدب العربي. منشورات كليّة الآداب منّوبة.
مبخوت(شكري): سيرة الغائب سيرة الآتي.
جورج ماي: السّيرة الذّاتيّة تعريب القاضي و عبد الله صولة. بيت الحكمة/ قرطاج