ط
كتاب همسة

الخاطرة في إشكالية القبول و الرفض بقلم الكاتبة / حكيمة جمانة من الجزائر

أعرض وجهة نظري في الموضوع ، ليس إيمانا مني بهذا النوع الأدبي و المتواجد بسلمية بين
الأجناس الأدبية الأخرى، و لا دفاعا عنه، وإنّما أتناوله لأنه موجود و له محبوه و يستقطب شريحة
من الكتّاب شئنا أم أبينا ؛ هذه هي الحقيقة.
الخاطرة من الناحية اللغوية هي مؤنث كلمة الخاطر و الذي يعني النفس أو القلب، نقول اضطرب خاطره
لما سمع من أنباء.. مرّ بالخاطر أي جال بالنفس و القلب عن طيب خاطر أي براحة بال ..
هو سريع الخاطر أي سريع البديهة و أيضا هو ما يقرّ بالذهن من الأمور و الأراء ..والخاطر هو الهاجس.
و يقال خطر ببالي و على بالي كذا و كذا و يخطر خُطورا إذا وقع ذلك في بالك و وهمك..
اصطلاحا هي نوع أو شكل من أشكال النثر الأدبي يتسم بالبلاغة الإنشائية و اعتماد المحسنات البديعية
و الصور البيانية ، تتناول فكرة تجول بخاطر الكاتب ، و تعبر عن حالة شعورية بأسلوب أدبي بليغ..
تتفاوت من حيث الحجم منها الخاطرة القصيرة و المتوسطة و الطويلة ؛ وهذه الأخيرة نجدها أكثر عند
كتاب العصر الحديث.
تخضع لتصميم يقوم على مقدمة مشوقة ، و عرض و خاتمة.. و تتنوع حسب موضوعاتها و إتجاه
كاتبها نجد منها الخاطرة الوجدانية و الإنسانية و الرومانسية..
هذا الجنس الأدبي ليس طفرة أدبية بل هو إمتداد لما كان يسمى بالمقال الأدبي في العصر الحديث الذي
ارتبط بظهور الصحافة آنذاك..المقال الأدبي لا يعني أنه يطرح قضية معرفية علمية تتعلق بالأدب لأن
هذا النوع هو شكل من أشكال الأدب الإنشائي ، امّا المقال النقدي هو من الأدب الوصفي يتناول الإنشائي
تاريخا و تحليلا و دراسة.
ذكر سيد قطب في كتابه النقد الأدبي أصوله و مناهجه : ” هناك نوعان من العمل الأدبي يطلق عليهما
لفظ المقالة و هما يتشابهان في الظاهر و يختلفان في الحقيقة ، فأحدهما انفعالية و هي الخاطرة
و الأخرى تقريرية و هي المقالة، و تختلف الخاطرة عن المقالة من حيث الحجج ، بأن الخاطرة مختصرة
جدا و عباراتها مركزة “
فن المقال الأدبي كان له رواده في العصر الحديث وأبدعوا فيه حقيقة و أغلب هذه المقالات الأدبية نشرها
أصحابها على صفحات الجرائد ثم جمعوها في كتب و و ضعوا لها عناوين أذكر من بينها
فيض الخاطر لأحمد أمين .. السحاب الأحمر للرافعي .. باحثة البادية و بين المدّ و الجزر لمي زيادة
و غيرهم كثير من كتاب العصر الحديث
هذه المقالات نجد فيها الجانب الوجداني و الإنساني وجماليات الأسلوب و عمق الأفكار، و كان كتابها
يتمتعون بمقدرة أدبية و ذكاء في الطرح .. ذكر الدكتور عزالدين اسماعيل في كتابه الأدب و فنونه في
سياق الحديث عن الخاطرة : ” و هذا النوع الأدبي يحتاج فيه الكاتب إلى الذكاء و قوة الملاحظة و يقظة
الوجدان”
كما أن بعض الكتاب الغربيين كتبوا في هذا النوع الأدبي .. كتب شكسبير ( الدنيا مسرح كبير، وكل الرجال
و النساء ما هم إلا ممثلون على هذا المسرح ،هناك ثمة وقت في حياة الإنسان إذا انتفع به نال فوزا
و مجدا .. و إذا لم ينتهز الفرصة أصبحت حياته عديمة الفائدة و بائسة “
من أدبائنا المعاصرين الشاعر نزار قباني كتب : ” الحبّ ليس رواية شرقية بختامها يتزوج الأبطال لكنه
الإبحار دون سفينة، و شعورنا أنّ الوصول محال “
ومن الكتاب من لهم إصدارات في الخاطرة أذكر على سبيل المثال حديث الصباح للكاتب الفلسطيني
المعاصر أدهم شرقاوي..
كتب أدهم شرقاوي : ” إلى الذين لن يشتروا هذا الكتاب ،لأنهم لا يملكون ثمنه إلى الذين لا يعرفون
رياضة سوى الركض وراء الرغيف.. أهديكم كتابي الذي لن تقرأوه “
ومن خواطره : ” نحن نشبهُ لغتنا كثيرا، فبعضنا له ضمير ظاهر ، و بعضنا ضمير مستتر و يحزنني أن
أضيف أنّ ما تبقى من ضمائر غائبة “
الخاطرة تكتسح القصة و الروأية و نجدها تتسرب إلى أسطرها لتكمل الفكرة أي مبثوثة في الجنسين تتآلف
مع السرد أدرج هنا مقتطف من رواية الكاتبة أحلام مستغانمي ذاكرة الجسد تقول فيه :
” لكنني أخشى من النهايات دوما، فأنا امرأة تعوّدت دائما أن تفقد أيّ شيء تحبه ، نحن عادة تستطيع أن
تكبح جماح العاطفة في البدء لكننا نعجز عنه في النهاية ، و هذا ما يجعلني أخاف كثيرا كثيرا ، فعلمني
كيف أحبّك بلا ألم و كيف لا أحبك بلا ندم “
إذًا الخاطرة جنس أدبي حديث يتلمس خطاه إلى طريق الاعتراف به، رغم بعض محاولات التنظير له إلا
أنّها غير كافية ، و جودها كجنس إلى جانب الأجناس الأدبية الأخرى يقتضي و ضع ضوابط و آليات لها
لترتقي و يجد مبدعوها المهمشون ما يكفل الاعتراف بما يكتبون..و ربما يبتدع النقاد يوما اسما آخر لها..
الأستاذة حكيمة جمانة

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى