ط
مسابقة القصة القصيرة

المرايا ..مسابقة القصة القصيرة بقلم/ محمد منير من مصر

قصة قصيرة (المرايا)
محمد منير

خرج من عيادته و هو يتلفت يمينا و يسارا ثم يُسرع ليعبر الشارع
و يسير فى حارة جانبية تحميه بعض الشيىء من برد ليلٍ ديسمبرى قارص ..
يلملم الكوفيّة حول رقبته تارة .. و أخرى يرفعها على أذنيه ..

أتخذ طريقه بحذر ليصل إلى سيارته فى نهاية الحارة .. راح يرقص لكى
يتفادى بؤر الماء التى تملأ الحارة .. و فى واحدة من المرات ما كاد
يستند على جدار بنايةٍ قديمة حتى تسمّر مكانه و كأنها أخر خطواته
على الأرض .. راح يفرك عينيه مرة تلو الأخرى ليتأكد أنه ليس نائماً ..
على مرمى بصره كانت سيدة تتأبط رجلا و لا تتمالك من السير
لفرط ما يذهب جسدها بكل إتجاه دون سيطرة منها عليه .. ضحكاتها
تشق سكون المكان و تفتح فى رأسهِ نوافذ للذهول .
هل يُعقل ما يحدث فى الدنيا .. ولِماَ لا .. ما دمنا بشر و الضعف فينا
فكل شيىء قابل للحدوث .. ها هى مدام كريمة ربّة الصون والعفاف
مديرة المدرسة التى بها إبنه .. وهذا الذى معها مدرس التربية الرياضية
على ما أذكر .. تلك السيدة التى ما أن تدخل المدرسة حتى
تصطك أسنان الجدران قبل من بها .. ليس لقبحٍ فيها أو دمامة بل هيبة
و صرامة عُرِفا عنها .. يتذكر أول مرة رأها بإجتماع مجلس الأباء
وكان منبهرا بشخصيتها المُرتّبة و المنظمة بشكل يدعو للدهشة و بعد عدة
إجتماعات راق له فكرة أن يتزوجها و قد تأرمل ثلاث أعوام و يتذكر
ردها عليه جيدا ..
_ دكتور أحمد .. سأعتبر أنى لم أسمع شيئا لكونى أحترمك .
أسرع فى الرقص أكثر لكى يصل لسيارته و يعود بها و يتوقف أمامها ..
فى ذات الوقت الذى كان الهواء يرفع معطفها عنها و جسمها يأخذ
طريقه نحو الأرض بسبب كعب الحذاء المكسور لولا أن صدر من بجوارها
كان المتكىء لها ما تفادت الوقوع .. وجهه الخارج من زجاج السيارة
صار أقرب لوجهها من الصدر الذى يحملها .
_ مدام كريمة .. هل من خدمة أقوم بها ؟
كانت عيناه تسألها .. و عيناها لا تجد غير الهروب جواب ..
كأن الريح توقفت فما عاد يُسمع لها صفير .. كأن الصيف حلّ فى التوِ ..
و استحالت قطرات المطر على وجهها حبات عرق .
مضى فى طريقه و تركها للصمت خلفه .. فى الصباح كان بمكتبها ..
_ طلب نقل إبنك من المدرسة ؟ لماذا ؟
_ لا أريد لأبنى أن يكون مثلك .. بوجوهٍ متعددة ..
أريده أن يعلم أن الفضيلة ليست ثياب نتوارى فيه أمام الناس
و نخلعه بعيدا عن أعينهم ..
و لأنى أحترمك لا أريد رؤية ضعفك أمامى مُجددا .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى