ط
الشعر والأدب

بئر الذكريات . قصة قصيرة للكاتب /إسماعيل آل رجب .العراق

بئر الذكريات..

-1-

في الممر المؤدي الى قاعة المحاضرات تتحرّك الاجساد، تتجمّع حول بؤرة تتشكّل عفويا ، تنبعث منها العطور الفواحة ، والروائح المثيرة ، تتقارب الاجساد لاشعوريا ، للالتصاق ببعضها ، وتتنامى الرغبة الى الاندماج ، وفي لحظة ، نظرة معينة، خجل ما ، كلمة ما، تأفف يصدر من احداهن ، مشاعر الحياء ،العرف الاجتماعي ، الحلال والحرام المترسّخ في النفوس ، تتباعد الاجساد عن بعضها ، وينصرف كل طالب وطالبة الى شأنهما الدراسي.

ذكريات الجامعة ، الاسرار الكامنة فيها، تجعلنا نتجررها كلما يتقدم بنا العمر، ذكريات يتقادم عليها الزمن ، لكنها تبقى طرية ، طازجة ، نتناولها بتلذذ ، متعة ، واحيانا بندم ، شعورك الآن بالاشباع العاطفي ، عنصر مهم ، في ردم الذاكرة العميقة ، التي تختزن المتعة او الندم ، اواعادة فتحها من جديد.

ذات صباح بهي ، مشرق ، من صباحات الباب المعظّم في بغداد يدخل الطلاب والطالبات ، فُرادى وجماعات ، الى الحرم الجامعي ، يتوجه كلٌ الى كلّيته ، في الممر المؤدي الى قاعة المحاضرات ، تستند بظهرها على الحائط ، تلقي التحية وهي متبتسمة ، صباح الخير ، صباح النور، ونظرات متبادلة ، كانت نظراتي تلامس تلك الشفاه الحمراء ، تلتصق بها، تتحسس رقّتها ، ،حمامتان حطتا على حائط السياج الخلفي ، هما من رفعتا غطاء الذكريات ، اتذكرها اليوم ، ودون ارادة منّي ، اغوص في الاعماق ، اشتهاء ، عناق ، لهاث ، تشمم العطر، ذَكَرِ الحَمَام مدّ منقاره ، ليتداخل مع منقار انثاه ، تعشّق منقاراهما ، لامس لسانه لسانها ، امتص رضابها ، توتّر، فوران الدم في العروق ، هنا هبطتُّ بحبل الذاكرة الى هناك ، حيث الاعماق ، حتى لامست قدماي القاع ، وابتلت بالماء.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى