ط
مسابقة القصة القصيرة

الصوت الظل.زمسابقة القصة القصيرة بقلم / ضحى احمد من سوريا

ضحى أحمد
سورية
قصة قصيرة

الصوت الظل

استفاقت المملكة كحسناء ثملة مغمضة الأجفان من دموع الخريف المتقدم كطائر مهاجر.
أشعة الصباح الأولى تسللت الحجرة الملكية بخفر وحياء.. فاستفاق سيدها مجللا بصداح الطيور ورائحة الزهور البرية التي يحب.
وقف على الشرفة وكأنه يتفقد أمرا..ربما حلما مازال عالقا على أجفانه.. وربما هزيمته القاسية مازالت تحز سكينها على رقبته وأعصابه وتقوض أسوار عرشه.
كيف سيواجه رعيته بعد أن أخذ أبناءهم إلى حرب خاسرة خاضها إكراما لرغبة السطوة في نفسه لا أكثر.
وهاهي أحلامه تعود مهزومة كليمة ملطخة بدماء الجند وعار الانكسار..هكذا هجست نفسه الآيلة للانهيار وأفرزت روحه زفرة طويلة صارت أنة أعقبتها أنات.
الحياة مازالت تزخر باللؤلؤ المنثور على الأعشاب الندية وأوراق الأشجار المتألقة كأقمار تتهاوى.. فتبعث في النفس سكينة ورغبة للخروج من مقصلة الكآبة.
لم يمض أكثر من لحظات حتى أسرج فرسه وامتطاها قاصدا السهوب الممتدة كأرجوحة طفولة لا تشيخ.
بدا النهر ماسا متدفقا فوق الصخور الملساء فيتطاير من رذاذه نوارس وحمائم ودفقات شجون.
وقف يتأمل الطيور المحاذية للأفق عبر أسراب الهجرة الأزلية خالها تأخذ قلبه معها إلى مدائن الحنين والعبق.
إحساس بنشوة مختلفة بدأ يسري في عروقه.. لابد أن للحرية مذاقا مختلفا، فإنها المرة الأولى بعد أسوار التاج يخرج إلى الحياة لا يمتشق عرشه على كتفيه بكل حاشيته وأكاذيبهم.
بدا الفلاحون غير مكترثين إلا لرائحة التراب البكر والمواسم القادمة.
وقف هناك قرب صخرة كبيرة أشبه بملاك الغابة الحارس والأشجار تطوقها بأسطورة شرقية.
لا شيء يعكر هدوء المكان غير صوت فلاح غاضب يحاول إخراج حماريه العالقين في الطمي..يشدهما يمينا.. يقودهما يسارا.. يدفعهما للأمام.. يجرهما للخلف.. ينهال عليهما ضربا وكل ذلك دون جدوى وكأن الوحول أخذتهما قربانين.
اضطرب الفلاح أمام ورطة لا يعرف لها مخرجا ولا تلوح لها نهاية..وقال بصوت مكسور: – لا بد أن الهلاك عاقبة نهاري ، وغابت أحلام الحصاد بعد موسم وفير و حراثة جيدة.انتظر الملك نهاية المشهد الذي بدا سيرياليا إلى حد ما حتى إذا ما استبد به الضجر و أمل في نهاية صاح بالفلاح زاجرا: _ أخرجهما يا هذا يكاد الموت يطوق عنقيهما.
بدت هذه الجملة شرارة بارود على بيدر اليأس اليابس فرد الأخير حانقا: _ وما شأنك أيها المتطفل الثقيل؟
_ أهكذا تخاطب مولاك؟
أجاب الفلاح ساخرا: – متطفل ومجنون أيضا..ألم تختر سوى الملك لتتقمص شخصيته؟
اغتاظ الملك وقال متحديا بعيني صقر :_ سترى أيها الوغد من منا المجنون؟
اصطكت أوصال الرجل من وقع الصوت وارتجف أمام أقدار تلاعبت به ووضعته في شرك لا فكاك منه فقد أصبح والحمارين في طمي واحد بعد تهديد بدفنه معهما في تربة النهر إن لم يخرجهما سريعا.
استدار يمينا..نظر شمالا..وراح يفكر كيف ينجو من براثن هذا الغاضب..ولأن للحياة بقية وللروح حلاوة..لمع في رأسه بريق أمل بالنجاة .
فقال بصوت يشبه الهمس: – يبدو أن لا سبيل لنجاتي غير إخبارك الحقيقة.
– فلتقل بسرعة
– هذان الحماران أتظن أنهما غارقان خطأ يا مولاي، الحق أني أنا من فعل ذلك عمدا.
– أيها المعتوه كفاك حماقات ولتخرجهما سريعا وينتهي الأمر.
_ الصدق ما أقول يا سيدي..إن الحمارين هذين من سلالة نادرة من الحمير..وإني زرعتهما لأنهما سيثمران مخلوقات تشبه البشر إلى حد بعيد.
وكغريق وجد قشة في عاصفة هوجاء..تلقف الملك المهزوم كلام الرجل وراح الأمل يزهر في مملكة لا تغيب عن حدودها شمس ولا يحدها حد ولا يجرؤ على هيبتها مخلوق.
هاهو يخوض الحروب لأخذ الثأر من الأعداء الحاقدين وكل ملوك الأرض وسلاطينها تقبل قدميه خوفا على رؤوسهم من سطوته وجحافل جيوشه المنتصرة أبدا.
أبناء مملكته ملأوا الأصقاع وتوجوه اسكندرا على قلوبهم وعرش بلادهم إلى زمن لا يعرف نهاية أو نفاد.
في موسم الحصاد وقف الملك مزهوا آملا بحصاده العجيب.لكن دهاء ثعلبيا لمع في عيني الفلاح قبل أن يجيب بثبات:_ كن صبورا يا مولاي فهذه الثمار ليست كغيرها ولا يمكن أن تجنى بهذه السرعة.
فيقفل الملك على أحلامه ويزرع في الأفق زنبقة أمل بحصاد لزمنه القادم ، وقد أثمر حماراه مخلوقات تشبه البشر كثيرا لكنها استبدلت نهيقها بتصفيق يملأ الأجواء.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى