ط
مسابقة القصة القصيرة

المَطارد . مسابقة القصة القصيرة بقلم / هبة الله محمد حسن

مشاركة للمسابقة فرع القصة القصة القصيرة
هبة الله محمد حسن
جمهورية مصر العربية
01111942118

المَطارد
أرعبني ذلك الخيال البعيد ، لم استطع أن أتبين ماهيته ،غير أن حركته الدءوبة و ظلال أطرافه أثارت في نفسي الفزع وشلتني عن التفكير.. لمَ يحدق بي هكذا؟..عيناه- أستطيع الآن أن استبينهما- كقاع جب عميق يرغب في ابتلاعي.
انزلقت وسط زحام الشارع الشائك بعيدا عن عينيه، لكنه كان يعرف هدفه جيدا..يتجه إلىّ أنا..إلىّ أنا بالذات..تبا.. ما الذي يريده مني هذا الرجل؟..انسللت إلى أول حارة مظلمة قابلتها.تتسارع خطواتي مع دقات قلبي.صرت أعدو؛ بل أطير، أتلفت وراءي خائفا من أن أجده مازال يتبعني، وخائفا كذلك من أن لا أجده يفعل؛ أين سيكون اختفى إذن؛ سبقني؛ يتربص بي في إحدى الزوايا المظلمة.
تبتلعني الحارات الثعبانية المتشابكة..أتخبط في ظلام داخلي وخارجي..و…………و أخيرا وجدت نفسي في وسط شارع رئيسي أعرفه.التفت وراءي، لم أجده.تنفست الصعداء؛ يبدو أنني نجحت أخيرا في تضليله.لمحت مقهى قريبا كنت أجلس عليه عادة، فاتجهت إليه.ألقيت نفسي على أقرب مقعد ورحت ألهث في عنف.أنفاسي ما زالت متقطعة..أغمضت عيني وأخذت نفسا عميقا، فتحتهما لأجد من يجلس على المقعد المقابل لطاولتي، انتفضت:
– “ما بك؟..كأنك رأيت عفريتا..”
بدأ ذهني المشوش يجمع شتاته..لم يكن من يجلس أمامي سوى صديق لي؛ كان يجلس على طاولة أخرى ولما لم ألحظ تحيته جاء ليشاركني مجلسي..عاود سؤاله:
– “ما بك؟”
– “لا شيء..أنا بخير..”
– “لا تبدو بخير إطلاقا..ماذا حدث..”
شعرت بهواء بارد يصفعني ولأول مرة ألحظ الغيوم الرمادية التي غطت وجه السماء..ارتعش شيء ما بداخلي ووجدت نفسي أقول بكلمات مبعثرة:
– “شخص.. ما.. يطاردني..”
– “ما هذا الذي تقوله؟”
– “صدقني..لقد فررت منه بصعوبة عندما…………………….”
وانقطع صوتي المبحوح فجأة؛ لم أجد ما أكلم به عبارتي؛ “عندما…………عندما ماذا؟..لكن صديقي التقط طرف الخيط بهدوء قائلا: “ومن تعتقد أن يكون؟”
– “جل ما أخشاه أن يكون أحدا من أهلها..”
– “أنس الأمر..إنها ستتزوج الأسبوع المقبل..لا أعتقد أن أحدا منهم قد يهتم بك الآن أو يذكرك أصلا..”
شعرت بقليل من الهدوء يسري في عروقي، لكنه عاد ينسحب بسرعة، وانتصب الشعر على ساعدي من جديد مع رعشة باردة خفيفة سرت بداخلي..والتفت إليه قائلا:
– “لعله سليمان نجيب..نعم..لابد وأنه من طرفه..جاء يطالبني بنقوده..”
– “لا تفكر في هذا أيضا..إن الرجل مسافر إلى الإسكندرية منذ أول أمس..كما أنه فقد الأمل تقريبا في أن تعيد إليه ماله..”
هذه المرة تراجع القلق بداخلي بسرعة، وبدأت أشعر بالاسترخاء، ورفعت رأسي أتنسم الهواء المنعش المشبع برائحة المطر عندما….لمحته هناك.كان يتحدث إلى شخص ما ويشير الرجل إلىّ من جديد؛ إلى أنا بالذات..قفزت من مقعدي وانطلقت..من خلفي كنت أسمع شظايا من كلمات صديقي:
– “انتظر..إلى..أين؟..”
كضوء البرق قفزت في أول سيارة أجرة قابلتني..سألني الرجل بصوته الروتيني المعتم:
– “إلى أين؟..”
ولم أكن أعرف إلى أين..لو كان لي أن أقول ما أريده لقلت له:”أجعلني أتيه في الزحام..ألقني في أي مكان لا أعرفه ولا يعرفني؛ مكان يبتلعني دون أن يسأل؛ من أكون ولا من أين أتيت”..لكنني لم أقل أي شيء من هذا؛ فقط نطقت باسم شارع اعرفه بعيد عن هنا بمسافة كافية وجلست صامتا في مقعدي بينما الأفكار تصرخ داخل رأسي..ثمة شيء آخر كنت أخافه، ولم أجسر أن أخبر صديقي به، لابد من الإبقاء على مسافة ما بيني وبينه؛ مسافة أستطيع التحرك فيها دون أن أختنق؛ نعم كان من المستحيل أن اكشف أوراقي كلها أمامه هكذا، وعن ماذا أخبره؛ عن هذا الشيء بالذات؛ الشيء الرهيب الذي فعلته..نعم كان من المستحيل أن أخبره أنني قتلت..لست واثقا حقيقة- حتى الآن-إن كنت فعلتها أم لا..لكن ذاك الفتي كان قد استفزني إلى درجة مفزعة..مميتة..أستطيع أن أتذكر ارتعاش أطرافي من الغضب؛ كأنها تحثني أن أنهض لأبطش به، انطباق فكي كأنهما يرغبان في تمزيقه، وكان هو مستعدا للشجار.اصطدمت رأسه بالحائط ونزف الدم منها غزيرا؛ نافورة من السائل الأحمر أغرقت المشهد كله أمام عيني.لم يكن هناك أحد.هربت وتركته هناك، ولم أعرف أبدا ماذا حدث وظللت أتعذب بما حدث أو..بما لم يحدث..لا أعرف..
ألقتني السيارة في الشارع الذي قصدته..نزلت مزعزع الخطوات، مرهق الروح..شعرت أنني وحيد جدا، وضئيل جدا؛ منسي تماما في عالم واسع يضج بالبشر؛ بالحياة؛ بالحركة..المطر يغسل ثيابي، وشعري، وروحي.. ظللت أهيم على وجهي دقائق أو ربما ساعات..لم أعرف..فقدت الوقت تماما حتى وجدت نفسي أخيرا قريبا من منزلي..سرت إليه على الفور فلقد أنهكني السير الطويل، والمطر، وتوتر الأعصاب..اتجهت إلى مدخل البناية عندما وجدت وجهه يبرز من المدخل المظلم..توقف كل شيء بالنسبة لي؛ المكان، والزمان؛ وجوده ووجودي؛ قطرات المطر والغيوم والشارع المظلم وكل شيء.. كل شيء..
***
فتحت عيني شاعرا بصداع خفيف يتسلل بين جفني ويمزق حواسي..أين أنا؟..بل من أنا؟؛ أعتقد أن هذا هو السؤال الأول الذي سألته لنفسي وأنا أستعيد وعيي بوجودي ببطء..اتضحت معالم المكان تدريجيا، ووجدت نفسي في حجرة البواب -الذي يحرس البناية- وقد وضع بصلة ضخمة على أنفي أفزعتني رائحتها..وما إن رآني أفقت حتى قال:
– “سلامتك يا أستاذ..”
قبل أن أحاول تحريك شفتي أصدمت عينأي بذلك الوجه في جانب الحجرة؛ وجه مطاردي الباهت..بدا أقل إفزاعا في ضوء الحجرة الأبيض الهادئ.تجمدت عينأي عليه ف….فابتسم وسمعت صوت البواب يخترق صمتي:
– “لقد جاء الحاج من البلد ليسلمك مبلغا من أبيك الحاج..بحث عنك ولما لم يجدك جاء ينتظرك هنا..”
ورفع هو إلى عينيه قائلا:
– “لا تؤاخذني يا بني..كأنك كنت تهرب مني..”
لم أرد.شعرت كأنني تلقيت صفعة قوية؛ صفعة على روحي.انتزعتني من مكان وألقيتني بعيدا؛ بعيدا جدا.. صفعة قاسية؛ أقسى ما عرفت في حياتي، ووجدت نفسي أبكي.. أبكي كما لم أفعل من قبل كأنني أغسل روحي من شيء ما لا أعرفه..لم نظرا إلىّ هكذا..ألم يكن من حقي أن أبكي؟

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى