” انشطار الذات وانشطار الوعي في رؤية البياتي للتراث “
21 يونيو، 2016
0 264 2 دقائق
كتب الدكتور كريم الوائلي ” انشطار الذات وانشطار الوعي في رؤية البياتي للتراث ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مكتب العراق _ عباس الصائغ
انشطار الذات وانشطار الوعي في رؤية البياتي للتراث
بقلم الدكتور كريم الوائلي
يقول عبد الوهاب البياتي
لو جمعت اجزاء هذه الصور الممزقة
اذا لقامت بابل المحترقة
تنفض عن اسمالها الرماد
ورفَ في الجنائن المعلقة
فراشة وزنبقة
وابتسمت عشتار
وهي على سريرها تداعب القيثار
لاينظر عبد الوهاب البياتي للتراث بوصفه موجوداً فيزيقياً متمثلا بالكتب والمخطوطات كما انه لاينظر اليه بوصفه كائناً موجوداً (هناك) في الماضي في حقبته التاريخية ويتم فهمه غبر سياقاته التاريخية والاجتماعية فحسب.انما للتراث – بوصفه موضوعاً- وجود في الماضي ووجود يعايشنا وكائن معنا في حاضرنا ويسهم في تأمل مستقبلنا وهو ما اطلق عليه عبد الوهاب البياتي هو ، ما(كان) و(يكون)
و( سيكون ) .
ومادام التراث كذلك فانه من الطبيعي الاّ يعرف الثبات والاستقرارعلى الرغم من ثباته الخادع – كما يقول البياتي- ولكنه في المحصلة الحضارية ، بعيدة المدى ، ليس قيمة ثابتة ثباتاً نهائياً ، بل ان عوامل الولادة والموت التي تطرأ عليه وتعتريه باستمرار ، تجعل منه عجينة لدنة ، قابلة للتشكيل والتعين ولكن ليس بشكل نهائي .واذا كان يتبادر الى الذهن حينما ترد كلمة (التراث)انه مجرد تراكم للمعارف والخبرة ، بمعنى انه احد مصادر انتاج المعرفة ، ولكنه لا يقتصر على هذه الدلالة عند عبد الوهاب البياتي ، اذ يتحول الى اعتراف امام الذات والعالم ، اعتراف بوجود ، اعتراف بشخصية لها وجودها التاريخي والنفسي ومن حقها يقتصر على هذه الدلالة عند عبد الوهاب البياتي ، اذ يتحول الى اعتراف امام الذات والعالم ، اعتراف بوجود ، اعتراف بشخصية لها وجودها التاريخي والنفسي ، ومن حقها ان تنمو وان تشق طريقها وفق طبيعة ظروفها وارضها وتأريخها ، على اساس وحدة شخصيتها وتفاعلها الحر مع التراث الانساني الحضاري الشامل.
وهذا يعني ان البياتي يتفاعل مع التراث عبر ثنائية الذات/الموضوع ، ومن الجدير بالذكر انهما – الذات/الموضوع- يتبادلان المواقع لدى البياتي فكما ان الذات المدركة كما هو شائع ومألوف تتامل التراث بوصفه موضوعها ، كذلك الذات تتحول الى موضوع كأن التراث يتأملها ويتفاعل معها ..
ان الذات عبر هذا الفهم تنشطر على نفسها فتتحول الى ذات ناظرة واخرى منظورة ، تماماً كما تشاهد نفسك في المرآة ، اذ تبدو انت بوصفك كائنا ذاتاً متوحدة ومتعسفة دائماً ، وان صورتك في المراة هي الذات المنظورة التي تتبدى انعكاسك لذاتك الناظرة واذا كانت الذات تنشطر على نفسها فان الوعي هو الاخر ينشطر على نفسه الى وعي ناظر يقوم بالفعل والابداع والخلق ، ووعي منظور يتم تأمله ونقده ، ويكشف عن تجلياته المختلفة . غير ان هناك مفارقة بين الذات الناظرة والمنظورة من جهة ، والوعي الناظر والمنظور من جهة ثانية ، ذلك لانك في حالة المراة ترى نفسك فيها وقد تدري او لاتدري ان اجزاء جسمك قد تم تبادل مواقعها- فاليد اليمنى ليست اليمنى ، وكذلك يسراك ، فهل الوعي في حالة التأمل كذلك وما الذي يتم تسربه من حالة المماثلة مع المرآة وينقد عبد الوهاب البياتي النظرة التقليدية .التي تصنف الاصالة والمعاصرة تصنيفا الياً ، فتجعل التراث هو الاصالة ، والمعاصرة ما يفدنا من الاخر الغربي وعد ذلك طرحاً خاطئاً ومبتوراً وضاراً ، ويطرح تصوراً جديداً يتأسس على وفق منهجية جديدة ، (تحاول الربط بين متغيرات النظر الى تراث والنظر الى المجتمع ربطاً جدلياً عميقاً ومحكومة برؤية موضوعية لحركة التاريخ .)
ان الطرح الذي يتبناه البياتي يجعل الواقع مقابلاً للمعاصرة ، ويدل الواقع على كل ما يشتمل عليه من عناصر. بحيث يتجاوز الاطار الاجتماعي بحدوده الضيقة ، او المجتمع بتجلياته الفضفاضة ، ويصبح التراث جزءاً من الواقع ، وتصبح المعاصرة ( استخدام المنهج العلمي في التفكير) ، ويوكد البياتي ذلك بقوله: فلو اعتبرنا الاصالة هي الواقع بكل شموله وعناصره لرفعنا الشيْ الكثير مما يعوق حركة الواقع وتقدمه ، وتصبح اصالتنا هي ذلك الرفض الواعي للوجه السلبي من التراث .