تقدمت بخطى ثابتة ، و علقت على فمى أبتسامة ودودة و قلت بصوت رقيق :
– صباح الخير يا أفندم …سيادتك الأستاذ إبراهيم جمعه ؟
فنظر إلى الرجل من خلف مكتبه ، بوجه كالح ، و عينين عابستين ، و قال بصوت أجش :
– نعم أنا هو الأستاذ إبراهيم
– أهلا يا أفندم …و الله أذا سمحت توقع سيادتك هنا
– و أشرت إلى مكان التوقيع ، و مددت إليه يدى بالطلب و بكسل شديد راح يقرأ بهمهمة مرتفعة ، راحت فيها الكلمات تتشابك بأصوات لا معنى لها حتى أتى عليه فى لحظات ثم ألقى به على المكتب ، فتزحلق الطلب على سطحه ، حتى وصل إلى مهرولاً
– عند الأستاذ ” سعيد حسونه ” …أنا غير مختص بالتوقيع على هذه الطلبات فأبتسمت فى صبر شديد ، و أنا أضغط على أعصابى التى تكاد تنفلت
– متشكر يا أفندم ….و لكن أين أجد سعيد أفندى من فضلك ؟
– فى الغرفة التى بجوارنا عن اليمين
– متشكر…
– و لم يرد تحيتى ، و دخلت الغرفة المجاورة ، و سألت موظفاً أنيق الثياب خيل إلى أنه سيهدينى سواء السبيل
– صباح الخير يا أفندم …أين أجد الأستاذ سعيد حسونه ؟
و أشار الشاب إلى ركن قصى قبع فيه رجل هائل الجرم بوجه أسمر جاد أتجهت إليه من فورى
– الأستاذ سعيد يا أفندم
– نعم…
– و الله أذا سمحت توقع لى من فضلك على هذا الطلب
و أبتسمت حتى تجذبه ابتسامتى ، و مددت يدى إليه بالطلب فمد يداً غليظة و أمسك به و راح يقرأه كلمة ..كلمة فى هدوء أثارنى …ثم ألقاه على المكتب ، و ألتفت إلى يمينه و رفع صوته قائلاً :
– و لكن إلا تعرف أين نقل يا سيد أفندى ؟
و تملكنى غيظ عارم ، سرى فى عروقى ناراً كاوية …لقد كان يوجه سؤاله إلى زميله الذى يجاوره فـرد عليه ( سيد أفندى ) هذا و كان رجلاً أشيب الشعر :
– سمعت أنه نقل إلى الفيوم ، مع أن عائلته كلها تسكن هنا كما تعلم
– صدقنى ” يا سيد أفندى ” أفعاله هى السبب …
يعنى أذا كان أحنى الرأس قليلاً و تغاضى قليلاً …لربما حصل على حقه و زيادة
فقلت له و أنا أتميز غيظاً :
– لمؤاخذة …الطلب يا أفندم
فقال لى بصوت هادىء ، غير مبال :
– تعرف فوق ؟
و أشار بسبابته إلى أعلى …فقلت فى نفسى ، و الدماء تلهب رأسى : ” يا حشرة سامة على مكتب الوزارة ” .
و ابتسمت فى آسى و أنا أبتلع غضبى :
– طبعاً .
– اذن على فوق …و قابل ” مسعود المستكاوى” فهو المختص بمثل هذه الطلبات
و كرهت الرجل من أعماقى و كأن كراهيته نبتت فى قلبى منذ زمن بعيد ، و لعنته ألف لعنة فى نفسى …
و لم أشا أن أساله عن غرفة هذا المسعود المستكاوى المختص بهذه الطلبات التى على شاكلة طلبى التعيس .
و سألت فراشاً فى الردهة يجلس على كرسى فى استرخاء و النوم يكاد يداعب جفنيه
– السلام عليكم يا حاج … و الله أذا سمحت …أين مكتب الأستاذ ” مسعود المستكاوى” ؟
و أشار الرجل إلى غرفة تقع عن يساره …و دخلت …فوجدت رجلاً نظرت إليه فتوسمت فيه الطيبة …فتوجهت إليه و سألته عن الأستاذ ” مسعود المستكاوى ” فقال لى و هو يضحك :
– خرج منذ خمس دقائق .
و أستأنف حديثه مع زميله و كأنه لا يرانى فأنسحبت أخرج فى هدوء أتفرس فى وجوه الرجال الذين يذهبون و يجيئون و الذين يدخلون الغرفة …عل من بينهم هذا ” المسعود المستكاوى ” المختص بتوقيع الطلبات ، و الذى سيحل بحضوره أزمتى المستعصية و سألت ساعياً خرج من مكتب قريب و كان يحمل اوراقاً كثيرة فى يمناه .
– أذا سمحت و الله يا حاج أين أجد الأستاذ ” مسعود المستكاوى” من فضلك ؟
فقال الرجل …بأبتسامة طيبة ، رقيقة لأول مرة ألقاها منذ هذا الصباح :
– تعال
و أمسك بيدى ، و دخل بى المكتب الذى غادرته منذ دقائق و قال بصوت مرتفع رزين :
– يا أستاذ مسعود ….كلم سيادتك
و ألتفت الرجل إلى شخصى ، فإذا هو ذلك الموظف الذى أخبرنى منذ قليل بخروج ” مسعود المستكاوى ” …وهو يضحك…فنظرت إليه مصعوقاً ، و الغضب الحبيس يكوينى و قلت فى تملق :
– لابد أن تكون مشغولاً سيادتك …أنا عارف …أنكم تعانون من أرهاق العمل …و أنا فى الحقيقة أعذركم
و لكنه لم يتكلم و لم يعلق على نفاقى المصنوع و مد يده المعروقة و أمسك بطلبى ثم أعطاه لى بعد لحظات…و قال لى بصوت غاضب :
– أذهب الى الأستاذ ” إبراهيم جمعه ” فى الدور التحتانى ” فهو المختص بتوقيع هذه الطلبات
قصة الموظف المختص
أحمد دسوقى مرسى من مصر