المسرحية بعنوان : ” الفضيلة ”
تتكون المسرحية : من فصل واحد
بقلم : شفيقة لوصيف
مدينة : قسنطينة / البلد : الجزائر
الهاتف : 0561865759
البريد : chafikaloucif @gmail.com
النص: ” الفضيلة “
الراوي : أن تعيشَ مخدوعا أفضلُ بكثير من أن تعيش مُخادعا ،و أن تكونَ مظلوما أرحمُ من أن تكون ظالما .تنظر من علياء ذاتِك الرحبة إلى مَنْ هم دونك و تبتسمُ. عارفا أن ثمة ربيعا لابد أن يأتي إلى كرمك ليحبل بين أوراقك .و خريفا لينضج عناقيدك .
المكان : فضاء واسع , على يمينه أوراق جريدة صفراء , و كرسي مرمي غير بعيد , و أثار أتربة تملأ المكان
تدخلُ الفضيلةُ في ثوب أبيض فضفاض ،لكنَّه متسخٌ، تُعصبُ رأسها في خمار أسود، تبدو عليها علاماتُ
المرض و أماراتُ الوهن .تحملُ مكنسةً بيدها و تكنُس الفضاءَ و هي تئن :
– …آ….آ….آ
يظهرُ شيخٌ مسّنٌ. قد أنهكت الأيامُ ظهره. ذو لحية بيضاءَ طويلة، يستندُ إلى عكاز أبيض، يقتربُ من الفتاة
باستحياء متسائلا :
– ما بِكِ يا امرأةٍ تئنين ؟ هل من علّةٍ تُعانين ؟
الفضيلة تكنس ودون أن ترفع عينيها عن الأرض تقولُ :
– إيهٍ يا شيخُ ..إني أعاني علّةَ العقوق.! فهل لك شفاءٌ لهذه العلّة ؟
يلتفُ الشَّيخ حولها وهو يستفهمُ قائلا :
– و مَنْ عاقك سوى شقيٍّ مغبون ؟! فمَن مِنَ العقلاءِ يستطيعُ أن يحرم نفسَه من وجه
صبوحٍ كوجهك ، و عينٍ حوراء مثل عينك ، و خدٍّ مورد يشبه خدك .؟ مَنْ المجرم في
حق نفسه. ذاك الذي يحرمُها من أن تتفيأ بظلال روحك و أن تسكرَ من عذوبة صوتِك ؟
تضعُ الفضيلةُُ المكنسة جانبا ، تعتدلُ، تُسندُ ظهرها إلى يدها اليُمنى، و ترفع اليسرى لتجففَ العرقَ المتصببَ
من جبينها و هي تقولُ :
– أتغازلُني يا شيخُ و أنتَ في هذا العمر ؟!
يرتبكُ الشَّيخُ ، فيلتفتُ يمنة ويسرة، و كأنَّه يستترُ من خطيئةٍ وهو يقول :
– لكنَّنِي معذورٌ ..
فأنا مأخوذٌ بالهوى.
و أميرتِي غيرُ النساءْ.
ما أنجبتِ السماء ُ.
ولا ستُنجبُ مثلَها .
هي في الحسنِ آيةٌ .
وفي العِشرة نورٌ وهدايَة ْ.
ثم يضيف و هو يتطلعُ إلى وجهها :
كأنَّني وجدتُها. بل أكاد أجزمُ أنّك هي. لولا حالُك البائسة . ( ثم بصوت أقلَّ خفوتا و كأنّه يحدث نفسه ):
– ألستِ أميرتي الفضيلة ؟!
الفضيلة :- ومنْ يكونُ سيدي ؟
يقفزُ الشيخُ من مكانه فرحا وهو يقول : يُوريكَ …يُوريكَ ..وجدتُها ..وجدتُ سيدتي الفضيلة .
ثم يعودُ إليها مستفهما :
– أخبريني يا أميرتي منْ فعل بكِ هذا ؟ و لماذا هجرتِ الدِّيار؟ أتعلمين من يومها و أنا أبحثُ عنك. فكم افترشتُ
الأرضَ من أجلك. والتحفتُ السماء بغيةَ لقائكِ . فيمَ مضيتِ ؟ و فيم أنتِ الآن ؟ و ما قصةُ العقوقِ ؟
يصدرُ عن الفضيلة سعالٌ حاد متتابع. تكاد تلفظ أنفاسَها معه. يمسك الشيخ بيدها. يسندها إلى كرسي مقابل و هو
يقولُ :
– : استريحي يا أميرتي .
الفضيلة بصوت ضعيف متقطع – :
– قصتي طويلة يا أبَتِي .لكن أخبرني منْ أنتَ؟؟
الشيخ – بافتخار – :
أنا الزمنُ ..أنا المشجب الذي يعلقُ النَّاس عليه خيباتهم . و أُشهدُ الله أني بريء منهم براءةَ الذئب من دم يوسف .
الفضيلة تسعلُ : أعذرني يا سيدي. فإنّ مُرَّ ما لقيتُه أنسانيك .
تظهر الرذيلة ترفلُ في ثوب أسودِ حريري. تضع قبعةً سوداء و تحمل مروحةً من ريش طبيعي ، تقترب من
الفضيلة و الشيخ و هي تستفهم بصوتٍ حنق :
– هل أنهيت عملك أيّتها الخادمة الكسولة ؟
تنتفض الفضيلة من مكانها. تحمل المكنسة و تعود إلى عملها، و هي لا تكف عن السّعال و قد أجابت :
– نعم يا سيدتي . لم يبق إلا القليل .
يتدخل الزمن، يلتف حول الرذيلة، و قد بدت على وجهه علامات الغضب، فيقول بصوت خافت لكنه لا يخلو
من السخط :
– أكاد أقسم أنك الرذيلة. لولا أثوابُ الحرير التي تلبسينها و قبعةُ الريش
التي تضعينها، و هذه النظافة ُالتي تختفين من خلفها .
الرذيلة بلغة التّكبر و الاستعلاء :- نعم أنا الرذيلةُ. و من تكون أنت أيّها الشيخ البائسُ؟.
ثمَّ تستدرك :لا تقل أنك الزمنُ .ذاك الأبله الذي يسعى دائما أن يكون خادما في مملكة الفضيلة ؟.
لكن ألَمْ يحن لك أن تعلن ولاءك لي؟. أما تراني قد سيطرت على العقول و سلبت
القلوبَ و سُقتُ الرجال في أغلالي ؟ ألن تعترفَ أنك خادمي المطيع ؟
الشيخ باستياء:- أقسم لأنك مغرورةٌ. أو تظنين ما أنت فيه من عزّ دائمٍ و من مقام خالدٍ ؟
ألمْ أعلمُك عبر صروفي أن مقامَك من مقام النِّعال و ألآً طمع لك في مقام التيجان ؟.
الرذيلة غاضبة جدًّا,تتجه نحو الفضيلة. تضرب برجلها المكنسةَ. تتهاوى الفضيلةُ على الأرض
تئنُُّ، ترميها الرذيلة بنظرات شماتة معجونة بحقد ، و هي تقول :
– أعلم أن هذه الماكرة قد لعبت بُلبِّ عقلك و نجحتْ في سلب قلبك .
الفضيلة تئن :….آ….آ….
الشيخ مدافعا عن الفضيلة :
– ابتعدي عنها أيَّتها الرذيلةُ. لن أسمح لك بمساس شعرة منها. واعلمي أنها أصبحتْ منذ اليوم في حمايتي .
الرذيلة تقول في مكر :- لا تخشَ عليها أيُّها العجوز.إنّما هذا من أثر الغبار .امضِ إلى حال سبيلك واتركها
(ثمَّ تلتفت إلى الفضيلة و تضيف): و أنت أيَّتها الكسولة لا تتظاهري بالضعف. فما زال أمامك الكثيرُ من الكنس.
الفضيلة تئن :-…آ….آ..آ..
الشيخ في حيرة : أميرتي ما بك ؟ ثم يلتفت إلى الجمهور مستنجدا :
– يا أيُّها النّاسُ الفضيلة تحتضر ! هل من رجلٍ رشيد فيكم ؟
يأتي صوت الرذيلة من بعيد :- ها ..ها …أضحكتني أيُّها الشيخ الأبلهُ .أما ترى الناس في شغل
عنك، و عن ثرثراتك؟
تمضي الرذيلة في طريقها. يتعلق الزمنُ بأسمالها راجيا إيَّاها :
– أرجوك أيَّتها الرذيلة لم يبق لي إلا أنتِ.لا تذهبي و تتركيني و حدي مع أميرتي. فقد تموتُ
بين يدي في أية لحظة.
الرذيلة تنفضُ برنوسها : يكفي هذا أخذتَ من وقتي الكثير .أما ترى – مشيرة إلى الجمهور –أنَّ
كل الجمهور في انتظاري .و أن الرقابَ تشرئبُ لرؤيتي ؟.
الفضيلة تئن و تطلب ماء:- ماءً ..أريدُ ماءً…
الشيخ يطرق الأبواب :- الفضيلة تحتضرُ ..هل من مغيث ..؟ ماء …ماء…نطلب ماء…
يظهر في الطرف الأخر مجموعة من التلاميذ يلبسون مآزر بيضاء مع بعض الأئمة و المصلحين على موكب
،يصارعون أمواجا عاتية و يهتفون:
– وا فضلتاه ..وا فضلتاه…
نحن قادمون ..قادمون ..
نحن أبناء الكتاب و السُنة قادمون ..
الراوي :حين توصد أبوابُ الأرض تفتحُ أبوابُ السماء.
و حين تشحّ يدُ البشر تغدقُ كف الإله.
لا يتفتق النورُ إلا من رحمِ الظلام .
و لا يولدُ الفجرُ إلا من أوصالِ الغسق .
الشيخ بصوت البشرى :- إنّه المطرُ …مطر …مطر …
يجمع الشيخ يديه المبسوطتين نحو السماء و هو يقول :
-اشربي أيَّتها الفضيلة ..اشربي يا أميرتي …
يلتف التلاميذُ حول الفضيلة، كما يلتف الأبناءُ حول الأم، و كلهم خجل مما ارتكبوا ، ووجل مما اقترفوا .
الشيخ :- أنظري يا أميرتي ..ها هم أبناؤك عادوا يعلنون ولاءهم لك وحدك ..
الراوي :
تفتح الفضيلة عينيها ،ترتمي في حضن الأبناء تضم تارة و تقبل أخرى ،و الأبناء من حولها يلثمون يديها .
يطلبون الصفح. و قد تقدم أصغرُهم ليلفعَ رأس أمّه بخمار أبيض حريري.
و بعد أن يساعد الأبناءُ الأم على الوقوف يخرون كلهم سجدا بين يديها، إعلانا عن ولائهم لها .فينحني الزمن
بدوره رضا عنها وامتنانا لبِرِّ أبنائها .
يسدل الستار
انتهى
بقلم : شفيقة لوصيف