خاص بمسابقة القصة القصيرة
الكاتب: مهند رشك حوشي
بغداد- العراق
الضمير والمشاعر
حَبَسَ ضمير الإنسان مشاعره المفجوعة بيومياتها مخاطبا إياها:
– عندما التقيتك في أول مرة أدركت أننا نتشارك بصفة ما فلم استطع الحؤول دون لقائك.
فقالت له مشاعره:
– كلانا بقدر واحد ومخيلة واحدة.
تقدم نحوها ببطء ومسك بكفه الأيمن خصلة من شعرها وراح يجره مؤنباً إياها قائلاً:
– أضرم النار في أروقة الحياة ولازلتِ تتسكعين في فناءها…
ومن ثم سألها بلهجة عنيفة:
– ما ذا جرى لكِ؟ أجننت؟
أجابته وهي تتألم من جره لشعرها الكثيف قائلة:
– تشاجرت مع خوالج الآخرين وأصبتُ بجراح, لكن لا تقلق فالأمر ليس بالسوء الذي عليّ, فما زلتُ مفعمة بالطاقة. إلا اني أعجز العيش على هذا النحو.
قال لها ومازال يضغط بكفه الأيمن الممسك بخصلة من شعرها:
– أما أنا فمنهك طوال الوقت. وأنتِ لم تحسمي أمري بعد, لا شيء سوى الهواجس والانفعالات في حضرة مناجاتي, ثم أفلت كفه من شعرها وجلس على كرسي خواطره في غرفة الحوار مع الذات وبسط يديه على طاولة الأيام صوب مشاعره وقد جلست قبالته متألمة.. نظر إليها بعينين غائرتين في محجريهما نظرة متيم ما لبث أن عدلها إلى نظرة ازدراء..
تساءلت المشاعر:
– ما بك؟
أجاب الضمير: لا شيء البتة.
فسألته:
– عبثتُ بذهنكَ قليلاً؟
أجاب:
– تخطيتُ ترهاتكِ, لن آبه بها مجدداً.
قالت له تعاتبه:
– لا تتدعي أنك ترى كافة الثغرات في هذه الترهات.
علق على كلامها ممتعضاً:
– خففي عليّ من وعظكِ, فقد سئمت من خوالجك العشوائية المتناثرة.
قالت بحزم:
– كفى تظاهراً
وقال لها:
– كفى تبجحاً!
سألته:
– لم لا تزيح اللثام عن وجه عزائمك الحقيقي؟
أجابها متذمراً:
– مزاجي ليس مؤاتياً؛ بسبب مخيلتك الخصبة.
– تَحلى بالصبرِ قليلاً! فالصبرُ يحمي النفسَ الحزينة حتى تفيءَ إلى السكينةِ.
تأوه الضمير بأنين حسرته قائلاً:
– سأصبر حتي يعجز الصبر عن صبري, وأصبر حتى يأذن الله في أمري, سأصبر حتى تعلم مشاعر إنساني أني صبرت على شيء أمرّ من الصبر.
شكت له حالها بنبرة غاضبة متسائلة:
– وما عساي أنعت حاضراً يصطلي بنيران ماضٍ مستعر, وأنت تحبذ الوحدة في الفؤاد.. ألا يعنيك حاضِرَيّنا وأجَليّنا؟
أجابها:
– أسلوب الحاضر الوهاج فريد ذو خلاصة كيدية, لكنه لا يجسد الحتف الأمثل لإنساني.
فعلقت بقولها:
– كلام معسول, لكنكَ ما زلتَ وستبقى تَكلُ من حنقي وهو يستصوب فذلكة الحاضر الخشبي.
أرجع رأسه إلى الوراء وقال واثقاً من نفسه:
– سأحاول أن ألملم حياتي الخشبية هذه من جديد برفق وسلاسة.
قالت له تجادله:
– خشب الحياة أضحى لبه جافاً هشاً يلمع ماء العفونة فيه كلما أمطر عليه الأثير بالأقدار.
فقبل جدالها بتعليقه على كلامها:
– لكن لمعان الماء المصيري يبعث السرور.
جادلته ثانية بقولها:
– لمعان الماء الآسن لا يبعث سروراً.
أفحمها بجوابه قائلاً:
– يتراءى في آخر المطاف ماءً, وقد جُعل منه كل شيء حي.
امتعضت من جوابه وقالت تسخر منه:
– اقتباس يسبغ عليه طابع التصالح مع النفس.
ابتسم في وجهها وهو يقول:
– كوب ماء منه قد يفي لهذا الغرض.
هدأت المشاعر قليلاً, وقالت له بإحباط شديد:
– قدرنا قاس.. مجهول.
فقال لها بكياسة:
– شتى المشوقات والغرائب يقتحمها قدر خاص بها وإن كان ليس مشوقاً.
عاد إليها غضبها من جديد فقالت له بتشنج:
– تبرير أحمق ولن تصل إلى المراد.
فقال لها معاتباً:
– إذن أمسى ما بيننا استيعاب فقير لمغزى الحياة وبحاجة إلى من يوضحه لنا بلباقة.
قالت بيأس:
– تنعدم الشفافية بيننا ولا ننعم برفقة الغيب, فما نبصره لا يعدو كونه بعض الخردة اللاشعورية فقط.
علق على كلامها متيقناً:
– لا يأت شيء من فراغ, فاللاشعور يسبق الشعور كذاك التململ يسبق الصحوة.
فجأة هدأت المشاعر أمام تأنيب الضمير, فقالت له بيقين الحكمة:
– يجب أن لا نحكم على كتاب الحياة من عنوانه.
نهض من مكانه وانحنى يربت على كتفها وهو يقول:
– أتفق معكِ, وعلينا سوية استيعاب ما سنقرأه منه.
ثم مد إليها يده ليصافحها.. صافحته وقالت له:
– يجب أن تبقى مستيقظاً.
فقال الضمير لها: وأنت يجب أن تبقي في حراكٍ قريب مني.
– اتفقنا.
قالت المشاعر. وشرعا سوية بقراءة كتاب الحياة بسلام.