مقالات بقلم القراء

الصحبة الصالحة: كنوز لا تُقدَّر بثمن في مسيرة حياتك بقلم: د. عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان

 

تُعدّ الصحبة الصالحة من أعظم الكنوز التي يمكن للإنسان أن يمتلكها. فالثروة الحقيقية لا تُقاس بما نملكه من ممتلكات أو ما نحققه من إنجازات دنيوية، بل بما نحظى به من أصدقاء صالحين يضيئون دروبنا، ويشدّون على أيدينا في أوقات الشدّة، ويفرحون بنجاحاتنا كما لو كانت إنجازاتهم هم.

لقد منَّ الله رب العالمين عليَّ بأصدقاء لا أعتبرهم مجرد رفاق درب، بل إخوة في الله، يشكّلون جزءًا لا يتجزأ من حياتي. في كل موقف مررت به، سواء كان لحظة فرح أو تحديًا صعبًا، وجدتهم إلى جانبي، يشجّعونني على الثبات والصبر، ويرشدونني إلى الطريق الصحيح عندما تلتبس الأمور.

أتذكر ذات يوم عندما كنت أمرّ بمرحلة مليئة بالتحديات، شعرت فيها أن الضغوط تكاد تثقل كاهلي. حينها جاءني أحد أصدقائي الصالحين، لم يكن يحمل حلاً سحريًا، لكنه جلس بجانبي، وتحدّث معي بكلمات مليئة بالإيمان والتفاؤل، وذكّرني بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير…”. حينها أدركت أن مجرد وجود شخص يذكّرك بالله جل جلاله في أصعب لحظاتك هو نعمة لا تُقدَّر بثمن.

أصدقاء الخير ليسوا فقط من يشاركونك لحظاتك، بل هم من يغرسون فيك قيمًا تبقى معك طوال حياتك. تعلّمت منهم أن العطاء لا ينقص المال، بل يزيده بركة، وأن الخير الذي تبذله للآخرين يعود إليك أضعافًا مضاعفة في لحظات تحتاج فيها للدعم. ولعلّ أجمل ما في هذه الصحبة هو أنها تذكّرك دومًا بأن الدنيا زائلة، وأن ما يبقى هو الأثر الطيب والدعوات الصادقة.

في إحدى المناسبات، كنت شاهدًا على موقف أثّر فيّ كثيرًا. كان أحد أصدقائي يمرّ بظروف صعبة، وبمجرد أن علم باقي الأصدقاء بالأمر، اجتمعوا دون تردّد لدعمه، ليس فقط ماديًا، بل نفسيًا وروحيًا. رأيت كيف أن الكلمة الطيبة والدعاء الصادق يمكن أن يكون لهما تأثير أقوى من أي دعم آخر. حينها أدركت أن الصديق الصالح لا يختفي في الأوقات الصعبة، بل يكون أول من يقف في الصف الأمامي لمساندتك.

الصحبة الصالحة ليست مجرد رفقة عابرة، بل هي استثمار طويل الأمد في القيم والأخلاق. هي مرآة تعكس لك حقيقتك، وتساعدك على تحسين نفسك. كم من مرة كنت على وشك اتخاذ قرار متسرّع، فجاءني صديق ناصح ينبهني بلطف، فأنقذني من عواقب لم أكن لأدركها إلا بعد فوات الأوان.

ولأن الصحبة الصالحة نعمة عظيمة، فإن الحفاظ عليها يتطلّب جهدًا وحرصًا. تعلّمت أن أكون صادقًا ومخلصًا مع أصدقائي، أشاركهم أفراحي وأحزاني، وأكون بجانبهم كما كانوا بجانبي. فالصداقة الحقيقية لا تقوم على المصالح المؤقتة، بل على المحبة في الله جل جلاله، التي تدوم حتى بعد فراق الدنيا.

وفي نهاية هذا المقال، أودّ أن أوجّه رسالة شكر وامتنان لكل من كان له أثر طيب في حياتي. أنتم كنوزي الحقيقية، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يديم بيننا هذه الروابط النقية، وأن يجعلنا من الذين يحيون حياة مليئة بالبركة والخير، ويُثقلون موازين حسناتهم بأعمال لا تنقطع، بفضل دعمهم وإخلاصهم.

أسأل الله رب العالمين أن يرزقنا جميعًا الصحبة الصالحة التي تعيننا على طاعته، وتكون لنا عونًا في الدنيا وذخرًا في الآخرة، وأن يجعلنا ممن يُقال لهم يوم القيامة: “الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين.” [الزخرف: 67].

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى