يمكن للنجم الكبير عادل إمام أن يحكى لك الكثير عن صداقاته وعلاقاته بالملوك والرؤساء طيلة ستين عاما فى مسيرته الفنية، من عاهل المغرب الملك الحسن إلى عاهل الأردن الملك حسين، ومن زعماء الجزائر وتونس إلى رؤساء سوريا واليمن، لكن عيونه تلمع ببريق خاص وهو يحدثك عن رئيس واحد قابله مرة بالمصادفة فى الشارع..فبكى من فرط السعادة!
يحتل جمال عبدالناصر مكانة خاصة فى قلب عادل إمام ، ويعترف بكل فخر:« أنا من الجيل الذى تربى على زعامة عبدالناصر ويعرف فضله ودوره وقيمته، أعظم شيء فى هذا الرجل هو انحيازه للبسطاء والفقراء، أنا لحقت فترة فى آخر أيام الملك فاروق ورأيت بعينى الناس وهى تسير حافية فى الشوارع من الفقر والعوز. أول ما مسك عبدالناصر عمل قرارات لمصلحة هؤلاء البسطاء، أنا واحد من الناس استفاد من مجانية التعليم، وفاكر فى سنوات الجامعة (كلية الزراعة) كنت أحصل على اعفاء كامل من مصاريف الدراسة (24 جنيها) مكافأة لى على تفوقى فى فرق التمثيل، وبعدين شوف النهضة الثقافية والفنية التى حدثت فى عهده، رغم أن المسئولين عنها كانوا ضباطا فى قامة ثروت عكاشة وعبدالقادر حاتم».
وقد أتيح ل عادل إمام أن يلتقى عبدالناصر مرتين ويراه عن قرب، المرة الأولى وهو تلميذ فى المرحلة الثانوية، وكان فى عز العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، وقرر الطالب المتحمس أن يتطوع فى فرق المقاومة الشعبية للدفاع عن الوطن، ويحكى عادل: «ولما راح عبدالناصر يلقى خطابه الشهير من فوق منبر الجامع الأزهر والذى أعلن فيه صيحته المدوية: سنقاتل ولن نستسلم، كنت ساعتها تحت رجليه، قاعد جنب المنبر وبينى وبينه متران ومعى سلاح و12 طلقة حية، ومن فرط حماسى تمنيت ساعتها إنى أروح أحارب وأنال الشهادة.. وقتها كنت أتلقى تدريبات عسكرية محترفة فى معسكرات كان يشرف عليها واحد اسمه جمال نظيم، وتدربنا على ضرب النار وإلقاء القنابل، وربنا ستر إننا بقينا فى القاهرة ولم يرسلونا إلى الجبهة».
أما اللقاء الثانى فكان بعدها بنحو ثمانى سنوات، وكان عادل إمام فى أول مشواره مع النجومية بعد أن لمع فى دور «دسوقى أفندى» بمسرحية « أنا وهو وهى » مع فؤاد المهندس وشويكار، يحكى عادل: «كنت يومها فى مصر الجديدة وراجع بيتنا فى الجيزة سيرا على الأقدام لأن جيبى ليس فيه ولا مليم، كنت بمفردى وماشى سرحان، وفجأة لقيت سيارة «سيات» صغيرة تقترب منى، وابتسم لى قائدها ورفع لى يده بالتحية، وأفقت من شرودى على جمال عبدالناصر ، كان يقود سيارته ومعه المشير عبدالحكيم عامر ، ويسيران دون حراسة ولا هيلمان، أنا شفت المنظر ارتبكت ولقيت نفسى أصرخ من الفرح: جمال عبدالناصر !..ولقيت نفسى أبكى بدون سبب مفهوم..وقتها أنا كنت أعمل « أنا وهو وهى » والناس كانت تردد جملتى المشهورة فى المسرحية: بلد شهادات صحيح..الطريف أننى بعد ذلك أصبحت صديقا للدكتور عبدالقادر حاتم وزير إعلام وثقافة عبدالناصر ، وحكى لى إن عبدالناصر اتصل به مرة يسأله: الأولاد عندى بيحبوا الجدع بتاع بلد شهادات صحيح..هو يقصد إيه بالجملة دى؟».
عاش عادل إمام الأحلام الكبرى فى زمن عبدالناصر ، وآمن بها وصدقها، وتضاعفت محبته ل عبدالناصر بسبب مقالات هيكل وكتاباته، وكان يقتطع من مصروفه الزهيد ليشترى الأهرام ويقرأ «بصراحة»، إلى أن جاءت نكسة يونيو 1967 لتحيل أحلامه إلى، يحكي: «يوم 5 يونيو كنت فى البيت، لقيت أمى الله يرحمها تقول لى: الحرب قامت، قمت ركبت الأتوبيس وقلت أروح عند سمير خفاجى (المنتج والمؤلف المسرحي) أتابع الأخبار من عنده، لقيت الركاب فى غاية السعادة من البيانات الإذاعية، أسقطنا 200 طائرة إسرائيلية و500 دبابة، رحت لسمير لقيت عنده سعيد صالح، قعدنا نتابع بيانات أحمد سعيد، يوم والثانى لقيت الحماس فتر والأرقام تراجعت والأغانى تغيرت، ولما سمعت أغنية وطنى أحببتك يا وطنى قلت لهم: إحنا انضربنا، وأنا نازل الفجر مرة من عند سمير لقيت عسكرى يجمع «اليافطات» القماش المكتوب عليها العبارات الحماسية ودموعه نازلة، لحظتها أدركت الكارثة..يوم التنحى كنت عند خالتى فى المنيل، سمعت الخطاب ونزلت، فوجئت بطوفان من البشر فى الشوارع تطالب عبدالناصر بالبقاء..الناس كانت مصدقة عبدالناصر ، ومصدقة وطنيته ونزاهته بدليل أن مصر كلها خرجت فى جنازته..يوم وفاته أنا كنت فى الزمالك وكنت أنا ومراتى لسه مخطوبين واستلفت سيارة واحد صاحبى ورحنا الزمالك نأكل فى مطعم، قبل دخولنا لقيت رجل أسمر بسيط يصرخ: عليه العوض، افتكرت أنه تعرض لعملية نصب، سألت صاحب كشك السجائر بجانبه: هو فيه حاجة؟، قال لي: أصل عبدالناصر مات!، سألته بسذاجة: عبدالناصر مين؟..لم أتخيل يوما أن عبدالناصر يمكن أن يرحل كبقية البشر!..ولا يمكن أن أنسى منظر جنازته، ولا وصف هيئة الإذاعة البريطانية لها: مصر تودع آخر الفراعنة!».
الغريب أن علاقة عادل إمام توطدت بأسرة عبدالناصر بعد رحيل الزعيم فى سبتمبر 1970، وكانت السيدة تحية عبدالناصر من محبى فن عادل إمام وضيفة على مسرحياته بدءا من « مدرسة المشاغبين ».. ولا يعرف كثيرون أن عادل كان يؤدى تحية خاصة للسيدة تحية فى ليالى حضورها إلى المسرح، فبمجرد دخوله إلى الخشبة يحيى جمهوره فى الصالة، ثم يتجه ناحية ضيفته ويؤدى تحيته لها المخصوصة، وكانت ثانى اثنتين يخصص لهما عادل إمام تحية مسرحية خاصة، وكانت الثانية هى والدته..
وعن علاقته بأسرة عبدالناصر يحكى عادل: «أصبح أولاده من أعز أصدقائى خاصة عبدالحكيم وخالد..مرة كنت فى كافيتريا «aftar 8» بوسط البلد وقابلت خالد عبدالناصر ، قال لي: ما تيجى تتغدى معانا بكره يا عادل، أيامها كنت مشغولا بتصوير فيلم «الهلفوت» وكنا نصور مشاهده فى مدينة الإسماعيلية وأعود لأقضى يومى الخميس والجمعة فقط مع أسرتى، حاولت أعتذر، لكن خالد اقترح: وأنت مسافر الإسماعيلية عدى علينا، أيامها كان عندى مساعد اسمه «سند» له موقف عدائى من عبدالناصر ، أخذته معى ولم أخبره أننا ذاهبون إلى بيت الرئيس الراحل، ودخلنا وقعدنا وهو لا يدرى، وعلى مائدة الغداء جاءت السيدة تحية ومنى ابنتها، وفجأة أدرك سند أننا فى بيت عبدالناصر ، فهمست له مهددا: أقول لهم إنك تشتم عبدالناصر ؟، قال لى وهو يتوسل: فى عرضك يا أستاذ، وكاد يقبل يدى حتى لا أفضحه خاصة أن السيدة تحية بنفسها كانت كريمة معه للغاية، ولما خرجنا فوجئت به يخلع حذاءه ويضرب نفسه ويقول: أنا غلطان فى حق هذا الرجل العظيم!»
ولا يعرف كثيرون أن عادل إمام كان يرتبط بصداقة حقيقية مع الأستاذ هيكل ، وربما كان عادل إمام هو الفنان الوحيد الذى كان «الأستاذ» يقبل دعوته لحضور عروضه المسرحية والعروض الخاصة لأفلامه السينمائية..ويحتفظ عادل إمام فى مكان بارز فى مكتبه بصورة تجمعه بهيكل عندما ذهب لمشاهدة عرض « الزعيم » بمسرح الهرم واستضافه عادل إمام فى حجرته الخاصة بالمسرح، واحتفى به بشكل استثنائى، وكان الأستاذ هيكل يحرص على أن يهدى كتبه الجديدة ل عادل إمام ، وفى مكتبته ركن خاص بكتب هيكل تزينها اهداءات بقلمه..
والمؤكد أن من أسباب تلك الصداقة التاريخية والمحبة الخاصة التى يحملها عادل إمام للأستاذ أنه من «ريحة» الزعيم الذى أحبه بصدق..وبكى من الفرح عندما التقاه بالمصادفة.
نقلا عن الأهرام