مالكة عسال
مسابقة في القصة القصيرة
برسيم التجلي
جالسته لأخَبّل أعضاء الوقت ،وأدهس كائناته المتعجرفة ….
فأنشد يقول :انتشلْ جسدك من واحات الكدر ،وأطعمه زبد النور ، ليتملص من رداء التسويف والتخويف والتعتيم ،وافتحْ مسامه على برسيم التجلي ،ليحتضن شرفة الحقيقة ،ولمّا تتمسكْ بها أو تقتربْ ،شقّ فجّا بين الصلب والترائب ،تابع …واخترق الصخر ،وأنت تنهش كبدَه بسيف الأمل ،فتته بين كفيك ألحانا ،حتى يصير حامضه تينا ،لاتكترث للعاصيات المُدرِكة المُدرَّبة على الإحباط ،ولا للعاثرات الناهضة بين الأسنان ،….اضرب بشعاعك جماجمَ عقماء الخيارات ،والأنفس المسكونة بالوهم في أوعية التمويه ،والمشاعر المكفنة في أغمدة التصحر والتحجر،المتشدقة بخيوط عنكبوتية ..قد تصل في غمرة إلى الواحات المقفرة ،المنفرة ،والرقع الجدباء ،ابسُط ظلالك النزيهة المطلية برحيق النقاء ،وأدلِِ جيوب العفة بسند من النبل ،فتُزهر الصحراء الجافة بخمائل الضوء ،ولؤلؤ الماء ،والتفاح بعنبه يتدلى ….
لن ترهبك الأيادي المغشوشة المغتسلة في غدران الرهبة ،ولا العيون الناتئة بماء الكلس ،ولا السواعد الرخوية المطنبة بكلأ الطين ،ولا الأنياب الجاحظة من ثغور الجعجعة بلا طحين ،…كلها ملامح صيغت من قش هش ،تستند إلى هوة بلا قرار ،تجلجل بالفراغ في الفراغ ،في مقامات الجياع تشيد ناطحات من الانكسار ،وحين تُقبَل بالرفض ،أو تذوب في دمع الفقراء ،تسكنها دوائر من الفزع ،فتُغِير على هندستها المشرئبة بإملاءات أركوزية خرساء ،لتُغيّرها بأخرى مشكلة من الخشب …
ملامح ناخرة للذّمم ،ملتصقة بنقطة الارتكاز ،تدور في حلقة مفرغة ،معطرة بركام التعاويد ،وتليد الطقوس ،تتطاير رذاذا ،والحال في مَقعَده مُقعَد ،يزدرد حاله الميؤوس والمكفهر، والمؤسف ،جاثم بمُلاءته الثخينة في منطقة تفور حزنا وألما ..يدُك المحمود ،ويقبر المأمول ،مثابر على تمشيط الأفق من بساتين الخيزران ، وهدم آخر مساحة من مساحات النور …ثم لايلبث أن يُشيدعلى الأنقاض طرق الخوف مكتنزة بمسارات الإبهام ،تتناهض بتلال البؤس ،وطواحين سحق البشر ،وقباء تعزف فيها الريح أغنيات اليأس ….اخرجْ من تغرك المزموم ،المسيّج بسلاسل الصمت ،وتوت الغضب ،وانتعل بردك الفائر بنفحة الحلاج ،وتمسّكْ بما رسمتَه في الآفاق البعيدة من أوراق زاهية ،وينابيع مُدَفّقة بالفرح ،وما هيّأتَه من مفاتيح سحرية لتحرير الطيور الملونة ،واقبضْ على ماصنعته من خميرة وملح لتخصيب حدائق من النوارس، والفراشات المنحوتة من دمك …وتأبط غلالة غرس نقانق الرونق في كل الحقول ،وحَلقْ طائرا دوريا من الزمرد في قلوب الخلق ،ليتذوقوا شهدك ،فينتعشوا بما انسكب من شرايينك من أنخاب رقراقة ،ومشاعر بِرقة الهديل ،ولون البرتقال ،وبسمة الأطفال …لاتنحنِ لثورة الريح ..فالانحناء كسر الظهور ،عقبَ ما أفل من عصور…لاتثنيك هزة دحرجتها لحظة مُتعِبة ،ذات تسلية ملعونة لفك أزرار الضيق ،فقد تنساب مع أول حملة نحو المصب الأخير ،ولاضير ،لاضير إن خلفتْ بقعة سوداء ،أو جرحا لم يندمل بعد ،فمع تسرب الوقت، تغتسل مدنُك بمزن اليقظة الملقحة بالرونق …وزلزال الروح يخف ،والبحيرة الآسنة تجف ،فتنهض من شواطئ الضجر وأنت مغيّر الجلد ،مبدّل الحال ،أخيرا تفتح في جسدك ممرا بسرائر أخرى ……………………….
حين انتهى سقطت جمجمتي وانصهرت في بقاياها ..
مالكة عسال
اترك تعليق