كانت هذه الرسالات رحمة بالبشر ومنقذاً لهم من الضلال والتيه ، وكانت ضرورة من الضرورات حتمها التكوين الإنسانى الذى تسيره غرائزه الفطرية التى هى أقرب إلى غرائز الحيوان الضارى الذى لا يعرف ضميراً أو يخشى عقاباً ، وحتمها كذلك تمرد هذا الإنسان وعتوه وجبروته فهو إذا أطلق لشهواته العنان لم يقف عند حد ولم يرع حرمة ولا يعرف رحمة . ثم كانت الرسالات الإلهية التى أهدت إلى البشر الكتب السماوية لتنظم العلاقة بين العبد وربه وبين بنى الإنسان بعضهم وبعض ؛ وبهذا وضعت للإنسانية أسساً وعقائد لا يتجاوزها الإنسان حى لا يطغى ويبغى على أخيه الإنسان فينعق الفناء فى العالم ويطيح به وبالبشرية . إن حياتنا العادية تقدم إلينا أمثلة كثيرة فيها جنوح الإنسان إلى الغلظة والتحجر ؛ من ذبح الابن أباه أو خنق الوالد ولده أو القتل العمد أو السلب والنهب . وما مرد هذه الحوادث الرهيبة إلا تخدر الضمير الإنسانى ، وموت المشاعر فيه . إن القوانين الوضعية لأمثال هذه الآثام والشرور أشد العقوبات الصارمة الرادعة ، ولكن الإنسان لا يرتدع بها ولا يرجع عن غيه وشره ، فلم يكن هناك سبيل إلا هذه الرسالات الإلهية لتقوى من شأن القوانين الوضعية من ناحية ، وتنذر الإنسان من ناحية أخرى بأنه إن أفلت من ربقة القانون فى الحياة الدنيا فإنه لن يفلت من الجزاء فى الآخرة ؛ فالله مطلع على الدقائق والجلائل ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، وقد أعد للمجرمين الضالين عذاباً أقسى ، وناراً أحمى ؛ أعد لهم نار جهنم ليخلدوا فيها حتى إذا نضجت جلودهم ، بدلوا جلوداً ليذوقوا العذاب وأى عذاب هو !!. وإذن فالدين ضرورة من ضرورات المجتمع لأنه يوقظ الضمير الإنسانى ، ويزع المخلوق المتمرد ، ويضع حداً لكثير من الشرور والآثام التى تهد كيان المجتمع وتقوض دعاماته . ومن أجل هذا عنيت بأمره الحكومات المختلفة فى الأعصر المتطاولة وحاولت كل حكومة من الحكومات أن تجعل الدين سلاحاً لها تستعين به على التمكين لنفسها ، وترسيخ قواعدها سواء فى ذلك الحكومة الصالحة أو الأخرى الطالحة ، والتاريخ يجلى لنا هذا الموضوع أتم جلاء . ولنأخذ أمثلة قد وقعت فى ( مصــر) فى العصر الحديث أو الوسيط فعمرو بن العاص فاتـح ( مصــر ) قد أقام حكمه على العدالة والتسوية بين الحاكمين والمحكومين ، مستنداً سياسته من الدين الإسلامى الذى يدعو إلى العدالة المطلقة ، ومن خليفة المسلمين فى ذاك الوقت عمر الفاروق الذى حاسب الولاة حساباً عسيراً ، وقضى على كل ما يشتم منه رائحة استغلال نفوذ أو كسب غير مشروع . وهذا الحكم العادل هو الذى مكن للفتح الإسلامى ، وكان أقوى دعاية للإسلام والدين الجديد الذى دخل الناس فيه أفواجاً طواعية واختياراً . ونعلم أيضاً ما كان يتظاهر به بعض الحكام من التقى والورع ليوهموا السذج والأغرار بأنهم مؤمنون صادقون والدين براء منهم ، ولكن هؤلاء الحكام ما أقدموا على هذا التظاهر إلا لإدراك مستشاريهم مبلغ خطر الدين وتأثيره فى المجتمعات . وانتهى الأمر بنا أن أصبح رجل الدين صورة لشخصية من أهم سماتها إغماض العين وكثرة ( البسبسة ) والإيغال فى الشطحات والبعد عن الدنيا والهرب من الحياة . وهى الحقيقة التى تفرض على الوعاظ والعلماء ورجال الفكر الإسلامى أن يراجعوا خطبهم وأسلوبهم وبحوثهم مراجعة ترفع من شأن المجتمع الإسلامى وتزيح أركام الاستكانة والاستخذاء ، وتعفى على الفقر والجهل ، وتقضى على كثير من سمات الضعف .
الكاتب / الشاعـــــر
فـوزى فهمـى محمــد غنيــــــــــــــم