ط
مسابقة القصة القصيرة

الطاولة ..مسابقة القصة القصيرة بقلم/ جهاد زهرى من الجزائر

الطاولة /بقلم جهاد زهري من الجزائر
قصة قصيرة
**********************
صِراعُ أربعينَ عاماً مع نفسي ،مع حَزَنِ أيَّامي أوصَلني الى هُنا ،يا سودا حظي ،ما أتعَسني
السَّقفُ خشب طاولةٍ تحيطُ بي أرجلها ،في الجهة اليسرى الى الأعلى قليلاً شيءٌ من الضَّوء يخترقُ النَّافِذَةَ المِسَاحة أصغَر من ان ألتَفْتَ الى الجِهَةِ الأخرى بحريَّةٍ ،جُثَّتي أيضًا لا يليقُ بِها ضيقُ المساحاتِ،ضخامَتي ترهقني لأوَّل مرَّةٍ
لا أحسّ بشيءٍ ،وحتَّى الخَجَل الذي عانيت منهُ ومن آثارهِ على وَجهي ،لم يحدُث معي ،أحسّ بالدَّم ينفَصِلُ عن عروقي،ضرباتُ قلبي من تسارعها صارت ضربَةً واحدةً مستمرَّة على خطّ طويل ،ارتعاشَة في جَسدي ،الريقُ ابحثُ عنهُ كانني في صحراء ،أظنّ أني سيجفّ حلقي بعد قليلٍ ،أظنني لن أموتَ فالموتُ يعني الرَّحمَةَ مما هالني الآن
،لم أر وَجهَها جيّدًا في بداية الأمر،آخر ما أردتُ أن أراه ،وليس من عادتي سيَّارة الأجرة التي ركبتُها هي من ساقني بطريقَةٍ او بأخرى الى هنا تَحتَ… الطاولة!
كنت ا نتصف المَقعَدَ بينَ راكبين ،الذي بيميني شيخٌ كبيرٌ طاعنٌ في العمر ،لا يُدرك من أمرهِ الاَّ القليل رأيتهُ جيّدًا وهو يفتَحُ الباب ويلج السيَّارةَ ،رميتُ بيدي اليهِ أساعده على الركوب،أغلقتُ الباب بدلاً عنهُ
-الله يخليك لشبابك يا ولدي ،الله يرضى عليك
ابتسمتُ
-آمين…بغير مزيَّة يا عمي
حينَ ركبتُ كانت هناكَ قبلي ،لم أر الاَّ سوادَ عباءتها ،وشيء من الصّفرة اللامعة عليها ،لم أكترث كثيراً في البداية
لم أكن مرتاحا أبدا ،بجثَّتي الكبيرة بين الشيخِ وبينَها ،الحرارة شديدةٌ جدًّا ،هذا ما أشارت اليهِ وهي تقول لي ذلك باستياءٍ
-اووووف السّخانة تقتل
لم التفت ادَّعيت أني لا أسمعها ،أصلاً أنا “همّي يكفيني” ،كنتُ متوَجّها الى العمل ،وأيّ عَملٍ ….تَنتَظرني شاحنات كثيرَةٌ لانزل البضائعَ منها ،لم أنم طول الليلِ
قلتُ في نفسي
-النّساء لا عَملَ لَهُنَّ الاَّ التَّذمّر والاستياء ،لا يعجبهنَّ العجب ،لا البردُ لا الحرارة ،ثمَّ هي بجثتها التي تُقارب جثَّتي كان الاولى بها أن تَمكُث بالمنزل ،ماالذي أخرجَها
كان ذلك قبل ادّعائها انَّها لم تستطع فتحَ زجاج النَّافذة
-“خويا الله يعيشك دير مزيَّة حلّ لي الكارو رايحا نموت بالفَدّة “
لم أهمس ببنت شَفَةٍ
لكنني وأنا أمرر يدي نحوَ المقبَضِ لافتَح زجاج النافِذَةِ لامَسَت نَهدَها ،تحسَّستُهُ دونَ أنْ أدري،أرجعتُ يدي بعدَ ان فتَحتُ زجاج النَّافِذَةِ ،تظاهرت أنَّها تنَفَّست الصّعداء
-شكرا لكَ
-أومأتُ برأسي ايجابا ،لم اقل عفوا ،لا شكر على واجبٍ كما ينبغي ،فقط أومأت براسي ،دونَ حتَّى أن أنظر اليها ،لازال طعم ثواني من نهدها الايسر في يدي ،لازالت يدي دافئةً ،احمرار خفيف على وَجهي رغم الحرارة التي اجتاحته ،لاحظتُ هذا على المرآة المقابلة للسائق ،ورأيتُ ايضًا أنَّها تُحَدّقُ اليَّ بطريقَةٍ غير فاضِحَةٍ ،كنتُ البسُ نظارتي السوداء لا تظهر عينيَّ لكني كنتُ اراقبُ كلّ شيءٍ
رغم أني لاحَظتُ ذلكَ فانا أجبَنُ من أن أذكر وَجهها ،فالتَّرَدّد الذي يتملكني يمنعني من اعادة النَّظر اليها …
كيف وَجهها؟
ما اعرفُهُ أنَّه ابيضُ ،لايهم،سيكونُ نَهدها كذلكَ ايضًا،لم اذق طعم نَهدٍ في حياتي ،لم اعرف احساس ملامسته بيدي ،لطالما حلمتُ بذلكَ ،لكنّي لم اسعَ أبدًا اليهِ ،اربعونَ سنَةً دونَ نهدٍ ،دونَ قبلةٍ من امراة ٍ ،اربعونَ سَنةَ لازلتُ بعذريَّتي ،الاَّ روحي التي انتُهكت مِنها منذُ اربعين سنَةً
تبَّا لكَ يا ابي-قلت-
لا أدري كيفَ خَرَجت ترى هل سَمعني أحَدٌ ؟
عَفواً هل قلتَ شيئا ؟-قالت-
-لا أبَدًا
ان كانت الريحُ التي تدخل عبر النَّافذة أزعجتكَ فلا بأسَ أن تُغلقَها مرَّة اخرى
لا أبدا ما في مشكلة
بلى أحسست انَّك انزَعجتَ من هذا تفَضَّل اغلقها
وكأنَّها تريدُ ملامَسَةً أخرى،لا أفَكّر الآن بطريقَةٍ سليمَةٍ يحدُث معي هذا دائما حين أركَبُ بجانب امرأةٍ في سيارات الاجرة المُختلفة
لا يريدُ تزويجي ،يظنّ أني ابلَه ،أو مَجنونٌ ،لا أستطيعُ أن اخالفَ لَهُ أمراً ،لكنّي لستُ شاذًّا ابدا ،اريد نهدا ،جسدا لطالما اغرقت نفسي في تلك العواطف الجيَّاشة ،كأني اعيش فيلما مصريا رومانسيا قديما ،
امُدّ يدي الى مقبض النافذة كي اغلقها ،ليس هذا ما اريده ،ينحرف السَّائقُ لا أدري بما اصطدمَ ،كانت لتكونَ سوء خاتمتي ،لكنَّها كانت بدايةً لشيء ما لا اعرفُ نهايتَهُ
سأعرفُ في وقتٍ متأخّر أن تحت الطاولة تموتُ الأغاني كلها بجسدي ،
لومتّ لم أكن لابالي ،انحراف السَّيارة أشعلني أكثر وأكثر ،التصَقَ وجهي بوجهها قبلَ أن يعيدها السَّائق الى مسارها الصَّحيح ،كدنا نموتُ لم اكن ابالي ،أظنها مثلي أيضا ،التقى نفسانا ،رأيتُ وَجهها جيّدًا ،أحسست بهِ لامس وجهي
توقَّفت السَّيارة ،نزل الجميعُ ،نزلتُ من جهتها التي نزلت منها أيضًا،احمرار وجهي لازال يرهقني
لحيتي التي عند التَّصادم تركت اثرا على وَجهها
ابتسمتْ،لحيتك خشنة جدًّا -قالت-
زاد احمرا وجهي
مضت في طريقِها ،وكنتُ أحسب أني سافعل ايضا لكنّي سأكتشفُ فيما بعد ان طريقنا سيكون مشتركًا
الطريق الى الطاولة !
تُهتُ في اللحظَةِ التقف نفسي ،أحاول ذلكَ جاهدا ،لا استطيعُ ،أريدُ أن انجو ،إختبار شديدٌ …لا أحب الإختبارات لطالما كنتُ فاشلاً بها…يلوحُ وجه ابي من العَدَمِ مرَّةً أخرى يخبرني كعادته اني فاشلٌ كبير ،وأنه حينَ أنجَبني يكونُ قد أنجب فشلاً ذريعا ،أبي يدرك ما يقولُ ،يعلم كلّ شيءٍ ،وليس لشيء الاَّ لانَّه ابي ….تبا لكَ يا ابي
أمي ايضًا تقول كذلكَ”مثله” ،لا تَشُكّ بكلامهِ ،أشهَقُ …زفيرٌ طويلٌ،رجل تريد الذهاب الى العَمل ،الرجل الاخرى ترفُض رفضا قاطعا …..
لا شيءَ من العالم يبدو جلًّيًّا الانَ ،كلّ شيءٍ يتمايَلُ بها ،مؤخرتها ألغت كلّ معالم المكانِ الذي يحتويني ،ارفَعُ بصري عنها ،أحاول التَّجاهل َ لا أستطيع ،اعيده مُجَدَّدًا ،تمايلُ جَسَدِها الانَ صار تمايل كلّ رغباتي التي طالما اجَّلتها لوقتٍ لا أعرفُه ،أسحبُ رجلي التي تابى الذهاب اليها ،ارغمها ..العنها بيني وبين نفسي ،اضمّها الى الأخرى،أمضي اليها كمن يمضي الى حتفِهِ الأخير المثشتهى ،كمن يمضي لأوَّل موتٍ جميلٍ ،تدور الأرضُ من حولي ،مرَّة أخرى أشهق ثمَّ زفير طويلٌ في محاولة لاستعادةِ توازني الذي لم يعد بامكانه التَّوازنُ ،أمسحُ قطرات العرق المتهاطل على جبهتي ،اقترب منها،تستديرُ تبتسم لي بخبثٍ واضِحٍ …تتسارعُ خطايَ ،اصل اليها …لا أذكُر شيئًا …يقول أبي أني أكبر فاشل بالعالم!
حَصل كل شيءٍ بسرعَةٍ فائقَةٍ ،وجدتُ نفسي أتبعها من بعيدٍ أرقبها وكأني لستُ معها ،وكأنَّها ليست معي لا يعرف احدنا الآخر قد اتَّفقنا على هَذا…لا افكّر الاَّ بجسدها ،في كلّ الرَّغبَةِ التي ستنفَجر بعد دخولي الى المنزلِ ،لم افكر في شيءٍ آخر وحتَّى العمل نسيتُه ،أغلقت الهاتف الجوَّال …ليَذهب العمل الى جهنَّم.
هاهي الآنَ امامَ البناية،تسبقني بالدخول ،أنتظر قليلا من الوقت ِ،أدخل البناية أصعَدّ الدَّرجَ ،بحذر شديدٍ حتَّى إذا وصلتُ الطَّابقَ الثاني أسمَعُ همسًا،أسرع نحوَهُ ،الجُ …اغلق الباب بسرعَةٍ أستديرُ اليها ،التقف انفاسي
تُسرعُ الى المَطبَخِ تسقيني ماء باردا ،كل شيء سيلتهب داخلي ،لا شيء سيطفئ ناري التي تتأجَّجُ ،وأنا أُسكب ما في الكوبِ من ماءٍ في حلقي ،تراءى لي جَسَدُها أنتَبهُ أنَّها غيَّرت ثوبَها ،لا عباءة تستُر التَّمايلات التي غيَّرت مسار اليومِ ،سأعرفُ بعد لحظاتٍ أنَّها أرسلت بي تَحتَ الطَّاولة ؟
ليس كلّ ما يحبّه المرء يُدركُهُ !
شعرُها المُتماوجُ ،وجهها المُستَديرُ كقمرٍ بقلب السَّماء الصَّافية ،عيناها ،مَدّ …جزر بروحي ،نَهدُها النّصف عاري ،ابيض بلون خيبتي …ابدا لم يطل وجهُ ابي الآن ،اتحدَّاه لو يستَطيعُ ذلكَ،قوامها الذي يشبه كمنجى تنتَظر بيتم ،بلهفة عازفا يضمها اليه ويعزفَ …ويغرق
أنهيتُ شربَ الماء ،ناولتها الكوبَ،أمسكها من يدها قبل ان تهمَّ بإرجاعه الى المَطبخ،ادرتها نحوي بعنفٍ جارفٍ برغبة أربعينَ سنة ،أقربها مني ،أشدّ على خصرها ،يختلط نفسانا ،أنظر الى شفاهها ،لابدَّ أنني اقترب من الحلم أكثر وأكثر لازلنا نقف أمام البابِ
يرنّ جرسه
لا أدري كيفَ دَفَعتها كادت تَسقُط ،لا اعرف الان كيف أتصَرَّف،أجدني بحيرة الأرض اقف مَدهوشا ،خائفًا ،
أسرع ادخل الى المَطبخِ
أعطتني الكوبَ ،امسكتهُ ،هرولت نحو المَطبخِ وَضعتُ الكوبَ على الطاولة،بحثت عن مكانٍ أختبئ فيهِ ،النافذة في الطابقِ الثاني ،لا أستطيع أن ارمي بنفسي من خلالها،دونَ حتَّى أن أدركَ ما حدثَ وَجدتُ نفسي تحتَ الطَّاولة
أخرجت ورقةً من جيبي ،قلما
-هل تصدقونَ هذا -؟
أكتب الآن القصَّة كاملة من هناكَ
السَّقفُ خشب طاولةٍ تحيطُ بي أرجلها ،في الجهة اليسرى الى الأعلى قليلاً شيءٌ من الضَّوء يخترقُ النَّافِذَةَ المِسَاحة أصغَر من ان ألتَفْتَ الى الجِهَةِ الأخرى بحريَّةٍ ،جُثَّتي أيضًا لا يليقُ بِها ضيقُ المساحاتِ،ضخامَتي ترهقني لأوَّل مرَّةٍ ……

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى