ط
مسابقة القصة القصيرة

المَثَّال… مسابقة القصة القصيرة بقلم/ موسى نجيب موسى من مصر

قصة قصيرة للمشاركة فى المسابقة
بقلم / موسى نجيب موسى

مصر- المنيا – مطاى – شارع الرجاء – رقم بريدى 61681
المَثَّال
وحيدا هو … لا يؤنس وحدته سوى تلك التماثيل التى يصنعها بمهارة وموهبة لم يتزوج بعد ولم يختر هو ذلك ؛لأنه لم يجد بعد تلك الأنثى التى تشبه تماما ذلك التمثال الذى صنعه بروحه فى ليالٍ طويلة مضت … كلما قابل إحداهن يقفز إلى عقله دون إرادته المقارنة بين من تقف أمامه نبضا ولحما ودما وبين ذلك التمثال … ينتظر قليلا لعله فى تأمله لها يعثر فيها على ثمة أشياء متشابهة لكنه يطوى الصفحة فى يأس بحثا عن غيرها عله يوما ما يعثر عليها… لم يتذكر متى قابلها لكنه يتذكر جيدا أين …هناك فى محطة القطار عندما كان ينتوى أن يذهب إلى خلوته الريفية السنوية التى يقوم بها بشكل دورى حتى يعبئ روحه ومعينه الإبداعى من كنوز الطبيعة تلك التى تساعده عند قيامه بنحت التماثيل على تسريب روحه خفية داخل كل تمثال ينتهى منه تلك الروح التى لمسها جميع النقاد الذين تناولوا أعماله بالنقد والتحليل حيث اجتمعوا على رأى واحد لم يختلف عليه اثنان بان تلك التماثيل تنبض بروح وحياة لا يعرف أحد مصدرها ورغم أنها صماء إلا أنها تموج بحركة خفية رائعة تُحسُّ ولا تُرى … اندهش من موافقتها السريعة عندما دعاها إلى مرسمه حينما اقترب منها ليسألها عن موعد القطار القادم لم تجب عليه حينها ولكنها أجابت عن السؤال الثانى بهزة رأسها تعنى الموافقة فقامت معه على الفور حتى وصلت إلى مرسمه .
كان يتكلم كثيرا وكانت تجيبه بإشارات وإيماءات ولم تنطق حرفا واحدا … كانت تنفذ تعليماته حرفيا وبدقة متناهية وكأنها كانت فى أيامها الأولى تعمل موديلا لطلاب كلية الفنون الجميلة …تعرت تماما أمامه من كل شىء حتى كشفت عن كنوز جسدها المبهر الذى وقف طويلا مشدوها إليه ولا يعرف من أين يبدأ النحت ..لكنه أخيرا بدأ واستمر العمل أياما طويلة كانا يقضيانها معا …كان من بين مهامها طوال فترة قيامه بنحت تمثالها أن تقوم بإعداد الطعام له ولا تشاركه فيه وتشترى له علب السجائر وجميع احتياجاته عندما تعود إليه فى صباح اليوم التالى …لا ينفصلا عن بعضهما سوى فى سواد الليل .. فكان حينما يتعب أو ينتهى من عمل اليوم ترتدى ملابسها وتذهب فى صمت إلى أفخم الفنادق لتبيت ليلتها ثم تعود إليه محملة بكل طلباته التى لا ينسى أن يكتبها لها فى ورقة صغيرة فى يدها قبل أن تغادره … لم تعترض نهائيا على أى أمر من أوامره فقد كانت تلبى وفقط حتى عندما كان يمر بيده الحانية على مناطق حساسة جدا من جسدها أو يضغط بحرفة وحنكة فى أماكن معينة حتى يستفز شهوتها لم تكن تعترض …كان كلما انتهى من نحت جزء من التمثال يقف منبهرا أمام ما صنعت يداه فالتمثال يكاد يطابق الأصل فى الروعة والدقة وخاصة مناطق الإثارة فيها … لم يشأ كما تعود أن يطلق اسما على تمثالها فهى لا تشاركه الحوار ولا تبادله الرأى وفضَّل أن يكون التمثال مجهولا كصاحبته … ذات صباح أبلغها بأن اليوم هو آخر يوم عمل فى التمثال حيث اللمسات الأخيرة التى تبرز جمال التمثال أكثر وأكثر عند انتهائه من عمله فى ذلك اليوم قامت فى هدوء وارتدت ملابسها الفاخرة وقبل أن ترحل دست فى يده مبلغا من المال وعندما اعترض عليها بشدة فاجأته بقولها : “هذا حقك فهذا المبلغ كنت أنتوى دفعه فى المصحة العلاجية التى كنت ذاهبة إليها بأمر من الطبيب المعالج عندما قابلتنى على محطة القطار” .
قالتها وصفعت الباب خلفها بشدة… بينما هو لم تستطع قدماه على حمله فغاص فى مقعده وهو يقبض بقوة على النقود وراح يفتش فى ذاكرته عن امرأة اخرى تشبه التمثال الذى انتهى من نحته هذا الصباح .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى