اليومَ إكليلُ الجميلة
اليوم تُقرعُ أجراسُ الفرح
فانصتوا إليها
اليومَ يتحلّقُ الصغارُ حوّل أمّهم الصبوح الصبور، يحتفلون بأول أيام تعافيها. اليومَ تتكئُ الجميلةُ على سواعد أبنائها الأبرار وتنهضُ سامقةً شاهقةً لتقفَ على قدميها بعد عثرة سنوات ثلاث، كادت تكسر النُّسغَ الطيب وتشرخُ الروح الشريفة، لولا أن الخيرَ معقودٌ في ناصية هذه الفرعونة الرشيقة الساحرة، والسلامُ لها وعليها مكتوبٌ في اللوح المحفوظ الذي يخبئه الزمانُ في كهف حصين عمره خمسةُ آلاف مما يعدّون من السنين.
اليومَ تلبسُ الجميلةُ إكليلَها المضفورَ بوشوشات البنات وضحكاتهن عندما يحطُّ المساءُ غُلالتَه على الوادي الخصيب. جدلته الحِسانُ المصرياتُ من زهور اللوتس والنرجس والبنفسج والكاميليا، مع أوراق الصفصاف وست الحُسن بيلاّدونّا، وسيقان البردي الأسطوريّ الخضراء، جمعنها من ضفاف النيل وطمي الدلتا وأرض طِيبة المقدسة.
بعدما تتزين الغادةُ: “مصر”، ستبدأ نهارَ قيامتها بطرق كلّ بابٍ توشّح بالسواد. تدخل الردهةَ الصموت، ثم تجلسُ في باحة الدار جوار الثكلى التي تبكي منذ زمن معلوم. ترفع مصرُ بصرَها إلى حيث تشخصُ عيُن المرأة المحزونة بفقد الولد. تنظران معًا نحو صورة معلقة على جدار البيت، يعلوها شريطٌ أسود عليه تاريخٌ يقع في منزلة بين منزلتين: يناير ٢٠١١، يونيو ٢٠١٣.
تحسبُ مصر عُمرَ الشهادة، فتعرف عدد الليالي اللواتي سهرتها الأمُّ المفطورة وقد خاصم النومُ وسادتَها التي لا تجفُّ من الدمع. تمسحُ مصرُ على جبين أم الشهيد وتقول: “شكرًا يا بُنيتي. دمُ ابنكِ صنع يومي هذا، ومهّد دربَ غدي، ووضع لبنةً وثقى في هرم مجدي القادم. فلا تحزني، وقَرّي عينًا.” فترفعُ الثكلى عينيها لمصر وتبتسم قائلةً: “طوبى لك يا أميّ. لقد ربط اللهُ على قلبي ألا أخافَ ولا أحزنَ وأنا من المؤمنات بحقّك فينا يا مصرُ. فداكِ دماؤنا وأطفالُنا.”
بعد هذا، تخرجُ الأمُّ الكبيرة مصر، مع الأم الصغيرة الثكلى، فتطوفان على باب حزين آخر، فتخرج ساكنتُه المحزونةُ معهما، وتسير ثلاثتهن نحو بيت رابع وخامس، حتى ينتظم موكبُ الأمهات اللواتي جفّ دمعُهن، ويسرن معًا حاملاتٍ باقات الورود ينثرنها فوق أضرحة أبنائهن، ثم يُعرّجن نحو حقول المحروسة ينثرن بذور القمح في الأرض السوداء، انتظارًا ليوم الحصاد.
اليومَ يبدأ المصريون المشوار النبيل نحو غدٍ عادل لا يعرفُ الفرقةَ ولا الشقاق ولا الكسل ولا الظلام. اليوم يتوحد لسانُ المصريين في نشيد جماعيّ يقول: “مصرُ باقيةٌ هُويتُها. موحّدٌ شعبُها. عزيزةٌ بين الأمم.”
اليومَ يجلسُ على عرشّ البهية رجلٌ آمن بعراقة مصر فانتزع تاجَها من لصوص التيجان سُرّاق التاريخ قراصنة الحضارة أعداء الجمال. رجلٌ أحبَّ هذا الشعبَ الطيب، فأحبّه الشعبُ الطيب. أسميتُه: “صانع الفرح”، لأنه ستبدل بالهمّ والظلام فرحًا ونورًا. وأسميتُه: “الديجول المصري”، لأنه انتزع مصرَ من الفاشية الإخوانية مثلما انتزع شارل ديجول فرنسا من الفاشية النازية. واليومَ يسمّيه المصريون: “رئيس مصر المُنتخَب، المشير: عبد الفتاح السيسي”.
اليوم تُردُّ السهامُ إلى نحور السفاحين الذين كافحوا من أجل موت مصر، فيما أرادَ لها الُلُه الحياة. ولا رادّ لمشيئته.
اليومَ يصدقُ قولُ أمير الشعراء أحمد شوقي:
من جرحَ الأهرامَ فى عِزّتِها/ مشى إلى القبرِ مجروحَ الإبا