منذ تولي فلاديمير بوتين رئاسة روسيا الإتحادية بعد الإنتخابات الرئاسية في 26 مارس 2000 وهو يعمل على تحويل روسيا من دولة مهددة في كيانها و من الدرجة الثانية في العالم بحسب تعبير بوتين نفسه فدأب على أن تكون قوة عظمى و كان قد عبر عنها في رسالة في أواخر عام 1999 و حملت عنوان ” روسيا على العتبة الألفية الجديدة” و عرفها المتخصصون في الشؤون الروسية ب” رسالة الألفية’: و عبر فيها عن رؤيته للعالم بوضوح تام.
جاء التدخل في جورجيا في عام 2008 كخطوة أولى لترجمة هذه الفكرة في سياق رؤية رسالة الألفية للتحول إلى دولة عظمى ثم جاء التدخل في سنة 2014 بضم شبه جزيرة القرم و بعدها دعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا و قد حذرت موسكو مرارا و تكرارا حلف شمال الأطلسي ” الناتو” و الإتحاد الأوروبي في بروكسال من مغبة توسيع نفوذهما في العمق الاستراتيجي لروسيا و تحديدا في أوكرانيا و جورجيا و مولدوفا .
و في إطار ” الفكرة الروسية” دائما تمددت روسيا و تدخلت عسكريا في سورية سنة 2015 في نفس الخطة الاستراتيجية التوسعية ليطل على البحر الأبيض المتوسط و ربط القاعدة الجديدة في طرطوس و بين سباستويل مقر قيادة الأسطول البحري الروسي و هكذا تعود روسيا إلى الشرق الأوسط عبر البوابة السورية
بعد أن مرت هذه الخطوات و التمدد بسلام و دون موقف حاسم من الطرف الأمريكي رأى بوتين أن يستبق الأمور فطلب تعهدات و ضمانات أمنية من الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد الأوروبي فلم يجد الرد حينها أيقن أن الأمر مبيت له .
بعد أن اعترفت روسيا بالجمهوريتين الإنفصاليتين ” دونيتسك” و ” لوغانسك” في 21 فيفري 2022 .
بعدها حشد الجيوش على الحدود الاكرانية و لكن الغرب لم يقدر الأمر و اعتبره سوى تهديدا ووعيدا فقط عندها دخلت روسيا في حرب فعلية و اقتحم الجيش الروسي في عمليات خاصة داخل أوكرانيا و كان الهدف هو اجتثاث ما سماهم بالنازييون الجدد و جعل أوكرانيا منزوعة السلاح و تكون حكومة صديقة لروسيا و هذا ضمن الأولويات الاستراتيجية للأمن القومي الروسي التي ترفض النشاط العسكري لحلف الناتو و تمدده باتجاه حدودها و تجميد توسيع البنى التحتية للحلف مثل منظومات السلاح و القواعد العسكرية في أراضي الجمهوريات السوفياتية السابقة المحاذية لروسيا ووقف تزويد أوكرانيا بالمعدات العسكرية المتطورة ووقف نصب الصواريخ المتوسطة المدى في أوروبا و لكن الولايات المتحدة الأمريكية و معه حلف الناتو رفضوا هذه المطالب و تعلن الولايات المتحدة جيدا أن هذا المنحى سوف يجعل النظام العالمي على المحك و لكنها لا يهمها سوى مصالحها و حسب الدراسات فإن الخاسر الأكبر هو الأتحاد الأوروبي .
أما التداعيات لهذه الحرب سوف أكون كارثية على الاقتصاد العالمي وهو منهم أصلا من ”الكوفيد” و تداعياته و خاصة الشعوب الفقيرة .
إن هذه الحرب ستشكل نظام عالمي جديد و تتغير فيه قواعد السياسة للدول و ستلعب فيه المصالح الأقتصادية الدور الأكبر و ستسعى الدول إلى تحصيل القوت و الامن و ستكون كلفة الإنتاج عالية و تدخل المديونية العالمية إلى مدخل معقد .
سيهتز العالم على جميع الأصعدة من ناحية الطاقة و امداداتها و تكلفتها الباهظة و انعكاساتها على الإنتاج و ميزانيات الدول الفقيرة و المرهونة أصلا لصندوق النقد الدولي ، و ستتغير قوانين اللعبة و على الدول العربية أن تكون واعية بهذا و عليهم تدارس الاستراتيجيات لمستقبل ينبىء بتغييرات جذرية في العلاقات الدولية و المصالح الأقتصادية.
كذلك سيكون لهذه الحرب تداعيات أمنية في جميع مناطق العالم و تغيرات على البنية الاجتماعية و الهجرة و الفقر و المجاعة و الامراض و التعليم إن هذا النظام العالمي الجديد سيجعل سياقات جديدة من حيث العلاقات الدولية و الحرب السيبرنية العالمية و هذه التكنولوجيات المتطورة ستجعل من يملكها هو من يسيطر على العالم و هذا الجيل الخامس سيجعل العالم يسير بأعلى سرعة جنونية.
على العالم أن يستنهض الإنسانية و يبني جسور الحوار و الاخاء بدل الحروب و إخماد نار الفتنة ” فالفتنة أشد من القتل”
فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون