فنان شهيد جعل الكلمة سلاحا للتضحية والجهاد بكلمات شقت صدر المستعمر كرصاص ملتهب يمتد من أعالي جبالنا الشامخات طلبا للعيش الكريم في بلد حر مستقل كان سفيرا وبحق للفن الهادف الذي يرص صفوف شعب مستعمر ويجتهد في زرع الروح الوطنية بينهم حافظ مند نعومة أظافره على المد الطبيعي للحركة التحررية وهي طلب الحرية والاستقلال ولو بفقدان النفس والنفيس بكلمات مدوية كانت السبب في شهادته حتى وإن نكل بجسده الذي فارق الحياة بعد طلقات الرصاص التي استقرت في جسده إلا أنه مهد لبداية التاريخ لبروز شمس الحرية التي لاحت ساطعة وانكشفت جرائم فرنسا العجوز كان مثالا للشجاعة ومازال إلى حد اليوم، فقد دفع زهرة شبابه ثمنا من أجل شراء جنة الخلد .
كانت سنة 1927 شاهدة على ميلاد هذا الفنان الذي اعتدل قده في الحي الشعبي “كليبار” في مدينة “تيارت” بالغرب الجزائري من أسرة ميسورة الحال تربت فيه ملكة الفن مند صغره تأثر بالعديد من الفنانين داخل الوطن وخارجه فاتسع حلمه في هذا العالم ساعده على هذا الترحال الدائم بين العديد من الأقطار العربية والغربية بعد ما جند في صفوف البحرية الفرنسية إجبارا في مدينة “بنزت” بتونس كما فتح الباب أمامه لتوسيع معارفه في مجال الحياة عامة وعالم الفن خاصة وهذا بالاحتكاك الدائم بالفرق الموسيقية بمختلف أنواعها، وهو ما سمح له بعدها بالاجتهاد في خلق طابع خاا به سمي “الوهراني”.
بعد الخدمة العسكرية الإجبارية عاد إلى عالم الفن من باب الحركة الكشفية الإسلامية وكانت سنة 1953 بداية التأريخ للفرقة الموسيقية الخاصة به وهي “سفير الطرب” كانت بمثابة الصوت الذي ينادي إلى ضرورة التحرر من المستعمر والعودة إلى سابق العهد كما كانت بمثابة وسيلة للتحسيس بالقضية الجزائرية ورفع المعنويات وغرس الروح الوطنية في النفوس من أجل التحضير لاندلاع الثورة الجزائرية ضد المستعمر الغاشم عبر هذه الفرقة في صنع الكلمات الممجدة للحرية وحب الوطن وعند اندلاع الثورة المجيدة لبى “علي معاشي” نداء الوطن وانضم إلى صفوف الحركة الثورية من أجل مواصلة الكفاح والنضال إلى أن تنال الجزائر حريتها المسلوبة التي أخذت منها غصبا .
بعد العديد من القصائد المدوية التي ألفها التي كانت تدعو إلى الالتفاف حول جيش التحرير وحب الجزائر والسير قدما نحو النصر وبعث روح الكفاح في النفوس ذاع صيته بين الناس وعرفت فرنسا صدى الكلمات التي كان ينظمها فهي تأتي أكثر وقعا على النفوس من الرصاص ألقي عليه القبض وبعد التعذيب المستمر دون انقطاع رمي بطلقات الرصاص لتلتحق روحه الزكية بخالقها غير أن فرنسا لم يشف غليلها منه فاختارت يوم عطلة 8 جوان1958 وجمعت الناس واسترهبتهم بجثمانه وهو مصلوب في شجرة بـ”ساحة كارنو ” في ساحة عامة التي تسمى اليوم ساحة الشهداء وسط مدينة “تيارت” رفقة اثنين من أصدقائه وهما “محمد جحلان” و”جيلالي بن سوترة” مشهد أرادت به فرنسا أن ترهب به كل من يريد العصيان والخروج عن طاعتها في تلك الفترة وأن يكون رسالة لكل من يريد التفكير في الحرية والاستقلال غير أن ما لم تكن تعلمه فرنسا أن هذه الرسالة هي التي زادت في حماس الجزائريين ورفعت من عزائمهم وهممهم كما كانت صورة ذرفت لها الدموع حتى من النساء الفرنسيات اللواتي حضرن شنق نفس ميتة وهي وحشية من صنع فرنسا وحدها .
كان الشهيد علي معاشي موهوبا بحق فقد كان الفنان والشاعر والملحن استطاع أن يقدم أغان وقصائد وطنية خالدة، زرعت الحماس في النفوس على غرار “أنغام الجزائر” التي تعتبر كابوس فرنسا غنى للحب وللوطن وللتضحية ترك سجلا غنائيا معتبرا منه “ذاك اليوم في العشية” “يا شابهت النجوم ولهلال” “مازال عليك نخمم” “تحت سماء الجزائر” “وصيت القمري” “يا بابور يا بابور” بالإضافة إلى بعض التسجيلات في الإذاعة .
هو إذا الفنان الشهيد الذي كافح بالكلمة دعا إلى الروح الوطنية من منبر الفن الهادف قدم سجلا خالدا للتراث الجزائري في الأغنية والوطنية مازال صداها إلى حد الساعة يطرب كل مستمع ومرجعا للكثير من الفنانين في الفن الهادف .