ط
مسابقة القصة القصيرة

العصر ..مسابقة القصة القصيرة بقلم /محمد رشاد حسنين من مصر

العصر – قصة قصيرة
مسابقة القصة القصيرة
مهرجان همسة للأداب والفنون

محمد رشاد حسنين
الأسكندرية – مصر

العصر لا يزال يخيم على الأجواء، والشمس تأبى الرحيل، وعبر موجات الراديو المجاور لسريره جاء الصوت، صوت جاد: هنا القاهرة .. الساعة الآن العاشرة!

حتى الملل من الروتين أصبح في حد ذاته روتينيا، كل الأيام كادت تشبه بعضها بعضا، لدرجة أنه كثيرا ما يعصر رأسه ليتذكر تاريخ اليوم، في الصباح يستيقظ، إلي عمله يذهب، نفس الأشخاص، نفس المهام، نفس المكتب، نفس السيارة التي تنقله من منزله إلي مقر عمله، ثم تعود لتنقله من مقر عمله إلي منزله، وكأنه في دوامة، دائرة تدور، وما أن تكتمل دورتها، حتى تبدأ دورة جديدة، وكأنها الأرض تدور حول الشمس، فيصيبها الدوار، فتدور حول نفسها.

عاد من عمله مرهقا، كانت عادته بعد عودته أن يلقي جسده على السرير لساعة، ساعة واحدة، يخطفها كل يوم بعد العصر، ليستمد القوة على استكمال يومه، والعمل لفترة مسائية، لولا العمل لفترة مسائية ما كان ليقدر على سد حاجاته وحاجات زوجته وولديه التوأم الذين لم يكملا بعد عامهما الثالث، ولكنه اليوم في أجازة عن الفترة المسائية، ويشعر بارهاق شديد، يود لو أن ينام حتى صباح الغد، وما المشكلة في أن ينام حتى صباح الغد؟ أغلق هاتفه المحمول، وأوصى زوجته بألا توقظه إلا في الصباح، فهو يشعر بارهاق شديد، ويريد أن يذهب إلي سبات عميق.

ومن السبات العميق استيقظ، أحس بأنه قد نام لساعات طوال، ورغم ذلك مازال وقت العصر يخيم على الأجواء، أمِن المعقول أنني قد نمت لأربع وعشرين ساعة؟ سأل زوجته : كم لبثتُ؟ قالت: لا أعلم، كيف لا تعلمين؟ أقول لك كم لبثتُ؟ كررها ثلاث، لم يحصل سوا على نفس الاجابة: لا أعلم، وفي الثالثة زادت: لقد فقدت الاحساس بالزمن، لقد حاولت ايقاظك أكثر من مرة لأخبرك، استمع إلي نشرة الأخبار لعلك تفهم ما لا أفهم.

وعلى القناة الاخبارية المفضلة إليه استمع إلي الخبر الذي لا يصدقه عقل كائن بشري في القرن الحادي والعشرين: هذا وقد توقفت ساعة جامعة القاهرة، وساعة بيج بين بلندن، وساعة مكة، وساعة هوتيل دي فيل بباريس، وكذلك توقفت ساعة قاعة المدينة بفيينا، وساعة الميدان الأحمر بموسكو، وساعة برج السلام بكندا، كما توقفت جميع الساعات الخاصة بالأفراد والمؤسسات، وقد مرت ساعات طويلة، دون أن يتحرك قرص الشمس بالقاهرة إلي مغربه، ولا يزال نور الصباح يخيم على نيويورك، ولازالت بكين في مساءها، ولقد أعلن العلماء بالهيئة الدولية لدوران الأرض والنظم المرجعية وهي الهيئة الدولية المسئولة عن مراقبة حركة دوران الأرض ونظام التؤقيت العالمي، أعلنوا عن ظاهرة جديدة، لم يشهدها العالم من قبل، وأطلقوا عليها ظاهرة .. توقف الزمن، وقال مسئولوا الهيئة في مؤتمر صحفي أن سبب الظاهرة غير معلوم حتى الآن، وأن العلماء عاكفون على دراستها.

أحس بدوار يعصر رأسه، نظر إلي ساعته الشخصية، نظر إلي ساعة الحائط، أعاد تشغيل هاتفه، كل الساعات تشير إلي الرابعة، وعقرب الثواني لا يتحرك، أخذ يتنقل بين القنوات الفضائية، الاخبارية منها والتجارية، كل القنوات تتحدث عن حدث واحد، توقف الزمن، ما علاقة توقف الزمن بتوقف الساعة؟ إن كان ارتباطهما غير معقول، فإن حدوث أي منهما أولى باللا معقول، اتجه إلي جهاز الكمبيوتر، تصفح شبكات التواصل الاجتماعي، البعض يستغرب، البعض يسخر، الصفحات الدينية تعرض مقاطع فيديو لرجال دين يشيرون إلي اقتراب ” الساعة “، عدد كبير من الصفحات الساخرة، كثير من التعليقات الأكثر سخرية، أحدهم يقول : يبدو أن الأرض قد تعبت من الدوران، فقررت أن تستريح قليلا، وأخر يقول: الحمد لله إن الساعة وقفت بعد العصر، كان زمانّا محبوسين ف المدرسة، وآخر ينشر مقطع فيديو عن أغنية مأخوذة من المسلسل المصري«الليل وآخره» قال إن كلمات الأغنية مهداة إلي الشمس، تقول كلمات الأغنية:

«يا شمس يا منورة غيبي، وكفاية ضيـّـك يا حبيبي، ووَدي يا ليالي وجيبي، ولا ألاقي زيـّـك يا حبيبي»

لم تدم دهشته طويلا، وربما قد دامت، فلا أحد يشعر بالزمن، جلس وحيدا، يحاول تصفية ذهنه، والتفكير في الأمر بعقلانية، أي عقل يقبل هذا؟ هل هذا حلم أم علم؟ إنه أمر واقع، وليس بيده شئ سوا أن يستسلم لهذا الواقع المرير، ولكن لماذا هو مرير؟ لماذا لا أحوله إلي واقع سعيد؟ لماذا لا أتكيف مع الواقع وأحاول أن أجعل هذا الواقع يعمل لمصلحتي؟ فالانسان منذ نشأته وهو يحاول أن يُكيّف الظروف، كل الظروف، إذإ كان الزمن قد توقف، وإذا كانت الشمس تأبى الرحيل، فلأستغل هذا الحدث، ولكن كيف أستغله؟ كثيرا ما كنت أعاني من أنني أدور في دوامة، لا أشعر بالزمن، ولا أستمتع بالحياة، فها هو الزمن قد توقف، بامكاني الآن أن أفعل الكثير، كثير من المهام المؤجلة قد حان وقتها، أما تلك المشكلة فلها أهلها، الذين سوف يفكرون فيها، حتي يجدون لها حلا، العلماء هم الأشخاص المنوط بهم حل تلك المشكلة، لقد عَمِل هؤلاء العلماء لعشرات السنين، لكي يوفروا لنا الحياة التي يعتقدون أنها الحياة المريحة … السهلة … السريعة، اخترعوا الكهرباء، والسيارة، والطائرة، والراديو، والتلفزيون، والفضائيات، والانترنت، اخترعوا كل شئ يجعل للحياة رتما سريعا، كدنا بسببه لا نتذوق طعم الحياة، لقد حارب العلماء الزمان، فأعلن الزمان الحرب عليهم، لقد أسموه عصر السرعة، فأبى العصر أن يتحرك، فليُكملوا هم الحرب، ومن أحضر العفريت فليُصرفه.

يقولون أن الوقت الحلو يمر بسرعة، ولكن هذه المرة الوقت الحلو لا يمر، لم يجلس مع زوجته وأولاده منذ زمن، اليوم قد جلس، ذهبوا إلي السينما، وإلي الملاهي، تناولوا الغداء معا في مطعم على النيل، زاروا كل الأقرباء والمعارف، جلس مع كل أصدقائه، استمتع كثيرا، وما زال العصر يخيم على الأجواء، وما زالت الشمس تأبى الرحيل، كل ما كان يضايقه هو ذلك الزحام الشديد في القاهرة، يبدو أن كثيرا من الناس قد فعلوا مثله، إلا إنه تناسى ذلك الزحام، وقال لنفسه: منذ متى كانت القاهرة غير مزدحمة؟!

عاد إلي منزله، شغّل جهاز التلفزيون، ليشاهد البرامج الحوارية «توك شو» ليتعرف على مستجدات الأوضاع، لقد قرر العلماء أيضا الاستسلام للظاهرة الجديدة، لجأوا إلي حل مؤقت، ساعة ايقاف «ستوب ووتش» تبدأ في العمل ليتحرك الزمن، فإذا كانت الساعة الآن في القاهرة الرابعة عصرا، وفي نيويورك التاسعة صباحا، وفي بكين العاشرة مساء، فلتبدأ ساعة الايقاف في العمل، وبعد مرور ستين دقيقة، فلنعتبر الساعة في القاهرة الخامسة مساء، وفي نيويورك العاشرة صباحا، وفي بكين الحادية عشر مساء. إن ذلك الوقت الظاهري يتنافى بالتأكيد مع الوقت الحقيقي، لكنها الحيلة الوحيدة التي باليد، لضبط مواعيد العمل والراحة والنوم. هناك مشكلة أخرى تواجهها دول الشرق الأقصى مثل الصين واليابان، تلك الدول التي كان من نصيبها أن تقع في نصف الكرة المظلم لحظة توقف الزمن، تتمثل مشكلة تلك الدول في كم الطاقة الهائل التي ستحتاج إليه لانارة الطرق والبيوت، وتشغيل المصانع والمعدات، ولقد وعدت الأمم المتحدة تلك الدول بمساعدتها للحصول على جزء من الطاقة التي ستحتاج إليها و ………

أغلق جهاز التليفزيون، وتوجه إلي غرفة نومه، العصر لا يزال يخيم على الأجواء، والشمس تأبى الرحيل، وعبر موجات الراديو المجاور لسريره جاء الصوت، صوت جاد: هنا القاهرة .. الساعة الآن العاشرة مساء، من المفترض أن تكون العاشرة مساء، حان وقت النوم، أغلق جهاز الراديو واستلقى على السرير، فقد كان يشعر بارهاق شديد، فذهب إلي سبات عميق .

ومن السبات العميق استيقظ، أحس بأنه قد نام لساعات طوال، توجه نحو الشرفة، فوجد نسمات الصباح تُلقي عليه السلام، والشمس في طريقها نحو الشروق، هل كان هذا حلم؟ شغـّل جهاز الراديو، وتوجه نحو الحمام ليغسل وجهه، وعبر موجات الراديو، جاء الصوت، قرآن الصباح:
«لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ، ولا الليل سابق النهار ، وكلٌ في فلكٍ يسبحون» .

 

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى