ط
مسابقة القصة القصيرة

آلات بلا مشاعر ”.مسابقة القصة القصيرة بقلم / رمضان سلمى من مصر

ﺍﻹﺳﻢ : ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺳﻠﻤﻲ
ﺑﺮﻗﻲ.
ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ : ﻣﺼﺮ .
ﺍﻟﻬﺎﺗﻒ : ٠١١٥٩١٠٦١٨٤
ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ : ﺍﻷﺩﺏ _ ﺍﻟقصة القصيرة
. ﻋﻨﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ :
” آلات بلا مشاعر ”

** لبت الشمس بكبد السماء وأبت الغروب .
تسمرت غاضبة لتشاهد بكل مرارة مايحدث فوق تلك البقعة علي سطح الأرض .

إشتد غضبها فصارت ترسل إليها أشعتها الحارقة .

بدأ أهل ” المدينة ” يهرعون في رعب إلي ” الميدان الكبير ” ،
ومن خلفهم شاحنات رباعية الدفع وقد رفعت عليها الرايات السوداء ،
واعتلاها رجالا ضخاما مدججين بالسلاح ، ينادون الناس عبر مكبرات الصوت ،
فصار الناس من كل حدب يقبلون .

إلتف أهل المدينة حول الميدان .

الرجال في المقدمة وقد إقفهرت وجوههم وعلاها عبسها ،
وترتدفهم بعض النسوة وقد إنتقبن وماظهر منهن إلا عيونا تشع بالخوف .

إكتمل الحضور ، توقفت السيارات ، صمتت مكبرات الصوت ،
إشتدت حرارة الشمس ، ساد الصمت القاتل بين الجميع .

فجأة ،،

دلف إلي ساحة الميدان رجال مقيدون الأيدي خلف الظهور وكأنهم ” أسري حرب ” ،
معصومين الأعين ، مطأطئين الرؤوس .

يستاقهم بعض الرجال الملثمين ، الذين يرتدون البذلات العسكرية السوداء ، طوال القامة ،
أقوياء البنية ، بأحزمتهم أغمادا بخناجرها ، يطأون الأرض بكل ثقة وكبرياء ،
مطمئنين وكأنهم جند الله الذين إنزلوا من السماء لتحقيق العدالة علي أديم الأرض الظالمة.

إنضم مسلحون كثر إلي الساحة ، منهم من قام بتأمين الميدان ، ومنهم من وقف ليشاهد في شغف .

توقفوا جميعا ، إصطف الأسري ركعا ، ومن خلفهم الملثمون واقفون كالأعمدة الخرسانية .

إقترب رجل تجاه الملثمون ،
يرتدي جلباب قصير ، ذو لحية كثيفة ، يعصم رأسه بعمامة بيضاء ،
تدور حوله الشياطين من كل إتجاه في خفاء ، يتملكه الفخر والخيلاء ،
وكأنه ” قائدا ” للعالم ، أو نبي مكرم من الله ، أو من بيده أمر الحياة والموت ،
وما هو إلا قائدهم وشيطانهم الأكبر .

ثم توقف عند بداية الصفان ، نظر إلي الحضور بعينين حادتين تشعان دماءا وأشلاءا ،
ثم عاود النظر إلي الأسري الركع أمامه ، أشار إليهم بأصبعه شامتا وهز رأسه وابتسم قائلا
: لقد ركعتم لي كما وعدتكم
، وهذه نهاية من يتحدانا ،
سأرسلكم بعد دقائق في رحلة إلي الجحيم ولكنها بلا عودة .

ثم واصل السير يتفقدهم واحدا تلو الآخر وتعلوا هامته إبتسامة نصر ،
وبعد أن إنتهي من تفحيصهم وتمحيصهم توقف ثم أشار بيده تجاه الشاحنات خارج الميدان .

فهرع إلي الساحة رجال مسرعون يحملون آلات التصوير ، وإتخذوا مواضعهم أمام الركع ،
وبدأوا في تشغيل آلاتهم لتصوير وتسجيل ما يحدث ..

همس ” شيخ كبير ” من الحضور إلي رجل بجواره قائلا
: ” الرقة ” لم تعد رقيقة !
رد الرجل : لم تعد محافظة ” الرقة ” السورية كسابق عهدها ،
لقد دنسوها بأقدامهم ،
يقولون أنها ” خلافة إسلامية ” وهم أبعد مايكون عن الإسلام !
رد الشيخ بكل حزن ويأس : يذبحون الأبرياء كل يوم كذبح البعير بلا رحمة ،
يصلبون ويقطعون جثث الموتي ،
يحرقون الناس أحياءا حتي الموت ،
يعذبون الناس بلا شفقة ، يغتصبون النساء بلا هوادة ، يكفرون ويحللون ويحرمون بهواهم
ووفق شياطينهم التي تؤزهم أزا ،
كيف لهم بتلك الأفعال والمسلم ” من سلم المسلمون من لسانه ويده “.

الرجل : لقد سأمت وهبطت عزيمتي ومللت من الحياة هنا ،
أريد الفرار من هذا الجحيم ، أريد أن أرحل خارج البلاد كلها ، وإن كان الموت هو المخلص من هنا فانا أريده.

الشيخ : تريد ترك بلادك للأغراب المغتصبين كمن تركوها وهاجروا ليموتوا من صقيع أراضي المهجر ؟

فطأطأ الرجل رأسه قائلا : لقد قتل أولادي وزوجتي علي يد ذلك ” التنظيم الإرهابي ” ،
ودمر بيتي بقصف طائرات الجيش .

الشيخ : ولماذا لم تمت أنت أيضا ؟
أين كنت ، أكنت مختبئا وقتها ؟.

شهق الرجل بالبكاء وأردف بصوت متهدج : كنت خائفا من الموت وترك عائلتي بدون رب ،
وعندما علمت بقدومهم تركت عائلتي وذهبت إلي بيت صديق لي ،
وعندما عدت وجدتهم قد فارقوا الحياة ، أنا جبان ، أنا جبان ياسيدي ،
كنت أظن أنهم عندما يجدون نساءا وأطفالا سترق قلوبهم ،
وسيتحلون ببعض المشاعر ، ولكن هيهات لما ظننت .

الشيخ : لقد أصبح شباب هذا التنظيم الإرهابي ” آلات ” لا تحمل داخلها أدني مشاعر ،
أصبحوا آلات تنفذ ما تؤمر به دون تحكيم للعقل ،
آلات قتل وسفك دماء تتسارع إلي الجحيم بكل جهالة ،
فقد خرجوا عن كتاب الله وسنته بأفعالهم التي لا يقبلها عقل أو دين .

الرجل : أحلوا لأنفسهم المحرمات ،
وصاروا آداة في آيدي أعداء أوطاننا لتدميرنا بآيدي أبناءنا ،
ولتفتيت جيوشنا .

الشيخ : حسبنا الله ونعم الوكيل .

فجأة ،،

إنهمر الرجل بالبكاء قائلا : لقد إفتقدت عائلتي كثيرا ، إشتقت إليهم ،
إشتقت لمداعبة صغاري ، إشتقت لغمرات زوجتي وإبتسامتها التي غربت عني بلاشروق ،
رحلوا عني ورحل معهم الأمان والطمأنينة ، رحل الدفء وبقيت أنا والجليد ،
لقد توقفت حياتي ، أريد الذهاب إليهم ،
أريد اللحاق بهم حتي أعتذر منهم عن تقصيري في حقهم .

الشيخ : إن شاء الله سيسكنهم الله فسيح جناته ،
هم في دار حق ونحن في دار باطل لاتقلق عليهم ،
بل إقلق علي نفسك .

أغمض الرجل عينيه من شدة البكاء ثم نظر إلي الشيخ قائلا : سيدي ، إنهم ينادوني الآن ،
. نظر إليه الشيخ بتعجب .

واصل الرجل حديثه : نعم ينادوني وأصواتهم تحيطني من كل صوب وإتجاه .

: تعالي يا أبي .
:إشتقنا إليك .
: إفتقدتك يا زوجي …

نظر إليه الشيخ سائلا إياه : أحقا تريد اللحاق بهم ؟
فتح الرجل عيناه الداميتان ونظر إلي الشيخ : حقا ياسيدي أريد الرحيل إلي دار الحق ،
وترك دار الباطل لمن يتناحرون عليها .

إبتسم الشيخ وأدار جسده صوبه وأخرج في خفاء من جيبيه ” قنبلة ” صغيرة ،
وقال للرجل : هذه القنبلة كانت تأشيرة رحلتي إلي أحبابي بعد قليل .

ولكن مادمت أنت مصر علي الرحيل الآن ، فلتحصل عليها ،
ولتكن تأشيرتك لرحلة الخلود مع عائلتك ،
وأنا سأرجي رحلتي قليلا .

إبتسم الرجل وهو غارق بدموعه وأخذها ووضعها بجيبه وهم بالذهاب ،
فإستوقفه الشيخ
قائلا : ليس الآن ياعزيزي إنتظر حتي ننصرف وبعدها إقترب من
إحدي تجمعات الإرهابين وفجرها بينهم وانتقم لعائلتك وكن مطمئنا إن لم تمت من رصاصهم ،
ستمت من الإنفجار ..

أشار ” القائد ” وأمر بالذبح بعد أن ألقي كلمته أمام آلات التصوير .

إنبطح الأسري أرضا ، وأخرج الملثمون الخناجر من أغمادها ،
وهرعوا بنحر الأسري بلا شفقة ،
وسط صراخ وغرغرة وإستغاثات من الضحايا حتي فارقوا الحياة جميعا ،
وسالت الدماء لتلعقها شياطين الأرض بكل شراهة .

نادوا فالناس بالإنصراف ،
بدأ أهل المدينة بالعودة إلي مساكنهم متبلدين المشاعر مصدومين مفتورين كارهين للحياة يتلكؤن الخطي .

إقترب الرجل من إحدي تجمعات ” الإرهابيين ” فسمع زوجته تناديه فإبتسم وصاح أنا قادم ،
إقترب أكثر سمع أبناءه ينادونه : أسرع يا أبي ؟
فزاد حنينه اليهم أكثر فأكثر وأخرج القنبلة من جيبه وجري ناحية ” المسلحين ” فإنتبهوا له ،

ولكنه قاب قوسين أو أدني .

فإقتلع فتيل القنبلة ، وألقاها صوبهم ،

فتحوا عليه النيران ،
فسرعان ما إلتقي بعائلته وأصبحوا بين أحضانه بعد طول غياب ..

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى