(*مسابقة القصة القصيرة *)
********************
بعيداً إلى هنا
-*-*-*-*-*-*
عند المدخل الجنوبي للقريه
على أحد طرفي الكوبري يجلس في تؤده
يجتمع حوله الشيبان والشباب
لمعشره الأنيق وسمته اللطيف ،
وفد الى القريه منذ زمن لانعلمه،،
فقد وجدناه كما هو وبجواره دوماً أكواماً مكدسة
من أعواد القصب يبيعها للمارة والسابلة ،
نلتف حوله كل يوم بعد أن تتواري الشمس بأفقها اليومي
وبعد أن ننتهي من مباراتنا الكرويه يومياً ،
نمد أيدينا على أعواد القصب نتحسسها
ونختار منها الأغلظ دوما،
فكلنا يحمل بيده ما راءه أغلظها من وجهة نظره
وأحيانا يمتد بنا الوقت فنثني ونثالث الأعواد،
وبعد أن نمضي الوقت ضاحكين على ما يرويه لنا من مواقف يحكيها بسلاسة وعفوية، ومشاهدات يوميه تجعلنا نتطوح من فرط الضحك ، ونتسأنس لما يرويه لنا مما عاصره وعاشه في رحلته قادماً من أقاصي الصعيد ،
إنه العم حشمت القابع دوماً بجوار الكوبري
المتزوج من أم إبراهيم والأتية معه لا ندري لها بلد ،
لم يكن لنا موضوعاً نتحادث فيه بل الموضوع هو ما يفرض نفسه كنا له دوماً منصتين وعلى حكيه ضاحكين معلقين وأياً منا لم يخطر على باله ان يسأله لم قدم الى مستقره هاهنا ؟؟
أتراه فعلا هارب من ثأر أم مجرد مرتحل
مل من مقامه هناك فأراد تغير أماكن الإرتزاق ،
وأبداً لم نراه للقرية يوما تاركاً أو مغادرًا غائباً لنتيقن أنه الى أهله ذاهباً زائراً بل هو بين ظهرانينا مقيماً أبدا ،
ففضلنا أن نظل على علمنا به مطارداً من الثأر هارباً ،
فأيما كان فلسنا له في الأمر مجادلين ، ولسنا لحياته مغييرين بل له منا المنعة إن أرادها يوما وله منا كتمان أمره وإن لم يسله.
******
على الطرف الآخر من الكوبري كانت مقاعد لها زوار أخرين في أوقات أخر ، منضده صغير إنتزعت القادم إليها نزعا وأورثته وهما ، كان الرجل في العشرين من عمره ذو جسم رياضي متناسق وجبهة مليئة بالحفر ووجه به نتوأت
وستره ميري لا تغادر جسمه أبداً فما ألفناه يوما بلاها ،،
وبجيب بنطاله أكياس معده للبيع ملفوفة بعناية وبميزان دقيق ،
يأتى اليه زبانية من كل حدب متهالكين ممصوصي الأبدان
رغم أنهم في عمر غص وليس بحسين.
عانق سامبو صاحب المقهى ذو السترة الزيتيه وتبعه الى حيث تتم الصفقات وتبعهم هر صغير كان أخر ضوء من الكلوب المعلق على باب المقهي يقرض ذنبه المتراخي ، وكأن ذاك الهر مدمن الكيف مثلهم ، إشترى سامبو سموماً بحلاله وجلس بين المدخنين العصاه وتمدد الهر في تثاقل بين أقدامهم اللامعة الأحذيه اليوم ،،
مد الرجل ذو الأنف المهشم (الجوزه ) التي كان أنبوبها مصنوع من قصبة خضراء ، تبادل ثلاثتهم القصبة محدثين كركرة كنقيق الضفادع وبين الفينة والأخرى يخرج أحدهم ورقة من جيبه يتشممها ويدحرجها أمامهم على الطاولة ويضغط عليها براحة يده اليابسة ويخرج الآخر كره بنية اللون ويستل مطواه من جيبه يقطع بها قطع صغيرة بحجم الجرام ويضعها على أحجار معدة سلفاً بالتبغ ومرصوصة بين متوازيين من الاخشاب كي لا تسقط الأحجار ،،
اليوم أخرج أحدهم ورقة أخرى بها بذور صغيره وجعل يخلطها بالكرة البنيه ليكون لها تأثير أشد،
وهم يتبادلون الحديث عما يحدثه هذا الخليط الجديد في رؤسهم ، نادى أحدهم صاحب المقهى ليغير الجوزه ويأت بأخرى فآتاهم ماكانوا يوعدون،،
أخرى أصغر حجما ليكون صوتها أكثر نغماً
وماؤها أكثر خلط للدخان ويتصاعد مابها من هواء سريعا ،،
تأكد أحدهم من فتحة الرفاص التي تسمح بمرور الدخان للخارج وكان ثالثهم يتناول بيده حبة زيتون سوداء ،
وبدأت الدورة الثانيه من الأحجار المعده في الاشتعال
محدثة صوت فرقعه كلما اشتعل أحد تلك البذور الصغيره .
*******
كانت سمارة إبنة جمالات بائعة الدشيش تهرول بقطع ملابسها الرثة وبحذائها المهلهل محدثة ضجة ولكن من يهتم بالنظر اليها ، كانت في طريقها الى ماكينة الطحين لتحمل ما يعطيه لها العم عوض الميكانيكي الذي يعمل أسطى على ماكينة الطحين ،،
أعتاد الناس ان يهبوا العم عوض بعضاً من أرز ورجيع
مما يقومون ببياضه فكان يبيع الرجيع والدشيش لجمالات الأرمله بنصف الثمن ويأخذ لنفسة الأرز الأبيض ،،
كانت سماره كل يوم تقوم برحلتها بعد المغرب لتحضر بضاعة أمها ،
وتعرج على العم حشمت ليمنحها أحد اعواد القصب .
********
على مقربة من ذلك وجد كوخ مبني بالطوب اللبن
للعم ابراهيم بجوار شجرة الجازورينا الضخمه ،
تحت تلك الشجرة دوما اكواماً مكدسة من البطيخ ،
وبداخل هذا الكوخ المتهالك نجد العم ابراهيم جالساً أبدا يوقد النار وبوسطها براد فقد لونه فما عاد له من البراد الا الاسم فقط ،
ودوما بجوار البراد أعداداً من البطاطس الصغيره او البصل يشويه طالما هو جالساً حتى يأتيه رفاقه للعب الورق .
*******
في غبشة الليل كان المتولي وسعد بن الغفير ذهاباً لشراء بطيخه فيجلس سعد في ثوبه الطويل مفرجاً بين ساقيه ويتناول أحد البطيخات ويساوم العم ابراهيم على ثمنها بينما هو يدحرج اخرى واخرى من بين ساقيه بعيداًُ ليحملهم المتولى ويذهب،
ويختلف سعد مع البائع في السعر فيترك البطيخه
ويذهب لاقتسام الآخريات مع المتولي ،
*********
ما إن وصل الاثنين الى موضع الاقتسام حتى كان الصوت يدوي في أرجاء القريه مرتفعا من سمارة تجري كالمجنونه وهي تهذي لا يفهم من كلامها شئ وثوبها ملطخ بالدماء ،
هرعنا جميعا تاركين القصب ومعنا العم حشمت وخرج العم ابراهيم من كوخه ليعرف الخبر ماراً بسعد والمتولي يقتسمان البطيخ المسروق تاركين سامبو بين دخانه الأرزق لا يقوى على الحركه وصولا الى ماكينة الطحين حيث العم عوض لم يتبقى منه شيئاً فقد التقطت الطارة جلبابه ودارت بها لأعلى واسفل
مقطعة هذا الجسد الى أشلاء ،
كان سامبو يستعد ومن معه للركوب بالسيارة التي تقلهم لـــ
(مولد أبو حصيرة اليهودي)
وليل طويل ينتظر الجميع ،،
بعيدا عن هنا .
( المسحراتي )
محمد خليفه