ط
الشعر والأدب

المشرط ..قصة قصيرة بقلم / وليد المليجى

قصة قصيرة
======

………..المَشْرط….

وقفَ الكاتبُ الشابُ سعيدا بين الحضورِ في حفلِ مناقشةِ روايته الأولى . كأنُه يومَ عرسِه . القاعةُ عامرةٌ بالأصدقاءِ و الزملاءِ و على مقعدٍ في الصفِ الأخيرِ جلستْ أمُه .. بدأتْ المناقشةُ لناقدٍ من النقادِ الجالسين على المنصةِ .. بدأ بنقدِ الغلافِ مشيرا إلى أن الكاتبَ لم يكنْ موفقا في اختيارِ صورته .. أما العنوان فلا علاقةَ له من قريبٍ أو بعيدٍ بأحداثِ الروايةِ . لم تعجبْه المقدمة التي كتبها أحدُ الكتابِ الكبارِ مشيرا أنها تعجُّ بالمجاملةِ للكاتبِ الصغير . انطلقَ في تحليلِ الأحداثِ التي جاءتْ من وجهةِ نظرهِ غيرَ منطقيةٍ ولا علاقةَ لها بالواقعِ و افتقادِ الرواية للأساسياتِ التى لا يمكنُ تجاهلها عندَ الكتابةِ . و استمرَ لأكثرَ من نصفِ الساعةِ لم يدركْ الحضورُ خلالَها أن الكاتبَ قد أفلحَ في تركِ ميزةٍ واحدةٍ بين طياتِ كتابِه .أطرق الكاتب و بدا عليه الخجل واضحا .. نظرَ إلى أمه في الصفِ الأخيرِ فلمحها تمسحُ دمعةً سقطتْ على وجنتِها .. خفقَ قلبُه خفقةً شديدةً و قفزَ تجاهها فبادرته قائلةً .. روايتك فاقتْ حَدَ الروعةِ و القادمة ستكونُ أجملَ .. ضحكَ ضحكةً مريرةً قائلا : إنها الأولى و الأخيرة يا أمي .
نظرَ تجاه الحضورِ فوجدَ الكثيرين انصرفوا و لم يتبق إلا بعضُ الأصدقاءِ و المقربين .قامَ الشابُ من على المنصةِ بشكرِ من حضروا و التقطَ معهم بعض َالصورِ و بدأوا في الإنصرافِ .. عادَ لأمِه فابتسمتْ قائلةً .. لا عليكَ حبيبي تعلمْ و اكتبْ مرةً و مرةً و مرات حتى تتقنَ الكتابةَ .. يهمون بالانصراف .. يبادرهم صوتُ رجلٍ عجوزٍ ينادي على الشاب : لا تنصرفْ قبل أن أتحدثَ معك .. رجل تجاوزَ الثمانين من عمره يتجه نحوَهم بصعوبةٍ متكئا على عكازٍ معدنى .. يضعُ يدَه على كتفِ الشاب .. يقول : دعنى أقبُّلك أيها العبقري .. يُقبُّل الشابَ من جبهته و يستطردُ قائلا : أنا ملك الاستماعِ و التذوقِ منذ أكثرَ من نصفِ قرنٍ .. قرأتُ كلَ الكتبِ .. و استمعتُ لكلِ الشعراءِ . أنا الناقدُ الحقيقي لكم . أي بني . المشرطُ يمسكه الطبيبُ فينظفُ به جرحا أو يفتحُ به مواطنٌ الصديدَ لتطهيرِ الجسد منه أو لاستخراج إنسانٍ من بطنِ أمه إلى الحياة .. و المجرمُ يمسكُ به لتشويِه أجسام الناس ِو وجوههم . و هو نفسُ المشرطِ يا بنيّ .. رجلٌ له رسالةٌ .. و رجلٌ عاطلٌ بلا عملٍ نفذت منه الأرصدةُ و استُهلِكت لديه معاني الإنسانية ….
يمسحُ الشابُ دمعةً فرَّت على جبينه قائلا : لقد فهمتُ جيدا سيدي . يقبل رأسَ الرجلِ ويمسك بيدِ أمِه. ينصرفُ معها و صوتُ الرجلِ طوالَ الطريقِ يدوّي في أذنيه .. أنت رائعٌ يا بنيّ .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى