اجرى الحوار : لخضر أم الريش / الجزائر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشاعر ” بهناس احمد” يعتبر من الاقلام المبدعة والرائدة والتي اثرت المكتبة الجزائرية بالكثير من المؤلفات منها ديوانين ” العشق المسفوح ” و” الصدى الجديد ” وايضا له تحت الطبع قصة ثورية ” الثبات على المبدأ ” فضاءات من حياتي ” و ” بين الاسلام والتربية الحديثة ” واشتغل الشاعر ” بهناس احمد ” في قطاع التربية لمدة دامت 43 سنة تدريس وتأطير ونال خلالها الكثير من الشهادات في عدة مشاركات من تنظيم وزارتي التربية والثقافة.
زرته في بيته او في الركن الذي خصصه الشاعر للاعتكاف بين الكتب المرصوفة حيث انتقلنا في ضوء حديثنا الى عدة نقاط في مختلف المواضيع .. فمحاورة شخصية ادبية مثل الشاعر ” بهناس احمد ” تغوص بنا الى عمق الادب وتأخذنا الى محاور لا تمل منها في سياق حديثه الشيق وقد اقتنصنت منه بعضا من حديثنا في هذا الحوار :
س / بداية، لنسقط تقاليد الحوار التقليدية
ماذا تعني لك الكتابة في جميع الأحيان ؟؟
ج / الكتابة في رأيي هاجس لحوح يدفع بالمفكر والأديب والشاعر والإعلامي وغيرهم من رجال الفكر والثقافة إلى الكتابة لإرضاء هذا الهاجس وإسكاته.
وبما أنني أديب وشاعر فإنني أركز على الكتابة بالنسبة لهذا الصنف من المثقفين.
إن الأدب والفن محتوم عليهما بحكم طبيعتهما نفسها أن يحتويا على القيم وينطويا على كثير من الأخلاق والمثل، ولن يتسنى لهما الظهور إلا بالكتابة التي هي هاجس بالنسبة للكاتب والأديب ورسالة، وأن يلتزموها في إبداعاتهم الفنية والأدبية.
الكتابة شحنة زائدة عن اللزوم، وطاقة إبداعية ثائرة ومتبرمة في ذهن الأديب تريد أن تخرج من مكمنها لتدعه يستريح ويعود إليه هدوؤه وتفكيره، وهي هكذا وإلى الأبد.
الكتابة تشريح وتشخيص لما هو كائن وأحيانا تكون مخيالا وتنبؤات ..
وليس في وسع أحد أن يحدد للكاتب الخلاق طريقة تحليله وعرضه للموضوعات، فيمكن له أن يحقق فضيلة العفة عن طريق العري السافر للأجساد، ولا يعتبر هذا نفورا واستهجانا.
لذلك فإنه لا يمكن أن نضع المرآة أمام القرد لنرى على صفحتها غادة حسناء.
الكتابة في غالبية الأحيان عند الأدباء هي الوسيلة الوحيدة التي تنقل إصلاحاتهم النبيلة إلى المجتمعات، فهم يعرضون الجمال والمتعة الأدبية والفنية بغرض الإصلاح داخل البنية الاجتماعية، ويضطرون أحيانا إلى فضح حقيقته كما هي للعودة به إلى الصلاح والفلاح. ومعذرة إذا كنت قد أدخلت الكتابة كوسيلة حضارية وإنسانية في دور الكاتب ومهماته الملقاة على عاتقه اتجاه مجتمعه والإنسانية عامة.
وباختصار فإن الكتابة عمل راق ووسيلة جادة للتواصل ونقل العلوم والمستجدات من مكان لآخر، وهي متنفس نفسي للمغرمين بها.
ولولا الكتابة ما وصلت إلينا علوم الأقدمين ولما عرفنا تراثهم وحضارتهم ولما ورثنا شيئا من العلم والأدب والفن بجميع فروعه.
س / إن المقتفي لحركة المبدعين داخل الجزائر أو خارجها يلحظ ذلك الألم الكبير في نصوصهم، فالفرح يكاد ينعدم أو يشبه الصحراء القاحة الخالية من الإخضرار، فهل هناك أمل للعودة إلى شاطئ الأمان؟؟
ج / ليس إلى هذا الحد الذي تراه أو يراه غيرك ثم إن هناك فرقا بين ما يحدث في العالم العربي وبين غيره
العالم العربي تحدث فيه مآس داخلية ويعيش تحرشات خارجية، ولذا فإنه لا غرابة إذا جاءت نصوص الأدباء والشعراء مهزوزة وموسومة بالتشاؤم والحزن، لأنهم يعيشون الأزمات والخيبات والصدمات، والأديب ابن بيئته فهو يكتب لمجتمعه، ولا بد أن تظهر هذه الأوجاع الروحية والمعنوية في النصوص واضحة، لأن الكتابة مرآة صادقة لما يعيشه الأديب من آلام وخيبات تعكس صورته حسب الأوضاع المعيشة .
فالكاتب يغرد داخل السرب وليس خارجه، ولا غرو في ذلك لأن الصدق ونية الإصلاح تطبع أعمال الشعراء والفنانين والرسامين والمحللين لأوضاع المجتمعات، وأما غيرنا في جهات أخرى فإن إحساسهم بالحياة ومشاعرهم مخضرة مورقة ونصوصهم تأتي عاكسة لصور حياتهم الهادئة المطمئنة.
س / هل الشعر اليوم يؤدي رسالته كما كان يحدث في العصور السابقة، أم أن الحياة المتردية أصبحت تسلب منا ذلك الشعور الجميل، متناسين دورنا ؟؟
ج / الشعر أكثر فنون الأدب التصاقا بالإنسان، وهو صورة صادقة لما يحدث في الحياة اليومية بجميع أنواعها: الاجتماعية والسياسية والعاطفية، وهو يرصد كل الحركات، ملازم للإنسان في حله وترحاله، في فرحه وفي قرحه، في أفراحه وأتراحه،في انتصاراته وفي خيباته، ولا أبالغ إذا قلت في نومه ويقظته.
والشعر هو صديق الإنسان من قديم وعن طريقه يبوح الشاعر بما يحس وبما يشعر ويعبر عن كل ما يدور حوله، فهو المتنفس الوحيد الذي يلجأ إليه ويتيح له الشعور بالأمل العريض والأماني العذاب. ويصبح الشعر أحيانا وسيلة التوعية وبعث الحماس في النفوس مدافعا ومنافحا عن الهوية والوطن والمبادئ.
والشعر الجزائري منذ الأمير عبد القادر إلى ابن باديس إلى مفدي زكرياء إلى اليوم يسير في هذا الإتجاهمع بعض الإختلاف في الزمان والمكان.
ولم ينس الشاعر الجزائري دوره أبدا اتجاه أمته ووطنه وعروبته ولغته، فهو المنافح والمصلح سواء كان الشعر ملحونا أو موزونا فالشرارة المتوقدة تسري في مفاصله سريان الدم في العروق.
س / الملتقيات أضحت شبه خاوية على عروشها من المبدعين، وتطغى عليها المحسوبية والمناطقية في توزيع الألقاب.
هل ترى علاجا لهذا الداء على المدى القصير؟؟؟
ج / أولا دعني أعرج على وزارة الثقافة التي ليس لها استراتيجية واضحة المعالم في ميدان تثقيف المواطن عن طريق المكتبات العمومية والملتقيات والمهرجانات والندوات.. وغيرها
ولذا نرى أعمالها باهتة ونشاطات مديرياتها متواضع جدا مع قلة اهتمام واضح بالثقافة والمثقفين بالرغم من أنها تحمل إسم ثقافة، ولكنه إسم على غير مسمى.
ونلاحظ الإختلاف البين بين مديريات الثقافة عبر الوطن، هناك المديريات الناشطة والتي تعمل طيلة السنة من برمجة أنشطة متعددة ومختلفة الألوان والمشارب وتعنى بالشباب والطلبة والتلاميذ إلى الكبار شعراء وقصاصين ومسرحيين ورسامين وتشكيليين، وفروسية وغيرهم، بينما بعض المديريات لا تحرك ساكنا طيلة السنة، لست أدري أين تذهب الميزانيات المرصودة لهم كل سنة. وإجابة على سؤالكم بخصوص الملتقيات، أقول لك :
إن مديريات الثقافة تعمل بالإرتجال لتحضير الملتقيات، ليس لها لجنة تحضير من مثقفين وأدباء أكفاء يعرفون السير الذاتية والمؤلفات ونشاط كل أديب وشاعر وقاص وفنان على الساحات المحلية والوطنية والخارجية، ولذا فالدعوات للملتقى تتم حسب رغبات وإرادات لا علاقة لها بالثقافة ولا بنية البحث عن الإبداع والإصلاح خدمة للمجتمع وترقيته وتوعيته.
الملتقيات أصبحت ريعا مشتركا بين فئات وفوضى عارمة يدعى إليها كل من هب ودب عن طريق المحسوبية والصداقة والقبلية والمناطقية لذر الرماد في العيون.
أما علاج الوضعية فسهل وبسيط، وهو بيد مديري الثقافة الذين بأيديهم الحل والربط
وذلك بتكوين لجنة خاصة بالتحضير يختارها الأدباء والكتاب أنفسهم، وهي التي تتولى التحضير والتنشيط والتوجيه والتسيير واقتراح المكرمين ونوعية الجوائز والتكريمات.
وبهذا تسقط كل الهفوات والتلاعبات والإرتجاليات التي تذهب بالمال العام إلى جيوب المختلسين والطماعين والشياتين.
س / لماذا نسجل غياب النقد البناء، وما تعليقكم على الحركة النقدية لدى المبدعين ؟؟؟
ج /الحركة النقدية في الجزائر تعرف ركودا شنيعا، والأمر يحتاج إلى نهضة وقفزة نوعية ويبدأ النشاط النقدي من الجامعة، ولكن هذه الأخيرة تعيش فوضى وهامشيات وتطبق مناهج غير ملائمة لا تفي بالغرض.وإذا كانت الجامعة متأخرة في مناهجها وتحتل رتبة عالمية متأخرة ومتدنية فكيف تنتج لنا ناقدين حاذقين في ميدان الأدب والفن، فهي التي تخرج لنا الشاعر والقاص والروائي.. كذلك تخرج لنا ناقدا من هذا الشكل والطراز.
فالمستوى عامة هو ما تراه إنتاجا ونقدا.
والنقد الموجود عندنا حاليا هو نقد انطباعي مجاملاتي يكتفي بالسطحيات ولا يغوص في الأعماق .
وإذا أردنا نقدا قويا فلا بد من الرجوع إلى التراث الذي قامت عليه نهضتنا العربية حتى القرن السابع الهجري، فهذا الإرث هو الذي قدم للإنسانية في العالم كله وباللغة العربية وكل فروع المعرفة، فكان الإبداع في الفنون والآداب بأصالة تامة.
وأما اليوم فإننا نتهافت حول الحداثة وما بعد الحداثة ثم العلمانية والعولمة، وكلها مصطلحات هلامية لا تخصنا وتحول أمرها إلى صخب وفوضى ولكننا نجري وراءها بدافع التطور، وبدواعي مسايرة العصر، والذين يلهثون وراء هذه المصطلحات ويريدون تطبيقها على واقعنا الثقافي والنقدي هم من الذين يطلبون الوجاهة الرخيصة في الفكر والسياسة والنقد والإعلام.
س / ما هو شعورك في الأخير ؟؟
ج / شعوري في الأخير هو شعور كل مثقف واع متمسك بلغته وبحضارته وبهويته وبأصالته التي ينبغي أن نعتز بها ونضعها تاجا على رؤوسنا، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنني أهيب بكل أديب أن يحارب الرداءة والفساد الذي يعتري مسيرتنا الآن ويهيمن على المشهد الثقافي ويتغلغل في مفاصل الحركة الأدبية، وقبل هذا يجب على كل أديب نزيه أن يبتعد عن المواقف المشبوهة ليفضح الرديئين الذين يندسون بين الصفوف، وأن تسود أعمالهم الجودة والتجويد وأؤكد على الإتحاد بينهم كالبنيان المرصوص، هذا من أجل أن نورث لأدبائنا الشباب دربا نيرا مضاء بتراث سلفهم فيقتدون، ونكون نحن خير سلف وهم خير خلف