الثمرة اليتيمة
سبعة وعشرون عاماً، أربعة روايات لم تنشر. هو عمره الحقيقى عند وفاته. أول رواية كتبها. كانت “إبداع البرتقال”, والثانية “ميراث الأرواح” والثالثة “تناسخ الأفكار”… كانت رائعته الأخيرة “رغبة التفاح”.
دفن وحيداً فى مدفن جديد لأسرته. بجواره شجرة برتقال جافة يابسة. لم تثمر من قبل…
في العام التالي. أثمرت الشجرة. ثمرة واحدة يتيمة… نظراً ليتمها وظروف إثمارها. لم يتجرأ أحد على قطفها… إلا أخيه الأصغر. وهو فى الثالثة عشرة من عمره. تناولها في غفلة من الوعي والأهل, استطعمها. كانت برتقالة تفاحية المذاق… كاد أن يفقد عقله… فقد سرت لذتها فى كيانه وأوصاله, أثارت لديه كافة شعيرات الإحساس. كأنها برتقالة النعيم. ولأنها وحيدة ويتيمة. متفردة بذاتها ومذاقها. لهذا السبب بالذات. حزن حزناً مريراً. لأنه لم يستغرق أكثر من خمسة دقائق فى التهامها, كان يتمنى أن يستغرق فى أكلها طوال حياته. حتى لا تنته لذتها أبداً. فقد سحرته البرتقالة التفاحية لشجرة المدافن, فى الأسابيع التالية لهذه الحادثة – حادثة أكل الثمرة اليتيمة – انتابته بعض التغيرات. كاد وجهه يطابق وجه أخيه صاحب الروايات. التى لم تنشر، اكتسبت بشرته اللون الأحمر البرتقالي, بدأت علامات البلوغ فى الظهور, نبتت أهداب لحيته، ازدادت عزلته ووحدته فى أحلام يقظة تأملية. منذ أكل هذه الثمرة الفردوسية. وهو يشعر بتفتق فى خلايا ذهنه. كأنه ميلاد لشيء جديد. أو إبتعاث لشيء ما بداخله. يشعره بأن روح أخيه الأكبر تتلبسه…
أنتظر عاماً. حتى أثمرت الشجرة بأخرى. يتيمة أيضاً. راقبها يوماً بعد يوم. أكتمل نضج الثمرة. قطفها بطقوس أسطوريه نابعة من تجاويف ودهاليز عقله وقلبه وروحه. عاد لمنزله, أغلق باب غرفته, جلس يتأملها. مسحوراً بها, منجذباً للذة التي تنتظره. كانت أكثر نضجاً من أختها الكبرى, أضيف إليها طعم الإنتظار والشوق إليها… أستمتع بمذاقها. شرد فى غياهب الإحساس. أمسك بقلم ليكتب حكايته. منتشياً بسعادة الخلود, التى حصل عليها من ثمرة الخلد العدنية. وصف حكايته وصفاً دقيقاً أنيقاً بديعاً، كان وصفه لها. سرداً حقيقياً بمعنى الكلمة. كانت كلماته قوية حالمة كأنها سرداً مقدساً. تعمق من خلاله فى أنحاء وحنايا النفس البشرية، اكتملت عملية السرد والغوص فى أعماق بحور الشعور واللاشعور، شذبها بسيف الكلمات تشذيباً خلاقاً. انتهت روايته بدقة التعبير ورهافة المعنى ونقاء الصورة. لدرجه لا يمكن تخيلها. إلا بأنها رواية من قمم الأدب العالمى الرفيع، لروعة الوصف ودقته. يشعر القارئ برائحة البرتقال والتفاح. تزغزغ كيانه، تداعب بصيلات شعيرات أعصابه بمذاقهما. وأطلق عليها.. ( الأرض تحيا بجثث الموتى )
انتهت ،،
الكاتب القاص/عصام سعد حامد ــــــــــــــــ مصر ـ أسيوط ـ ديروط