ط
الشعر والأدب

النمل.. قصة قصيرة بقلم / خالد بدوى

خالد بدوى

استيقظنا مبكرا على أسراب من النمل تسللت داخل بيتنا من الترعة القديمة المتعفنة أمام الدار ، نهشنا بأظافرنا أجسادنا لشدة الحك الذي أصابنا.
لامت والدتي أبي لعدم إحكام قفل الباب عند رجوعه بالليل متأخرا ، بينما صب والدي غضبه على أخي الأكبر الذي عاد إلى البيت ليلة أمس مخموراَ ، قام هو الآخر بصفعي لتركي الشرفة مفتوحة عندما رآني واقفا اختلس النظر نحو بنت الجيران .
استخدمنا كل المبيدات الحشرية المحلية الصُنع ولم تفلح حيال ذلك ، حتى الجسر الذي أقمناه أمام البيت لم يجدي نفعا ، و كدنا نفقد أخي الصغير عندما سقط في الترعة لولا براعة أخي الأكبر و قدرته على السباحة .
أصر النمل أن يظل شريكا لنا في كل شيء ، الأواني المملوءة ببقايا الطعام ، الفرش، حاويات الغلة و الشاي و السكر و القهوة ، أقراص الخبز المخزونة ، خشينا أن نحلب الشاة فيخرج لنا من ضرعها أسراب من النمل.
والدي يخبرنا أنه وجد الحل الجذري لهذا النمل المفترس السام،عندما وجد مبيدا حشريا، أمريكي الصُنع في دار العمدة .
فاجأنا أخي الصغير صارخا في جوف الليل على أثر كابوس ، أقلق مضجعنا أكثر من النمل ، كأنه رأى في منامه أن للنمل أسنان حادة ، وحجمها زاد عن حجم بعير ، مزقت جسده إلى أشلاء متناثرة ، سخرنا من كابوس أخي كثيرا ،عُدنا لمضاجعنا مطمئنين .
في صبيحة اليوم التالي ؛ انهار سريري الخشبي بعد أن أكل النمل مسانده الأربعة ، بدأ ينهش في أساس البيت بنهم كالنار في الهشيم ، لعن والدي المنتج الأمريكي الذي جعل من النمل يتوحش وكأن رؤية أخي الصغير قد تحققت.
جلب والدي مشتريا للبيت الذي ولى مدبراً عندما عرف بالقصة ، لا خاب من أستشار ، جمعنا حكماء البلدة بدار العمدة ، وضع الخادم البهارات المستوردة على الطعام والتي أستخدمها والدي كمبيد ، أعُدت مأدبة العمدة للضيوف ، امتلأت البطون ظل الجميع يحدقون إلى بعضهم البعض كأنهم أصيبوا بحالة من البلاهة ، تحولت الجلسة مع الوقت للمداعبة و الحكي و احتساء القهوة و انفض المجلس .
حفر كل منا أمام غرفته قناة صغيرة إمتلأت بالماء لتقيه شر النمل ، انشغل كل منا بشاغله ، بعضنا يذاكر دروسه و منا من يبحث عن ملذاته بغرفته ، إلا والدي المواظب على نشرة الأخبار ، حمل التليفزيون إلى غرفته ، ينتظر خبر هام منذ عقود .
انتهت النشرة و البث و لم يسمع والدي الخبر عن القضية الفلسطينية !..

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى