ط
مقالات بقلم القراء

السطوة على العقول .. بقلم / د.فتوح الجبوري

كتبت / د.فتوح الجبوري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نسمعُ يوميًا – وبشكلٍ لافتٍ – عن ظاهرة السَّطو البدني ﺇلّا أنّهُ في واقع الامر هناك سطوﹲ يعيشه الفرد يوميًا دون أن يدركَ ذلك ، والمتمثّل بظاهرة السّطو على العقول والمُراد منها ادّعاءُ شخصٍ ما بأنّهُ يعرفُ أكثر من الأخرينَ بما ينفعهُم أو يضرُّهم وقد يمتلكُ قدرةَ الاقناعِ بما يريدُ أن يصنعهُ أو لا يمتلكُ عندها عليه أن يلجأ الى تطويعِ ضحاياه من خلال حوارٍ مفتوحٍ يلجأ ﺇلى التسلُّط عليهم بإرباك آرائهم وتشويش أفكارهم سعيًا وراء ﺇملاء رغبته وفرضِ ﺇرادته عليهم موثقًا غريزة هيمنه العقول ..

ولنقف عند حادثةِ غرقِ سفينة تايتانيك والتي كان على متنها 2230 شخصًا – تقريبًا – وقد تم انقاذ 706 شخوص منهم وهذا يعني أن 1500 شخصًا لقوا حتفهم ، في أحداث الفلم مات تقريبًا أغلب الناس بسبب الغرق بينما مات بطل الفلم بعد ساعات بسبب برودة الماء، وليس الغرق …! كلّ مَن شاهدَ الفلم لم يشعر بأي نوع من التعاطف تجاه المئات الذين ظهروا في الفلم وهم يغرقون على الرغم من أنّ أغلبهم نساء وأطفال … وكانت أمنية كل شخص شاهد الفلم هو أن يعيش البطل والبطلة وأن ينجوا من الغرق … فهل سألنا أنفسنا لماذا تعاطفنا مع بطل ( لص ، ومُدِمن ، ولاعب قمار ) ولم نتعاطف مع المئات من النساء والأطفال وكبار السن …!؟

الجواب : لقد استطاع المخرج أن يُسلط الضوء على البطل والبطلة فقط وكأنهما الوحيدانِ على متن السفينة وجعلنا نتعاطف معهما على الرغم من كلّ عيوبهما ونتناسى في الوقت نفسه الاطفال والنساء الذين غرقوا من حوله وكأنهّم لاوجود لهم … دعونا نتابع سطوةً أخرى والمتمثّلة بما قام به غوبلز ما قام به غوبلز وزير دعاية هتلر عندما أصدر أمراً يلزمُ الألمان بفتح نوافذ المساكن ورفع أصوات المذياع حتى أقصى درجاته لكي تستمر الأفكار التي تبثُّها عن طريق الاذاعة الوصول الى أذن كلّ ألماني رغَبِ أم كَره ، ظنّ الكثيرون يوَمها أن هذا ليس أكثرَ من ازعاجٍ لكن الكاتب النقدي الألماني سيرجي تشاخوتين كان لهُ رأيٌ أخرَ ، فعكف على متابعةِ ورصد ودراسةِ التجربة المثيرة واكتشف كيف أفلح غوبلز في ﺇعادة صياغة أمّةٍ كثيفةِ العددِ عريقة التاريخِ ، متقدمّة في العلم والحضارة على ما يُريد الحزب النازي لتندفعَ بارداتها كتلة واحدة خلف جنون هتلر نحو حرب انتهت بهزيمة كارثية وانتحار هتلر ثم انتحار المسؤول عن جنون الأمة غوبلز بعد أن قتلَ أطفالهُ الخمسة وانتحرت زوجته بالسّم…

ﺇنّ أعمقَ أساليبِ الدعايةِ أثرًا في صياغة أفكار الشعوب هم مَن أطلقوا عليهم( قادة الرأي العام )وهم الذين يتمتعون في محيطهم بمراكز اجتماعية أو دينيه أو علمية أو عشائرية تمكنهم من التأثير في اتجاهات الرأي العام أكثر من غيرهم … من هؤلاء جندت ( حملة التضليل الاعلامي واغتصاب العقول وغسل الأدمغة) الاعلام – بكلّ وسائله – اليوم يُمارسُ هذا العبث وعلى مدار الأربع والعشرين ساعةً وكلّ الأطراف المتصارعةِ والمتنازعةِ في عالمنا اليوم وفي مشارف الارض ومغاربها تُرينا المشهد من زاويتها فقط .. غير أنّ للحقيقة وجهُ آخر … فهل نتعظ؟

ولاُبدّ من الاشارة الى أهم المراحل التي تمرّ بها سطوة العقول تتمثل بـ :

1-تشويشُ أفكارِ الانسانِ وإرباك مشاعرِه ومعتقداتهِ وتهميشُ ذاتهِ ووضعها في إطارٍ لا يعي صالحَ أمره

2-افتقادُ الانسان الى التفكير البنّاء وتهميش العاطفة و بالتالي يصبحُ الضحية شديد الاضطرابِ وتتداخلُ الأمور وقد يقعُ في سلوكٍ عدواني ضدّ ذاتهِ …

ختاماً … كُن انتَ … كُن نفسَكَ بضعفها وقوتها ، اتخذ قراراتكَ بنفسكَ ، وتحمّل تبعاتِ اختيارك، عش طبيعتكَ ، وعفويتكَ فالحياة خُلقت للتجربة وفي التجربة قد نُخطئ وقد نُصيب وانمّا الكمال غاية لا تُدرك … فقط ثق بنِفسك وبقدراتك ولاتجعل عقَلك تابعًا لأي فردٍ او لأي شيء وﺇنّما اجعلهُ سيّداً يقودُ خطاكَ الى الطريقِ القويمِ الذي ترضاه لنفسك….

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى