ط
الشعر والأدب

الكذب ميزة عصرنا الحديث..بقلم / فاطمة البشيري من المغرب

فاطمة البشيرى
لو كان للكذب رائحة كريهة تفرز مباشرة عند كذب أحدهم على الآخر لما استطاع بنو البشر العيش في الكون من كثرة كذبهم و اجتهادهم فيه و كأنه شيء عادي لا بد منه ، لماذا نكذب و بإمكاننا قول الحقيقة بكل صراحة ؟ هل الحقيقة أصبحت جارحة إلى هذا الحد ؟ هل قول الحقيقة يوقعنا في مواقف لا نحسد عليها ؟ هل الحقيقة أصبحت مشكلة تورط صاحبها في متاعب هو في غنى عنها؟ هل الكذب أصبح فضيلة والصدق رذيلة ؟ هل الكذب ضروري في حياتنا و أصبح أمر واقع لا غنى عنه ؟ هل الكذاب أصبح مقربا والصادق نشاز يقلق تفكيرنا و يخلط الأوراق ؟ بل الكذاب أصبح يعيش بسلام و الصادق دائما ملام ، أمور كثيرة ابتعدنا عنها و بالتالي أبعدت عنا الرؤيا الصحيحة و الرأي الصواب لقد حرم الله سبحانه وتعالى في كل الديانات السماوية المسيحية واليهودية والإسلام الكذب ، قال تعالى في سورة غافر آية 28 :(ان الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ) و كذلك قوله تعالى في سورة الحج آية 30(و اجتنبوا قول الزور) صدق الله العظيم .

الكذب صفة مذمومة تقوم على تزيف الحقائق قصد تحقيق هدف معين قد يكون ماديا أو معنويا أو نفسيا ، ممكن أن يكون الإنسان الكذاب كذبه بسيطا و لكن التمادي و اختلاق الأحداث و الأقوال و تغيير الحقائق كالاتهام و الغش والسرقة و النصب و شهادة الزور إلى غير ذلك من المواضيع التي يجد فيها الكذاب مرتعا خصبا لاختلاق أحداث و أقوال و قصص ليس لها وجود على أرض الواقع يزرع التوتر و المشاكل و يضع حواجز بين أفراد المجتمع .
و الكذب يبدأ في سن الطفولة ( أربع سنوات ) حسب علماء النفس و الاجتماع و أن الطفل حسب خبرته البسيطة يكذب ليجتنب غضب الأم وعقابها لهذا تجد الأطفال يتخذون من الكذب درعا واقيا لهم عند السؤال ، فهو إذن سلوك متعلم حددته البيئة المحيطة بالطفل كالتربية والمتابعة ، فإذا حس الطفل بأن كذبه لم يعرضه للعقاب كرره تلقائيا أما إذا تنبه الأهل إلى كذب ابنهم و شرحوا له بأن الكذب عادة سيئة و مكروهة تجعله غير محبوب وتحرمه من الهدايا وحب الأبوين بالإضافة إلى متابعته في كل أقوله للتدخل عند اللزوم إذا كذب ، شيء أكيد سيبتعد هذا الطفل عن الكذب ليتجنب اللوم والعقاب و في بعض الأحيان حرمانه من اللعب فيتخذ الصدق رفيقا له .
و الكذب أنواع أعظمها الكذب على الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول الحق سبحانه وتعالى و يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) سورة الزمر و عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) صدق رسول الله.
و الكذاب إنسان له قدرات ذهنية و نفسية وانفعالية تساعده على التحكم في مشاعره و تعابير وجهه و تصرفاته عندما يكذب أمام الآخرين و هذه القدرات اللآزمة للكذب يجب أن يرافقها استعداد الشخص أخلاقيا و تربويا للكذب ، و في القديم كان لا يكذب إلا الضعيف ليتجنب العقاب والمساءلة و كان على مستوى الأفراد أما الآن أصبحت مصطلحات أخرى تطلق على الكذب مثلا كلمة السياسة أو الدبلوماسية كأن تقول لا بد أن تسايس فلان لتتجنب غضبه أو تعامله بدبلوماسية ، كما أصبح الكذب اختصاص على مستوى دول و هيئات و أمام الجميع يكذبون و يجتهدون في خلق المبررات و الأعذار للإقناع حسب مصالحهم و الأهداف التي يريدون تحقيقها من وراء كذبهم و حيلهم و قد ساعدهم في ذلك الإعلام و ما أدراك ما الإعلام المأجور و الموجه الذي يخلق الكذبة أو الحدث و يبدأ في تكبير حجمه إلى أن يصبح أمر واقع و في نفس الوقت يخفي الحقائق و يطمسها و يبدأ في تصغيرها وتبسيطها إلى أن تتلاشى ثم يقنعك بتفاهتها و عدم الاهتمام بها إلى أن تنسى وتنمحي من الوجود تماما ، الآن أصبح للكذب مختصين يصنعون الكذبة بإتقان و حرفية ثم يزجون بها للناس لينشغلوا بها لفترة ، الكذب إذن أصبح حرفة تروج لأشياء يريدونها وتكتم حقائق يريدون إخفائها و لا يريدون أن يطلع الناس عليها و الدليل نسمع خبرا ما في قناة تنفيه قناة أخرى أو نقرأه في جريدة تنفيه جريدة أخرى ،
الكذب أصبح أمرا واقعا بمسميات جديدة و مفاهيم جديدة و لكنها في الحقيقة كذب في كذب و ما على المرء إلا سماع كل شيء ثم تحليل المواضيع لعله يصل إلى ربع الحقيقة أو نصفها أما الحقيقة كاملة تظهر بعد سنوات أو قرون هذا إذا أراد صناع الكذب إظهارها .
نحن مسلمون ماذا نفعل وسط هذا المجتمع الدولي الذي يجعل من الكذب سلاح لترويج مخططاته و معتقداته للوصول إلى أهدافه و بالتالي السيطرة علينا و على كل مكوناتنا و طموحاتنا و رصد تحركاتنا و أفكارنا ، ماذا نفعل وسط هذا العالم الذي أصبح يحاصرنا بتكنولوجياته من أقمار اصطناعية و شبكة الانترنيت وهواتف نقالة وووووو ، ما علينا إلا التشبث بأخلاقنا و فهم ما يدور حولنا ويكون الله عونا لنا من الفئات الضالة و الظالمة و لنجعل الصدق رفيقنا لأن الباطل يعلو و الحق يعلو عليه مهما طال الزمن ، و قديما قالوا : حبل الكذب قصير ما أدري هذه المقولة تنطبق على الكذب في زماننا أم لا ، أعاننا الله .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى