ط
مسابقة القصة

الكومبارس مسابقة الرواية ( فصل أول ) بقلم / حيدر الأسدى من العراق

رواية

 الكومبارس

تأليف

حيدر الأسدي

 

الفصل الأول:

 

الأمهات في بلد السواد لا يحملن الأجنة في بطونهن وحسب، بل هناك كائن حي يزور أرحامهن في تسعة أشهر عجاف، هذه الحالة لازمتهن منذ أن هم قابيل بقتل هابيل، ذلك الأسى والهم والغم بهيئة مكفهرة وقيافة خاكية تنبعث منها روائح بارود الحرب التي يشترك فيها بنو البشر من كل حدب وصوب (تباً لتلك الحرب التي تبتلع الرؤوس عنوة بدون أي رادع) في قريته تلاشى الحب شيئاً فشيئاً بعد أن كرمها القائد المبجل بحرف الراء الذي دكه كتمثال في معسكر الجيش الشامخ كشموخ العواهر والمومس في شارع بشار آنذاك، الروتين اليومي لا تكسر حدته بل خيم كشبح وكزائر يومي في بيوتهم البسيطة الملتهبة بالانكسارات أعلى سقوفهم ومشاكسة الطفولة في جدرانها المتهرئة، كعادته لابد أن يمر بنتوءات الطريق المعرجة والتواءات الأرض المتباعدة كنفوس معلمي القرية والمدينة لحظتذاك، يتأبط حقيبته التي لازمته منذ أن كان طالباً جامعياً في كلية الآداب– قسم اللغة العربية، يوم كان يعتمر طي الطريق الجامعي عارياً إلا من قدماه، ونفس الزي اليومي ربما من حسن حظه كما قال لهم مدرس اللغة الإنكليزية حينما كان طالباً في الإعدادية ذات يوم (إن الفقراء يتداخلون فلا يعرفون في الجامعة بسبب الزي الموحد بإمكانك أن تغسل وتكوي ملابسك وترتديها كل يوم دون أن يشعر الآخرون بذلك) يا للأجواء الروتينية كل يوم يحمل نفس الرأس الذي يتثاقل منه مراراً ونفس الحقيبة الخالية إلا من ورق أبيض كسنين عمره والتي أفرغها من أي معنى كما تقول له والدته، هو يؤمن بمقولة أورثها من جده حينما أوصاه قبل الممات (يا بني اعلم من ليس له ظهر قوي يسنده في هذه الدنيا سيتهاوى عليه سوادها وتكسر شراعه ليرتمي في أحد الشوارع الفارغة أو المقابر المظلمة)

لم يكن (صائب) منذ نعومة أظفاره ليكون تلك الصورة القبيحة عن دنيا لعوب لا تضاجع إلا من تحب ولكن فقر طفولته وقساوة مراهقته وذلة شبابه جعلته رجل شوارع ومقاهي، يجوب الأيام والليالي بدون هدف أو شيء يصبو إليه ولكن كل ما يدور في شرايين دماغه المتقطعة من التفكير (كيف أحصل على المال لأكون محترماً؟) كان يرى أن الاحترام مقترن بالمال (يا لها من ملازمة جاهلية) ترك القرية بعد أن تهادى آخر خيط في شجرة العائلة، أمه التي طالما أشفقت عليه وهو يستقبل أسياط والده الغاضب دوماً منه لأنه بلا عمل، قدماه تسوقاه إلى صخب المدينة بعد أن قررها عقله، هذا ما كان يحلم به لعله يجد وظيفة لائقة هناك سيما أنه يحمل شهادة جامعية، عيونه ودعت البيت الذي صار ملكاً لجاره مقابل مبلغ تافه لايسد أجر عام واحد في المدينة، بدء تحت الشمس وقد برزت أعلى راسه بعض الشعرات البيضاء المشاكسة ربما الشيخوخة انتزعته من الزمان الشائخ كذلك، وهو يهم بالرحيل تتثاقل خطواته للوصول إلى أول حافلة ستغادر المكان يتساءل مع نفسه بصوت خفيف أثار فضول جوقة المراهقين الذين يتسمرون في أطراف القرية بحثاً عن مشاكسة فتيات السوق، (ماذا لو كانت إحدى العينين مكان الأذنين؟!)

 صفع دمعته المنسابة بعهر مخفي وقطف الحزن حبات سائلة بدلاً من حلمه تاركاً آثار أظلاف على مدينته العصية، مقعد الحافلة الذي هدء من ثقله الجديد وجوه الراكبين مختلفة الألوان

(عاهرة، بريئة، منافقة، تلقائية) لا يعرف شيئاً عنها سوى أنه يخشى كل الآدميين ولا يوقر إلا نخلته التي اقتلعها قبل سفره هذا ورماها بجحر الكلب (صديقه الوفي) الذي رماه ببندقية جده ربما أراد أن يقتل كل ذكرياته في القرية تحسباً لحياة جديدة أكثر نعومة في المدينة.

ألقت به السيارة لنهاية مطافها ووقفتها الأخيرة في سوق المدينة الكبير حيث الصخب وعبارات العهر والشتام متطايرة من الباعة يحدق النظر بمكونات عالمه الجديد (صباغي الأحذية): (يا إلهي هذه صورة أولى تعيده لأيام الجامعة يوم كان يعمل بعد الدوام بهذه المهنة التي جلبت له أشكال مختلفة من الأقدام…) بدء يحفر أنفه بسبابته بحثاً عن بقايا القرية فلم يجد إلا فتات طباشير تفتت كما عمره (جنديان اثنان يتمشان بخفية) ربما يبحثون عن أشياء للضابط المسؤول، نظر لهم باشمئزاز لأن أحدهم كان يعتمر خوذة والآخر لا!! ربما المدينة في حالة حرب غير معلنة، يقولها مع نفسه وهو يحدق لفراعة رأس الثاني ويدرك جيداً أن خوذة الموت لا تسع لرأسين معاً… (أطفال يمتطون الأرجوحات) استوقفه مشهدها فهي تأخذهم خطوة للأمام وتعود بهم خطوة للوراء وبعد ربع ساعة انقضت من المنظر لتلك الصورة بدا أنهم لم يتحركوا قط من مكانهم!!! المحاط بالمياه الآسنة والبرك الموحلة، بالقرب من بائع فاكهة البرتقال، النارنج، بدا له أن الرصيف المحاذي لمكان الباصات سام التوكيء عليه من قبل جوقة الصعاليك المكتنزة بتأريخ لا بأس به من التسكع هناك، اقترب من بائع مزيل الرائحة الكريهة وقد وقف أمامه طابور كبير من الرجال والنساء وقبل أن يندرج معهم ويسألهم عن سعر القنينة همس مع نفسه (ما عاد فعال بهذا العصر) دون مؤاربة أخذت قدماه تفتش بقايا السوق وهو يدرك أن كل فرد لديه شيطان في جيبه ربما لهذا الأسبوع لم يعتد أن يترك جيباً في ملابسه حتى ذلك الجيب الخلفي في بنطاله لم يسلم من حملته لرفع الجيوب، بيادق الشطرنج تصك أسماعه وهو يحاذي مقهى الحاج (سبتي) أثارته الوجوه الجالسة هناك ففيها وتر يشبه أوتاره هم كالإصطبل تعودوا تكرار يومياتهم، هنا تتقافز الأصوات من أمامه: (مات الدوشيش بيد أستاذ حميد): (قفلت):

(فد جايين عمو سبتي)، أحاله التعب والمنظر إلى كتلة متضجورة ومنتشية في نفس الوقت

ضجيج الباعة…. غبار المخازن…. روائح المطابع…. همس وهواجس تتطاير وهو يشق طريقه يلمح واجهات المحال…. أشكال طوباوية… دورق فيه بقع دم تغلي…. بنايات مثخنة برصاص الحرب…. أصوات مكابح تموسق إسفلت الشوارع…. أضواء نيون في وضع نهاري…. لم يسعفه الحظ لمشاهدة ذلك المشهد لنحر الديكة الجماعي…. يزحزح جسده وقد تاهت قدماه وسط الزحمة أضلاع قفاه تصطك…. ثرثرة بائع ترعب الآخرين خطوط وجهه:

– من يبني سقوف البيوت بعد انتهاء الحرب…. من يعيد للفتيات عذريتهن…. متى يتوقف السياسيون عن استمناء النفاق والعهر….

صفعه الزبون بوجهه الكرافيكي:

– يقال أنهم سيوزعون أكفان في البطاقة التموينية بألوان مختلفة تحسباً لأي موت فجائي قد يحصل.

– صه

تثغو الطرق بالمارة…. أثياب زهرية مزركشة بالدانتيل… الزنابق تهذي… والمكتظون فاقدي البصر يتفكهون بأحاديث جانبية:

– لماذا تنتعني بالصايع؟

– لا عليك لقد وصلوا…

– من هم؟

– لا عليك.. المهم إنهم وصلوا… صه

تحشر صوتهما واعتاصت همساتهم وقد افقده المنظر القدرة على الكلام وقتذاك. توارت من خلف مومس:

– أستطيع أن أوقف الحرب بقبلة أو هز ردف!!

معتمري الأركيلة بأجساد تنز بالعرق يترنحون ويتمايلون لم تبق في شفاههم غير كلمات متفحمة وقد طمرت وجوههم… يناكد المارة يثقب بذاكرته فراغات.. لروزخون وعراب…. فيطلق إبتسامة معادة وليست أصلية يسلي بها الآخرين…. العجلات تدور وتحدث فرقعة، بدد رؤيته رجل يمضغ جلمود بشفتيه جوزية اللون… وهو حزين  أيما حزن بجسد صدأ.. انبرى له روزخون مار:

– ما… م…. ا… ب….. ك… ما… ب… ك…

– أنا …ا    ن…ا … أنا….

همجي

سافل

قذر

وقح

كلب سائب

حقير

تاقه

وعتل زنيم

أنا صلبوخنلوجي هذا العصر….!!!!

وثمة ثغرة ضعيفة داخل عقلي… إنها فتحة للتنفيس من بارود الحرب

– الحرب ثانية… أنا لا أرى معالم لها؟

– أكيد لأنها في عقلي فقط….!!!

بؤر تسقط فيها سويعات مراهقة.. ثقوب طابوق للجرذان… والـ….. ، النصل يبحث عن الجرذان الكبيرة، النهم يصل لحد ارتمائه او إغفائه طويلة في وجل لزج، استرق نظرة خاطفة ثمة من يضمر ضغينة للآخر بقبعته المدورة ونظارته الطبية ويكفيه منه قصيدة رعناء أصابها خطب ما…!!!

– قلها وإلا…..!!

– تتصادف الأيدي بنرجس الخيال…

ترقص العقول وتحترق المواقد قرب ثوبي…

ثيابي فضفاضة تكفي وقود عام…

والحرب يكفي وقوده أعوام من ثيابي….

ملل البؤس أجساد بالية…

فاقتفى أثر آخر لنا…

نموت بكرامة فيه….

– من أي بحر هذه؟

– إنها من وزن بحر ميت!!!

– قصيدتك عاهرة مثلك… هل تعرف كم يساوي حاصل جمع (1+1)

– بالطبع إنه (2)

– يا لك من روتيني…هذا عند الآخرين… فهل تروم أن تكون منهم… النتيجة المنطقية هي (1) ونصف… والنص الآخر يذهب مع ريح المعاملة يا غبي….!!!!

يتبول ويبصق على فروة رأسه ويمنحه منظر جز رقاب الديكة، السكان يتخذون الانزواء… ذاكرته متقدة بنفس ذائقة رخام القطار… وثمة زعيم بنصف جسد يلقي خطابه عارياً… المدينة بأسرها تبتهج… وثمة دكات إسمنتية لجلوسهم لسماع الخطاب… ينكمش الزعيم كنعامة تدس رأسها في النهر….. رجل معقور يهرول يروم الوصول إلى ضفة مجهولة عبر بوابة صدئة…. البدين بجسده المكتنز كان يطل وقد اعتمر قطعة قماش وراح يرتشف الماء من علبة زيت صدئة كتب عليها (كيلو باترا) مسخمة بأيامه… أجهز على علبة سكائر أجنبية الصنع…. وبان على وجهه أنه متمحل…. تسير عيونه وتدور بمخيلته غسقية تحرق بض أيامه تقترب قدماه من ذلك البدين وقد مرقت قرب أنظاره فتاة تجهض بشظايا من رحمها… محمولة على أكتاف حمالي البضائع…

– ماذا تقرأ؟

– هذا الخبر قرأته قبل عشر سنوات وها هو نفسه احتمل أنه وقع نسخ أو اشتباه في نشر الخبر…. إنه نصه تماماً؟

– وما هو؟

– (سيجري تحسين على الخدمات… الكهرباء والأمن والماء والمجاري وسيقضى على الفساد والبطالة…..!!!)

– صه

– طز بالوزارة وبقائدك….!!!

غمرته نظرات بائع شجر البلوط

– تباً هل تباع الأشجار؟!!!

هاجس نفسه وهو يترك البدين يحملق بالخبر بفجاجة….

وثمة صرير مزعج من ساعة بائع شجر البلوط وقد توسط محله يفرك قطعتي نرد ويدخن الأركيلة…. يغض طرفه عن الزبائن ويعزف عن ابتياعهم أي شيء… يحسبه فرك النرد بكفين ضئيلة المرأى…. ضوء الشموع يحرق المدينة… يدخل لكل مكان…. البيوت….. المستشفيات…. المدارس….. الفنادق….. المطاعم….. وحانة رمي أعقاب السكائر بحلتها الجديدة…. بقربها تباع كتل لحم بشرية…. ولكنها نادرة العلامة….. إنهم يبيعونها بثمن بخس….

– هل تريد لحم شعري أو فكري… أو سياسي…. أو أهلي… أو شعبي…. لدينا لحم السياب… الجواهري…. علي الوردي…. المتنبئ….. وستصلنا لحوم سياسية عفنة وهي بسعر رخيص لأنها منتهية الصلاحية….

– أطلق ضحكة شبقية (تباً هل سيتحول لحمي إلى عفن بعد زمن يباع على الأرصفة؟…. قالها وهو يجر أذياله ويلملم بؤبؤ عينيه من المنظر…. فاض كالوحش الأشم وهو يمسك بيد أحد بائعي (أكياس النايلون السوداء الصغيرة) من الأطفال المشردين في الشوارع….

  • بني….. دلني على فندق قريب ورخيص رجاءاً؟

أجابه الطفل بفم متعثر:

– وكم تعطيني……؟

على عجالة سحبه قائلاً له:

– سأعطيك ما تشاء…

سار مع الطفل وهو يمتطي نشوته بينما يمر بسوق الزهور استوقفته زهرة الغاردينيا

بصورة تشكيلية لرسام عالمي انزرع تغيير على شفاهه وهو يخاطب تلك اللوحة:

 (هناك من يعتقد أن الزهور مكانها الحدائق متناسياً أن ألف زهرة ترقد بالقبور لم تمسها ذراع حبيب…)

قاده طفل (أكياس النايلون السوداء) إلى مكان شبه مهجور فيه بعض البيوت المتشابهة … الصمت يخيم ربما لأن الوقت لحظتذاك هو المغرب…. طرق الطفل أحد الأبواب…. وكلم صاحب الدار برموز لم يفهم منها صائب شيئاً إلا أنه رأى صاحب الدار يمنح الطفل البقشيش…. أدخله صاحب الدار وأشار له بأن يرتاح اليوم في ساحة الدار حتى يخرج أحد النزلاء الذي ينام ليلته الأخيرة وخاطبه (اخلع نعليك إنك في باحة عذراء….!!!)

لغرابة الأجواء ولحاجته الماسة إلى الراحة وافق على الاتفاق ما زال النوم مجاناً وليس في متناول الكلاب السائبة السلوقية… التي قضت على مضجعه ليلاً من عوائها… ربما هذا الحال أفضل من ليال الشوارع والنوم في هياكل السيارات المتروكة في أيام الجامعة…..

أصوات الديكة بدأت تتعالى بعد أن سحب الليل خيوطه لتحل بدلها بيضاء الفجر…. الصمت يختلف عن صخب السوق هناك….. بينما يهامس صنبور الماء ليغسل وجهه ربتت على كتفه يداً ناعمة:

– هل أنت جديد في الدار…؟

أكمل عملية غسل وجهه بعد أن تأكد أن أنفه العريض فارغ من غبار ليلتئمس… دار وجهه وإذا بها فتاة شابة تمسك منديل كبير وتناوله له قائلة:

  • نعتذر عن نومك بساحة الدار ولكن اليوم بإمكانك الراحة بغرفتك الخاصة… وسبقت إصبعها الناعمة لسانها لتشير له على غرفته….

اتضح بعد حوار قصير معها إنها صاحبة الدار، وراح ظاناً أنّ من يسكن بقية الغرف الخمسة أولاد الشوارع والكادحين الفقراء من أمثاله…. مضى يومان في الدار وهو يلحظ دخول رجال ببذلات محترمة والخروج عندما يقارب الفجر الشيطاني…. وما أثاره سؤال أحد الجالسين في مقهى الحاج عن مكان سكنه؟ فأجابه صائب:

– في بيت ست آمال….

مما جعل ذلك الرجل يشرق بارتشاف قدح الشاي البلوري….!!!

ربما هاتان الصورتان علقتا بذهنه وعرفتاه بأنه يسكن في بيت هوى ومومس…..

خاصة بعد سماعه حوار عبر الجدار المثقب… والمتهرأ… بين مومس وعاهرة….. تقول لها…

– لا أعرف من يضحك على من؟  هم أم نحن؟… ولكن المهم نأخذ ما نريد ويأخذون ما يريدون ونحن الاثنان خاسرون!

عدم معرفته بخفايا المدينة وأسرارها جعلته يمكث لأيام هناك في زوايا غرفته تلك

وهو للحظتذاك لم يدرك تماماً ما العمل الذي أقدم عليه ومن أجله…. يتسلل الليل خفية وينثر الظلام أظلاله على جدران غرفته تحيله وحدته إلى مضاجعة الدمى خفية من أمرها.. أو يترك ثقوب في سريره الذي سام جسده المتسخ من الألم والحزن….

بذل ليلته العاشرة جالساً في مساحة الدار الفارغة…. توسطتها أريكة ملفوفة بقماش زهري…. جالسته فيها أحدى بنات الهوى لكي يتحدثا… ربما الجلسة حصلت بتلقائية لكن الحوار كان شيقاً بالنسبة له….. بدء يصفعها بالكلام ويوجهه لها بنهم….

– ما الذي جر قدمي فتاة بعمرك للكون هنا وممارسة ما تمارسينه….؟

 رغم أنها كانت مقتنعة تماماً بأن ما تفعله هو عين الخطأ والجرم الشنيع بحق جسدها إلا أنها كانت تقول له إنه لا خيار في دنيا كأنها غاب تبحث عن الجمال لتسكب غرائزها وحاجاتها بوحشية وبدون رحمة ….!!!

عدل من طريقة جلوسه وراح يستمع لبقية كلامها ….قائلة له:

  • أتعرف أستاذ …

فأجابها بتعجب:

– أستاذ !!!!

– أتعرف عندما رأيتك تقرأ كتاب قبل يومين.. فرحت جداً …

– ولم ؟

– أنا كنت أحب الكتاب فقد كنت عاملة نظافة في إحدى الجامعات وكنت يومياً أبقى لآخر الليل لاحتمل مضايقات الحراس لمجرد سرقة كتب من خزانات الطلبة… وأعيدها صباحاً والمضحك أن الجميع كشفوا أمر سرقاتي فكانوا يظنون أنني أبيعها أو أقايض بها حاجات أخرى …!!

ولم يدركوا أنني كنت أدرس بها لأنني طالبة في جامعة أخرى … وقد سجنت بمحظ إرادتي بعد أن حصلت على شهادة جامعية …. وبسبب وقاحة زوج والدتي …. ولكن مراهقة رب عملي وصبيانية أمي جعلت الأيام كالسكاكين تجزء جسدي للهوى ورجالات العهر التافهون الذين يبذخون المال الكثير على (……………) بدلاً من منحه لعائلاتهم ….

تطأطأ رأسها وتهمس مع نفسها:

– ( يا إلهي لماذا هم أغنياء دائماً ونحن فقراء ….!!)

دملج معصمها كان يستقبل دموعها وهي تشعر بوقاحة أفعالها… فالأجنة باتت تتكسر في بطون الوطن … إلى أجزاء متشظية لتركب معاً في قطار الخطيئة لحتف مجهول…. الذي يغسل الدماء على إزميل الهوجاء …

صادفه الحظ أن يستمع لبنت هوى ثانية… كانت غير منشغلة بعمل في ظل غياب واضح للزبون في تلك اللحظات التي جالسته بها … اختصرت كثيراً حينما جرها للكلام ….. ولم تحب الكلام عن نفسها وحالتها بإسهاب كالأخرى ….

– عندما أراد أن يخطبني أحد الشباب

سأل أبي عني :

– هل هي بكامل أنوثتها كما أنا بكامل رجولتي ….

فأجابه والدي بشجاعة باسلة :

– أي أنوثة…. نعتذر إنها فتاة حرب …!!!

ربما أراد والدي أن يأد الماء في المهد فأنا لم أعرف مخدع المراة يوماً بل مخادع الجبهة هي من يضيفني ودار استراحتي للبحث عن كسار الخبز اليابس الملفوظ من أكف الموتى …. لا طعام الصبية … الذين بدأوا ينقطعون عن الكلام والحياة…. من شدة الظمأ …

تركته بعد أن نادتها صاحبة المنزل أن هناك زبوناً في انتظارها…. ليعود هو لممارسة لعبته مع الدمى في وحدته نحو المجهول …. وجو المدينة الصاخب والبيت الهادئ …الهادئ جداً… بدء يرقد في إغفاءة طويلة أوقفت الحركة وشلت النبض ….

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى