ط
أخبار متنوعة

تراب الماس فيلم يستحق المشاهدة عدة مرات

أمام التجربة الثالثة التي تجمع بين الثنائي مروان حامد مخرجا وأحمد مراد كاتبا وفيلمهما الثالث “تراب الماس” بعد فيلمي “الفيل الأزرق” 2014 و”الأصليين”2017 ، يمكننا القول أن كل منهما وجد ضآلته مع الآخر، وأن هناك كيمياء خفية تربطهما، ليقدما معا المعادلة الصعبة في السينما المصرية التي تعاني منذ فترة ليست بالقليلة.

الشريط السينمائي الذي أمامنا يطرح قضية هامة تصلح لكل العقود وهي غياب العدالة وتجزر الفساد وعجز القانون،  وما يترتب على كل ذلك من تحول الإنسان المسالم إلى قاضي وجلاد للأخذ بثأره وتطبيق شريعة الغاب في ظل عجز القانون، تلك القضية ليست مرتبطة بزمن محدد إنما تناسب كل العصور.

صحيح أن الفيلم أشار في مقدمته إلى المرحلة الزمنية وضرب بمطرقة الحقيقة أسباب الفساد، في إشارة قاطعة إلي اتهام “ترزي القانون” محروس برجاس” عضو مجلس الشعب منذ العصر الملكي والمستمر في منصبه صولا للزمن الحالي، يخدم السلطة في كل أشكلها وليس العدالة التي انتخب من أجلها، كما يدين الفيلم أيضا العقيد وليد سلطان منفذ القانون الذي يستغل سلطاته من أجل مكاسبه.

أسباب الكارثة 
تبدأ الأحداث في عام 2018 بمشهد مظلم ودخول “طه حسين الزهار” آسر ياسين لمنزله، وعثوره على والده ملقى على الأرض وقبل اكتشاف سبب سقوط والده يتلقى ضربه قوية على رأسه، لننتقل إلى عام 1952 وصوت حسين الزهار أحمد كمال يحدد الزمن والأحداث قائلاً “1952 قاد اللواء محمد نجيب بمساعدة الضباط الأحرار انقلابا عسكريا ضد الملك فاروق حاكم مصر المحتلة من بريطانيا في ذلك الوقت أسفر الانقلاب عن إنهاء الحكم الملكي وإعلان الجمهورية، وتولي نجيب الرياسة ليبدأ تنفيذ مبادئ الثورة، وأراد نجيب إرساء الديمقراطية وإعادة الحكم للشعب وكان لمن حوله رأي آخر، في نوفمبر 1954تم عزل الرئيس محمد نجيب وتولي جمال عبد الناصر حكم مصر، حتى اليوم نعيش تبعات هذا القرار”.

ويدخل بنا مروان حامد إلى عام 1956 والأوضاع في مصر في تلك المرحلة  والنسيج الواحد بين طوائف الشعب من المصريين واليهود، الجلسة في بيت عم “لييبو” بيومي فؤاد الجواهرجي اليهودي، و”الزهار” سامي مغاوري صانع العطور على صوت أم كلثوم وحوار عن القلق من طرد اليهود في المرحلة المقبلة، وتختتم تلك المرحلة التي تم صبغها باللون الأبيض والأسود بموت الزهار بعد لقائه مع ولده حسين ونصحته لولده “أي حاجة غلط بنعملها لازم ندفع تمنها حتى لو أتأسفنا “. وفي مشاهد خاطفة تسرد أمامنا الأحداث بعد موت الزهار واشتغال حسين مع لييتو في دكان الصاغة واكتشافه للمادة السامة من تراب الماس، وخيانة اليهود وفضيحة “لافون” وترحيلهم عن مصر، ليعود بنا زمن الفيلم مرة آخري إلي ليلة رأس السنة في 2018 والزمن الحالي. كل ما سبق من أحداث تناولها مروان في تكثيف شديد سريع الإيقاع في “الآفان تتر” مقدمة الفيلم بالأبيض والأسود  ليدخل بنا بعد ذلك للأحداث و تبعات القرار.

جريمة قتل الأب تفك الكثير من الألغاز التي تحيط بـ”طه” وتدخله عالم العقيد وليد سلطان ويده الباطشة “السرفيس” محمد ممدوح، وتفضح أكذوبة الإعلامي الزائف رجل المبادئ “شريف مراد” إياد نصار، وتطلعه على أسرار سيدة الأعمال  القوادة “بشرى صيرة” شرين رضا، وميراث الفساد مع “هاني برجاس” عادل كرم. وسلسلة من الجرائم التي لا تتعاطف معها لأنهم جميعا فسده لوثوا الحياة يستحقوا العقاب الذي نزل بهم. وهناك جملة حوارية ترددت كثيرا بالفيلم على لسان الأبطال لتبرير جرائمهم ” أن الأخطاء الصغيرة يمكن أن ينتج عنها كوارث كبيرة حتى لو تم الاعتذار عنها”.

  “تراب الماس”فيلم مأخوذ عن الرواية الأدبية التي تحمل نفس العنوان للكاتب أحمد مراد “2004”، فلم يجد صعوبة في أن يضيف علي الرواية شخصيات جديدة تخدم الحبكة فكانت شخصية الإعلامي شريف مراد هي العنصر الجديد ليتواءم مع الأحداث  ولا يمنع بالمرة من الإشارة أيضا إلي الفساد والزيف الإعلامي أيضا مادام ملف الفساد قد تم إزاحة الستار عنه.  إضافة خدمت الفكرة والشخصيات وتؤكد على ضعف القانون أمام السلطة والقوة والأضواء.

نحن أمام منتج فني ذات مستوي رفيع على كل المستويات من إبداع ثنائي شديد الموهبة والحساسية الفنية، فمروان خلق جو خاص لشريطه سينمائي على طول الخط الدرامي رغم تكرار حدث الجريمة عدة مرات ليخلق مبررا للأحداث ويربطها معا، ويدير نجومه بكل إقتدار ليخرج منهم أفضل ما لديهم، ومراد رسم شخصياته بإتقان شديد فكساهم  دما ولحم، وساعدت موسيقى هشام نزيه على تكثيف الحداث والشعور برهبة الموقف، وديكور محمد عطية أدخلنا في الأزمنة الصحيحة، وملابس ناهد نصرالله أضافت للشخصيات بعدا جديدا، أما عنصر التمثيل فحدث ولا حرج فكانت مباراة قوية لماجد الكدواني وأحمد كمال و وآسر ياسين ومنة شلبي و محمد ممدوح وشرين رضا كل في مكانه المناسب.

وأخيرا “تراب الماس “فيلما تشاهده مرات ومرات وتشكر الله إنك وجدت شريطا سينمائيا في موسم العيد والصيف تدفع له عشرات الجنيهات بلا ندم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى