ط
مسابقة القصة

ثلاثون يوما ..مسابقة الرواية بقلم / غادة هيكل من مصر

جزء من رواية / ثلاثون يوما بقلم / غادى هيكل
ثلاثون يوما بدأتها بمحاق ثم ظهرت كالهلا ل ، حتى صارت حياتى بدرا مكتملا ، ولكن هيهات فالقمر لابد له من أفول ، فظل يتناقص يوما بعد يوم ، حتى عاد محاقا ، ولكنها تركت لى كلمات هى البدر وهى النور وهى السبيل إليها ، لن أنساها حتى تأتينى بالورود وسوف اروى لها الصبار حتى تحمل لى أزهاره .
خرجت من بيتى لا أدرى إلى أى الأماكن أتجه ، ارتديت ما قابلنى من ملابس واسرعت نحو الشارع أسابق خطاى ، وأحمل همى فوق كتفي ، وقفت امامى سيارة الميكروباص ، فهرولت بداخلها غير عابئة بإتجاهها ، لم أنتبه إلا وهى بالقاهرة ، ركبتُ المترو نزلت بميدان التحرير ، ظللت أسير فى دوائر حتى أنهكنى التعب فجلست فى اول مكان أدركنى ، تدافع الدمع من مقلتي مهرولا فوق خدى الوردى وعندما كلّ هو الأخر توقف وأسندتُ رأسى بكفى واستسلمت بجسدى المنهك فوق المقعد ، سمعت صوتا يقول لى أتركيها على الله ، وعندما حاولت فتح عيونى لم أجد سوى أُناس يسيرون كعادتهم محملقين أمامهم بلا هدف أو قد يكون لهم هدف ما، عدت لنفسى مرة أخرى ، ثم شعرت باحتكاك بجسدى ، كان الجالس بجانبى أمرأة قد شارفت على السبعين أو أكثر ، يقف قبالتها شاب أربعينى ، القيت عليه نظرة وأنا أدارى عيونى بيدي كالتى تحجب الشمس خشية أن يرى آثار دموعها ، طويل أبيض البشرة ممتلئ الجسد ، قائلا لها : سوف آتى بما نشربه .
تركها وذهب فالتفتت لى ، رايتها بيضاء البشرة لها زرقة البحر فى عيونها ، نحيفة جدا ، بوجهها تجاعيد لا تخفى جمالها ، قالت لى بصوت حنون: يريد أن يرحل إلى أمريكا وأنا ألان عقبة يريد أن يزيحها ويفكر فى طريقة ، لم أنتبه لكلامها كثيرا ، فأردفت مالك يا ابنتى أراك تحملين هما جثيما ، أنظرى لى ولا تجزعى كل الهموم تهون والأيام تسير ، أهم شئ هو أن لا تحصدى نتاج ما قدمتيه إن كان فى غير صالحك مثلى ، كم تمنيت الآن أن أعيد الزمن حتى أغير تلك اللحظة .
لفتت انتباهى بكلماتها وشعرت بضآلتى ، وهممت بالحديث معها ، بادرتنى قائلة : لا ريد أن أعرف ما حكايتك ولكن لى عرض إن قبلتيه يسعدنا نحن الأثنتين ، شدت انتباهى ، فكيف تعرف أين تكمن سعادتى ولم يمر سوى دقائق على لقائنا ؟
سارعت وقالت : أنظرى هناك ، هل ترين تلك العمارة على هذه الناصية قبالتنا
قلت : نعم
قالت : هنا أسكن فى الدور الثانى ،فيها قضيت عمرى كله فهل تقبلى أن تأتينى كل يوم أو يومين ساعتين فقط تعاونينى فى أشيائى وسوف أعطيك راتبا كبيرا يقضى حاجتك التى تبحثين عنها .
تعجبت من كلامها ولم أنطق ببنت شفة ، ودارت بى الدنيا ، كيف عرفت أن الحصول على المال لكى يستر بيتى هو المشكلة ؟
لا تفكرى كثيرا جربى واحكمى بنفسك نظرت إليها وقد أتى أبنها يحمل زجاجتى عصير وزجاجة مياه وقفت وأمسكت بيدى وقالت له : هيا الحق بطائرتك التى حجزتها لقد حُلت مشكلتى فلا تخشى علىّ
لم تنهى كلماتها حتى هرول مسرعا وهى تمسك بيدى قائلة : ثلاثون يوما .
كل هذا وأنا صامتة لا أدرى ما أقول وهى تمسك بيدى وتسير بى نحو البناية التى أشارت إليها .
وصلنا حتى البوابة الكبيرة ، على يمينها مطعم كبير يقدم كل أنواع الوجبات بداية من الفول والطعمية ، وعلى يسارها محل بقالة كبير أيضا .
مدخل واسع على يمين السلم حجرة البواب قام واقفا عندما رآنا بادرته قائلة : بنتى وهى لا تعرف حتى اسمى ،صعدنا السلم واحدة واحدة على مهل وجدنا باب الشقة مفتوحا وأبنها يغادر حاملا حقيبة سفر صغيرة على كتفه ، سلم عليها مودعا وغاب فى لمح البصر ، ولم ينسى أن يناولها المفتاح ، نظرت نحوه مطولا ثم دلفت إلى داخل الشقة وضعت مفتاحه على رف خلف الباب .
دخلتُ وراءها ، وانتظرت خلف الباب وهى تسير نحو حجرة ، بابها مزين برسومات فرعونية جميلة ، تجولت بنظرى فى المكان سريعا ، تهيأ لى انى داخل بيت الحكايات الذى قرأت عنه ، أو أنى ببيت أمير وأنا السندريلا.
نادت على تعال يا … لم تكن تعرف اسمى بعد فقلت: ليلى
قالت تعالى يا ليلى .
سرت إليها وأنا ما زلت أتأمل تلك الجدران المنقوشة والمزخرفة بالتماثيل وكأنها حية تنتقل بنظراتها معى اينما سرت .
وقفت أمام باب الحجرة المتسعة كشقتنا ، سرير فخم كما حواديت الف ليلة ، خلفه مكتبة تحوى العديد من الكتب ، نظرت إليها فى شغف فقالت :
بتحبى القصص ،ابتسمتُ ، أردفت
دى مجموعة لعمالقة الكتابة القصصية والرواية .
همستُ ،دى شغلتى لما يكون بالى رايق .
فى تلك اللحظة انتابنى شعور غريب همست لى ببعض الكلمات عن هذا المكان المجروح ، البيت الخالى الذى يستر عوراته بمزيد من الحلى والستائر ، على الرغم من توقفه عن ذلك منذ مدة .
خلف تلك الجدران والحواجز يأتى الصوت قد يهمس وقد يعلو لكنه يأتى ، يصل إليها بطريقة ما ، يجد ممر بين تلك الأحجية ،يراوغ الساكنين بأمل زائف ،ولكن هل أنا جزء من هذا الأمل وما دورى فيه ، اخذتنى من شرودى قائلة :
ممكن نشرب شاى سوا ،على الفور ابتسمت لها وقلت أكيد
ذهبت إلى المطبخ ، وجدته بحالة يرثى لها ، وضعت الشاى على البوتاجاز ، وذهبت إليها كى استعير منها عباءة ما حتى اتمكن من تنظيف المطبخ مما فيه .
قامت من فوق سريرها العالى ، امامه درجتين من السلم المغطى بالسجاد ، فتحت الدولاب فهالنى ما رايت ، خزانة كبيرة جدا بها العديد من الملابس ، المعلقة منها ، والموضوعه بلا عناية فى القاع ، ألوان كثيرة تأخذ العين والقلب ، انتقت عباءة معلقة شفافة بعض الشئ واعطتنى اياها ، ذهبت إلى الحمام لكى أرتديها ، لن أتمكن من تركه قبل وصفه هو الأخر ، لماذا ؟ لأنه فخم فوق العادة ، أو هكذا رايت ، استقبلت ذاكرتى على الفور منظر اعلانات سيراميكا مع مشاهد من الارابيسك وأرضية الباركية ، والستائر المرتخية حول البانيو وتلك المكتبة المعلقة التى تحوى بعض الكتب ، وقلت من يقرا فى هذا الحمام ولمن ؟، فوجدت بعض الكتب البارزة عن اليسار فعرفت للتو من صاحب القراءة فى الحمام .
ارتديت العباءة وذهبت إلى المطبخ ، بدات فى اكتشاف محتوياته مع ترتيبه سريعا وتنظيف ما حوله ووضع الملابس فى الغسالة وتشغيلها ، فتحت الثلاجة فوجدت بها من كل الخيرات من انواع الطعام والمعلبات والخضر والفاكهة ، أما الفريزر الاخر فيحتوى من اللحوم والاسماك وغيرها ما يكفى أسرة مكونة من خمسة افراد شهر كامل أو أكثر .
فكرت على الفور بتجهيز بعض الخضار المسلوق مع اللحم المفروم لها حتى أغادر المكان بسرعة وأعود إلى بيتى .، حتى أننى لم أسألها ما تريد .
وضعت الطعام على النار وتركته ينضج وحملت الشاى إليها فوجدتها بالشرفة ، تجلس على كنبة وثيرة مريحة وامامها الميدان يتسع باتساع العالم كله ، وموسيقى تنبعث من اسطوانة مجاورة تبعث على الراحة ، رحبت بى بابتسامة راقية ،وجلست قبالتها .
نظرت إلى طويلا وكأنها تريد أن تستمع لى ، ولكنى آثرت الصمت .
بادرتنى قائلة : ما رايك بالشقة
قلت : جميلة جدا
قالت : ولكنها حزينة لأنها وحيدة ، على كل لن تبقى وحيدة طويلا ، ثم أردفتْ بسؤال أدهشنى
هل قابلت يوما عرّافة ؟
قلت : لا
تحول الحديث سريعا وقالت : عندك اولاد اكيد
ايوة لدى ثلاثة اطفال ، بنت وولدين
جميلة الأولاد خصوصا البنات ، لديهم مساحة من الحنان والعطف لا يقدرها إلا من هم مثلى ألان هكذا ردت وعبرات توقفت بداخل مقلتيها
سارعت كى اخرجها مما هى فيه قائلة : أنا سمحت لنفسى أجهز لك بعض الخضار السوتيه مع اللحم المفروم يا رب يعجبك
ضحكت وقالت : باين عليك طباخة شاطرة ، أكيد يعجبنى يا ليلى
قمت إلى المطبخ لأشرف على الطعام ، واغلقت عليه النار وعدت إليها ،تذكرت سريعا أن القى نظرة على التليفون الذى تركته بالحقيبة ، وجدته كما هو بلا رنين ولا مكالمات – لم يرد عليها- ،هى تراقبنى من بعيد
عدت إليها ، سألتنى : هل طلبك أحد
قلت:لا ،أعتقد مازال زوجى وأبنى نائمين الأن ، على كل الساعة الآن الواحدة ، لابد من الإنصراف
قالت :ألن أتذوق الشربة
قلت لها : عيونى ، حالا
اسرعت إلى المطبخ ، أحضرت لها طبقا ،تذوقته بهوداة ، وقالت :الله تسلم أيدك
شكرتها وأنتظرت حتى فرغت ، حملت الاطباق إلى المطبخ وعدت كى انصرف
هل ستعودين غدا ، سألتنى
ابتسمت ورددت إن شاء الله
ماذا سوف تقولى لزوجك ، قولى له أنك حصلت على عمل بمرتب جيد ، من التاسعة وحتى الثانية ظهرا ، أليس ذلك مواعيد العمل ؟
سوف أحاول
لا.. أرجوك سوف تأتين
ان شاء الله ، سوف أغير ملابسى الأن ، ذهبت إلى الحمام كى أغير ملابسى وعدت ، وجدتها تقف بجانب ترابيزة خلف الباب بجانب حقيبة يدى ، ومعها حقيبة بلاستيكية أخرى ،قالت لى :
خذى تلك الحقيبة معك ، نظرت فيها فوجدت بها بعض اللحوم والفاكهة ،نظرت إليها فى صمت ، فهمت مدى تألمى ، إسترسلت قائلة بكل وداعة :
هل تأتى ابنتى لى وترجع لبيتها بيدها خاليه ، أخذتنى كلمة ابنتى وجعلتنى اتقدم فسارعت باحتضانى .
أمسكت بحقيبتى كى أغقلها فوجدت بها بعض المال ليس بالقليل ، رددته إليها ولكنها رفضت متعللة أنه نصف راتبى ،سألتها وإن لم أعد ؟
قالت : سوف تأتين ، أنا أعلم أكثر منك ، العرافة قالت لى أنك ستاتين ، وضحكت .
حملت الحقيبة وخرجت وعند الباب نادت علىّ ،أعطتنى مفتاح للباب حتى لا اقف كثيرا عندما أعود لضيق حركتها ، وانصرفتُ وانا أتحدث مع نفسى فيما يجب علىّ فعله مع تلك المرأة الجميلة
عدت إلى البيت كان زوجى قد صحى لتوه من النوم لم يدر أين كنت وكذلك ولدى الصغير الذى صحا على دخولى فبادر إلىّ سريعا ضممته ، ودخلت إلى المطبخ كى أعد الطعام .
بقية اليوم وعقلى مشغول ، أفكر فيما يجب علىّ فعله ، كيف اخبر زوجى بما حدث ، أو كيف أقنعه بأنى حصلت على عمل ، حتى أتمكن من الذهاب إليها .
أعود وأفكر فى أحداث اليوم كله ، تراودنى الأسئلة عن ابنها وكيف تركها بهكذا سهولة ، ثم يقلقنى قلبى عليها كيف هى الأن وماذا تفعل فى وحدتها تلك ؟
أشعر بصداع ، يخرجنى منه أحاديث الأولاد وطلباتهم بعد عودتهم من المدرسة .
لم اتمكن من النوم ، وصممت أخيرا على أن أذهب إليها ، قلت لزوجى ، أنى ذاهبة إلى دار النشر بالتحرير للعمل بها بعض الساعات القليلة بمقابل جيد ، وسوف أعود سريعا قبل أن يستيقظ من نومه إن شاء الله ، فوافق على شرط العودة السريع .
إستراح بالى لذلك ،لم اكذب عليه فى المكان الذى سوف أتواجد فيه ، ولكن نوع العمل لا يهم كثيرا ، تمكنت من النوم قليلا قبل شروق الشمس ، خرج الأولاد إلى المدرسة واستعددت انا للخروج فى هدوء حتى لا ازعج النائمين .
وصلت إلى باب الشقة فى التاسعة والنصف تماما ، توقفت عند الباب استجمع قواى ، وإن كنت متلهفة على ولوج عالمها الذى جذبنى ولم يترك لى فسحة للتفكير فى غيره منذ الأمس .
أدرت المفتاح فى الباب وفتحت بهدوء ، فإذا بها تقول تعال يا ليلى أدخلى ، فزعت قليلا ولكنى دخلت إليها مباشرة فى حجرة نومها البديعة .
صباح الخير ، بادرتنى بابتسامتها الساحرة وردت الصباح ، أردفت : هل أجهز لك الافطار ، قالت :لا عمك محمد البواب سوف يحضر الإفطار حالا ، جهزى لنا الشاى .
ذهبت إلى المطبخ لأحضر الشاى ، وحضر عم محمد بكثير من السندويتشات ، حملتها مع الشاى ، تناولنا الأفطار والشاى فى جو من الألفة لا مثيل لها .
سألتنى : أن أحضر لها علبة ما من الدولاب ، فقمت بفتحه واحضارها لها ، علبة أنيقة من الفضة عليها رسم لصورة العذراء بطريقة جميلة ، لها مفتاح ذ هبى صغير ، قلت لها : هذا الدولاب يريد أن يعاد ترتيبه ، قالت : لنرتبه ، قلت سوف يحتاج إلى اسبوع على الأقل وضحكتُ ، ردت ، أسبوع أو أكثر ، أمامنا الوقت ، ألن تأتى كل يوم ؟ ابتسمتُ وحملت صنية الإفطار وانصرفت إلى المطبخ .
هممت بإعداد طبق الشوربة ، بينما عقلى يفكر فى كينونة هذه المرأة كيف تستقبل من لا تعرف بهذه الطريقة الحانية ، هل تقرأ الكف ؟ أم تضرب الودع ؟ ، ثم تذكرت سؤالها لى هل رأيت يوما عرّافة ، وقلت ربما .
ذهبت إليها ، فضولى يقتلنى كى أفرغ جنبات هذا الدولاب الذى أراه كمغارة على بابا ولا أملك له كلمة السر بعد ، لابد من فضه لكى يترائى أمامى أسراره التى يحملها بين طياته .
قلت لها هل نبدأ ؟ قالت نعم ، من أى مكان ؟ قلت من هناك ، من هذا الفستان الفضى ،
علت الضحكة قهقهة كبيرة ورأيت صفى لولى لا أدرى كيف حافظت عليه كل هذه السنوات ، وإشراقة اضاءت حتى قلب الميدان ، قائلة لى : اراك تبحثين عن الأسرار ، قلت وأى أسرار تملكين ، انت ِ سر الكون كله .
دُهشت من ردى وقالت كيف هذا ،قلت ألا تدرين يا سيدتى أن المرأة هى مركز الكون وكلما بحثتى عن مكان تجدى تاء التأنيث تسبقه ، فمكة مركز الكون . ومصر مركز الأرض ، والمرأة مركز كل دولة ، وبين فساتينها تختبئ الحكايا وأسرار البلاد .
قالت : اليوم عرفت عنك شيئين ، ثقافة وأدب ، هل تكتبين القصة ، قلت : أبحث عنها ، فهل اجد هنا فى دولابك قصة ؟.
أمسكت الفستان الفضى وقالت :
كان أبى من رجال الدولة المرموقين ،وكنت اذهب معه إلى الحفلات فى القصر الملكى ، ورايت الملك فاروق وسلم علىّ بحرارة ، وكنت أرتدى هذا الفستان ،الذى لفت الأنظار إلىّ حتى خشى علىّ ابى من عيونهن فلم نكمل السهرة وانصرفنا ، وكان حديث النادى والصديقات لمدة أيام .
شردت بذهنها كمن تحادث الأعوام التى مرت عليها منذ هذا الحدث ووجدتنى أحاول الوصول إلي ما تحاكيه مع نفسها ، تخيلت هذا ما تهمسه لنفسها :
أى مؤامرة كونية التى أختطفت منى تلك اللحظات ، وشقت أيام طفولتى وشبابى ، وسرقت منى جمالا خلب لب كل من قابلتهم ، وكيف احتالت على كى تسلب منى قوتى وتتحول فى دهاء ناعم إلى عظام هشة بوجه تعلوه التجاعيد ويد مرتعشة تنتظر من يساعدها .
عادت إلىّ بعد رحلة طويلة مع الذكريات ، كنت قد دلفت إلى المطبخ اتابع الشوربة وعدت ولم تشعر بى ، وكنت أتجول بنظرى نحو فستان جديد ، أظننى رايته فى فيلم لصباح وعبد الحليم حافظ ، مددت يدى وتناولته ،وبصوت عال قلت : الفستان دا بتاع صباح ، ضحكت بقهقهة عالية قائلة : كلنا كنا صباح ، وشادية ، وفاتن حمامة ، ونادية لطفى ، ها ها ها ، دا كان ذوق كل البنات وكمان كان الخياط الخاص يفصل لنا ما نريد حسب موضة الوقت ده .
على فكرة الفستان دا حيكون جميل عليك ، قلت : أنا لا لا لا مش ممكن ،البسيه كده ، قلت مش ممكن ، قالت أنا كنت فى سنك وفى جسمك لما فصلته ، وكنت متزوجة وعندى ابن كمان ، البسيه مجرد اشوفه عليك مرة أخيرة .
أعجبتنى الفكرة وقلت ماشى ، وارتديته ، وعندما شاهدتنى ، ابتسمت وقالت سبحان الله ، كنت أحسب نفسى أجمل امرأة عندما ارتديته ، وكان زوجى يقول لى كل البنات سوف تحسدك ان راوك به ،ولكنك أجمل بكثير ، شكرتها وخلعته عنى فورا ، قالت : لماذا تسرعين بخلعه ، قلت : لأنى لن أرتدى مثله يوما ولو فى حجرة النوم ، وهذا الفستان له ناس وله أماكن اخرى ،شعرت بلمحة حزن تبادلتها نظراتنا ولكل منا اسبابه .
عدت إلى الفساتين نتناولها ونتتضاحك حولها حتى مر بنا الوقت وكنا قد وصلنا إلى فستان أبيض اللون ذى ذيل طويل لم أتمكن من اخراجه من الدولاب ، وقمت برص الفساتين مرة اخرى عشوائيا لضيق الوقت ، وقلت غدا نرتبها .
هرعت إلى المطبخ وأغلقت البوتاجاز ، والقيت نظرة على التليفون فوجدته بلا مكالمات ، واستاذنت فى الإنصراف ، طلبت طبق الشوربة ، أحضرته لها ، وقالت لى أذهبى ، سألتها : هل تحتاجين لشئ ، مدت يدها لى وأطبقت عليها بيدها الأخرى ، وقالت :مع السلامة ، بوسى لى الأولاد ، ابتسمت لها ورحلت .
عدت إلى البيت بعد ساعة ، وأكملت يومى بين ابتسامة وحزن مع ذكرياتها التى أخذتنى بعيدا .
تلك الإبتسامة وتلك النظرة التى اندست بداخلى وكأنها نغمات آتية من فردوس ،وصمتها الذى يبوح بكل حب للحياة ، ثم يتحول فجأة إلى بركان من الهم يجثم فوق صدرها الصغير يعلو مع كل تنهيدة إلى عنان السماء ثم يعود بابتسامة صغيرة كأنها الأمل .
سألنى زوجى عن العمل فقلت جميل وهيّن ، قال : الأهم عودتك مبكرا للقيام بأعمال المنزل وطلبات الأولاد ، رددت نعم هو الأهم .
شعرت بغصة فى حلقى ، ثم نفضت غبارها سريعا حتى لا يتحول مزاجى إلى الحزن ، فانا أتوق إلى كتابة بداية لقصة لا أعرف نهايتها ولاحتى باقى أحداثها ، لا تشويش على ذهنى سوف أحافظ على صمتى وهدوئى ، ولكنه هو أيضا جزء من هذه القصة فكيف أحكى عنه ، وماذا أقول ؟ على كلٍ لن أصفه بما لا يليق ،فهو زوجى وأب أولادى ، ودوره بحياتى لا يمكن اجحافه ، مهما شعرت بألم من تجاهله أو تقليله من شأنى أو حتى معاملتى فى بعض الأحيان كخادمة مطيعة ومربية لأولاده .
قلت : أليس هذا هو شأن كل النساء فى بيوتهن ،هل كان هذا هو شأن سيدتى الجميلة أيضا ؟
سيدتى !!!!هل أصبحتُ وأصبحتْ سيدتى ، طردت هذا الهاجس القادم وقلت : سوف احاورها غدا فى هذا الشأن ، وحاولت صرف نظرى عن هذا الحوار الهامس وإن ظل يطاردنى حتى أدرت المفتاح فى باب الشقة ودخلت عليها فى حجرتها الوثيرة كالعادة وقابلتنى باتسامتها الرقيقة .
هذا هو اليوم الثالث ، بعد الإفطار وشرب الشاى ، قلت لها هل نكمل ترتيب الدولاب .
قالت : نعم ترتيب الذكريات وابتسمت .
رن التليفون ، ناولتها اياه ،ردت ايوة يا استاذ على أنا فى انتظارك الساعة التاسعة ، شكرا لك مع السلامة .
انتظرت أن توضح لى مغزى المكالمة ولكنها لم تبح بشئ ، وقالت ناولينى الفساتين ،
تناولت فستانا من الكريب المطرز قصير حتى الركبة ، ومن أعلى يتخذ شكل سبعة من الامام والخلف ، فقلت هذا فستان فاتن حمامة ، وعلت الضحكة وقالت نعم ، هذا الفستان الذى رآنى به زوجى سعيد باشا أول مرة على الكورنيش فلم يرفع عينه عنى حتى أتى وخطبنى ،قلت طبعا ومن يراك فى هذا الفستان ولا يتعلق نظره بك ،احكى لى حتى يوم زفافك والفستان الابيض الجميل هذا
واشرت إليه فى الدولاب ، قالت : لم ننتظر كثيرا مجرد ثلاث شهور وتم الزفاف ، قلت ألم يكن هناك قصة حب ، قالت هو أحبنى من النظرة الأولى ، وكان من المكانة والعائلة بحيث لم يرفضه أهلى ، قلت هامسة يعنى أنا وانت زى بعض ، قالت سمعتك ، أحكى لى أنت اذن ، قلت أحكى ايه هو الفرق بينا أنه كان لك نظرة أولى أما أنا فلم تتاح لى فرصة لكى أشعر بتلك النظرة .
أخذت الثوب من يدها وقمت بترتيب الفساتين وأنا شاردة الذهن ، أفكر كيف تم زواجى وكيف مرت تلك الأعوام الكثيرة ، وأين انا ألأن .
أخذتنى من شرودى قائلة إيه رايك انا الأن لم أعد أرتدى كل هذه الفساتين ، وحتى فستان الزفاف وكثير من العباءات ، فاين أرسلها لمن يستفيد منها ،قلت لها : سوف اقوم بغسلها وكيها وإرسالها لجمعيات الأيتام التى تقوم بتجهيز العرائس لدينا واحدة بالبلد ونسأل عن غيرها ، قالت إذن سوف أختار لك ما يتناسب وقومى بذلك .
كان الوقت قد بدا فى النفاذ واقترب موعد رحيلى فقمت على الفور بتجهيز الغداء وطلبت منها السماح لى بالمغادرة ، فشدت على يدى طويلا كأنها تواسينى ، لا أدرى على أى شئ ، ولكن انتابنى شعور بكونها تقرا المخفى بالعيون ، والمستور بالنفوس .
خرجت وأنا شاردة ، لا أدرى لماذا ؟ ولكن الجسد يعى المكان وطريق السير فأخذتنى رجلى إلى الباص ، عدت وما زال الحزن لا يفارق ملامحى ، لم يخرجنى منه سوى بسمة طفلى الصغير الذى قابلنى بعناق طويل ،وابتسامة بريئة تقول لى نحن دنياك القادمة .
راودنى شعور غريب منذ رأيت تلك المرأة ، كلما نظرت إليها أُصاب بالدهشة ، كيف لجذر اقترب على الفناء أن ينموا مرة أخرى من نبتة تجاوره ، كيف يستقى منها رحيق الحياة ويبعث فيها اخضرار الاغصان ، وهى بلا زهر أولُباب أو طين ندى تستقى منه بعض مياه راكدة ، إنها حزمة أوراق جفت فى عز الربيع ، ونبتة صبار حفرت فى الأرض حتى جفت ينابيع البئر ،فاستسلمت للموت وإن ظل النبض ضعيفا يخفق .
تساءلت هل القداسة فى الدين أم التدين ؟ ، هذه المرأة التى تطلق شعرها القصير يدور حول راسها فى وداعة ولا يتعدى كتفيها ، وانا أرتدى الحجاب لعله لم يكن عن قناعة ولكن هى عادة المدرسة التى التحقت بها ، ومع ذلك انا لا يمكن أن أخلعه يوما فقد أصبح عادة تلتصق بى وألتصق بها ، رغم ذلك تلاقت أفكارنا ومع فارق السن الكبير ايضا ، ورغم فارق اللحظات التى جمعتنا معا ، تساءلت هل للمراة وجهان بل ألف وجه بل ألف قلب كى تتحمل هذا العالم القاسى ، وفى نهايته نلتقى .
استمر باقى اليوم معى على هذا المنوال ، شرود واسئلة واجوبة بلا معنى ، كالحياة التى نسير فيها بلا معنى ، وكالموت الذى ننتظره ايضا بلا معنى ، ولكن هى تحاول أن تجعل من ايامها معنى ، هذا المعنى يتوغل بداخلى ، ولكن لا أفهمه ، ولم اتبين ملامحه بعد .
فى اليوم الرابع وصلت متأخرة بعض الشئ كانت الساعة قد قاربت العاشرة او أكثر ، عندما دخلت عليها تنفست الصعداء وكأنها كانت متوجسة خيفة من عدم قدومى إليها ، وابتسمتْ سائلة ، لماذا تأخرتِ قلت : المواصلات فقط كانت صعبة اليوم ، ردت المهم أنك أنتِ بخير ، طلبت منى فنجان شاى لضيف بالصالون ، لم أكن قد دخلت تلك الحجرة من قبل ، ذهبت إلى المطبخ وأعددت الشاى بسرعة يسبقنى فضولى إلى هذا الضيف ، طرقت الباب ودخلت فقدمتنى قائلة: إبنتى ليلى ،
قدمت الشاى وانصرفت بعد تحية الضيف الذى لم تقدمه لى فلم يكن سبب لبقائى ،سرح بى خيالى فى كلماتها ابنتى ليلى إلى ضيف من الواضح أنها تعرفه ويعرفها جيدا .
عدت إلى المطبخ ، وأتت ورائى ، قالت : هذا هو الاستاذ عبد الله ، محامى العيلة من زمان ،نظرتُ إليها ولمحتْ فى عينى اسئلة كثيرة وعلامات تعجب أكثر ، قالت: بعدين سوف أحكى لك ،تركتنى وذهبت للضيف ،وانا فى حيرة لا مثيل لها .
لم يطول الوقت بالضيف وانصرف ، ودخلت هى حجرتها وتبعتها كى أرى ما سوف نقوم به ،
ثم دلفت غلى حجرة الصالون اولا كى احمل صينية الشاى منها ، ووقفت برهة ألقى نظرة عليها ، كانت حجرة واسعة قلت فى نفسى انها بمثابة الصالة عندى ، بها طقم من الصالون المذهّب ، يتوسطه منضدة على شكل بيضاوى وعليها رخامة سميكة تتوسطها مزهرية جميلة فوق مفرش ذهبى جميل التطريز ، يعلوها نجفة تتدلى من السقف العال ِمن الكريستال والبرونز المذهب ، وبعض الاباليك على الجدران أظن أن اضاءتها ليلا تعطى هدوء وسحر للمكان لا مثيل له ، وعلى الجدار المقابل للباب صورة كبيرة أظنها للزوج وبعض الصور الصغيرة للعائلة بجورها ، وفى الارض سجاد عجمى لم أره من قبل تغوص الرجل فيه وهى تسير عليه من سماكته .
حملت الصينية إلى المطبخ ، ثم عدت إليها فى مخدعها ، وسألتها عما نفعله وكلى شوق لمعرفة قصة المحامى لكنها لم تتفوه بكلمة ، وقالت : فلنكمل ترتيب الدولاب ، وحملت لها فستانها الابيض الجميل الذى ارتدته فى زفافها ، وسألتها عن ليلة عرسها كيف كانت ، ابتسمت لى وقالت وأنت كيف كانت ، قلت ماذا ، قالتْ ليلة عرسك ، فضحكتُ وقلت أسطورية ، ولكنها عرفت أنى أستخف بهذه الليلة ، واردفت قائلة : هذا الفستان استغرق تفصيلة الثلاثة شهور وهى مدة خطبتى كاملة ، وكان الزواج فى عوامة العائلة هناك على الضفة الاخرى لنهر النيل ، تحدث عنها أهل القاهرة ليال عدة ،وكانت صويحباتى يحسدننى على هذه الزيجة الفاخرة ،سألتها وأنتِ ، قالت وأنا كنت فى غاية السعادة ،فهو شاب وسيم ، وطويل قلت لها مثل رشدى اباظة ، ضحكت عاليا ، وقالت تقريبا ، وكان أبيه من الباشوات اصحاب الحظوة عند الملك ، ولكن لم يطل الامر كثيرا وقامت ثورة يوليو اثنين وخمسين ، لكنها لم تؤثر علينا كثيرا لان زوجى كان يؤيد اليسار وحزب العمال فكان ذلك خير عون له لمواصلة حياته المهنية فى الحكومة دون عناء أو مواجهة .
ذكرنى ذلك بثورة خمسة وعشرين يناير فسألتها عنها ، فقالت : الظلم ردئ وطول الظلم يبعث الميت من قبره لحزنه على عياله ، يا الله كان لتعبيرها هذا وقع كبير على نفسى ، أثار فى ما أنا فيه من بعد الثورة وكيف أن الظلم بشع حد الذل ، والقيت بنفسى على الكرسى وتركت لقلبى أن يخرج بعض ما به من حزن وألم فما احتملت عيونى ما بها من دمع تدفق بدون شعور منى ، حتى رايتها هى أيضا والدمع مختنق فى مقلتيها ، فآثرت الخروج من الحجرة وقلت : سوف ألقى نظرة على الطعام .
فى طريق عودتى إليها القيت نظرة على حقيبتى فوجدتها مفتوحة ولم أعرها انتباها ونظرت إلى الموبايل ، ثم تركتها وذهبت إليها ، قالت لى: كيف يمكن ان نستفيد من هذا الفستان ، قلت لها ، إنه ذكرى لا يمكن ان تعوض ، قالت الذكرى هنا فى العقل والقلب ولن أحمله معى إلى القبر ، قلت بعد الشر عنكِ ، قالت هو آت لا يمكن الفرار منه ، وقد طالت إقامتى ، حملته ووضعته فى الدولاب وقلت لها سوف نفكر فيما نفعله به فيما بعد .
حولتُ الحديث نحو الطعام وأننا نسينا الأفطار اليوم فطلبت منى طبق الشوربة المعتاد ، وكنت قد أعددته ، فحملت لها واحدا وجلست معها حتى انتهت فطلبت منى مشاركتها وأحضرتُ لى واحدا آخر ، وظللنا صامتتين حتى انتهينا ، وأعقبته بفنجانين من الشاى ، فضلت أن نحتسيه بالبالكون ، ونهضنا إلى هناك نرى العابرين فى الشارع ونتحدث عن الميدان وجماله فى السابق ،قالت : كان الميدان فسيحا نسير فيه بلا تعب أو مشقة ، نلتقى فيه وحتى امتداد الكورنيش مع الأصدقاء والمعارف ، هناك كان منزل خيرى باشا الذى تم فيه أول اجتماع للسيدات ومكانه الان الجامعة الامريكية ، وكان هذا الاجتماع للرقى بالمرأة المصرية وادماجها فى المجتمع ، ثم تحولت إلى جامعة الملك فؤاد ، قلت لها هذا هو فائدة قراءة التاريخ ، وهو دراستى ، ولأول مرة تعرف شهادتى قلت لها : أنا ليسانس اداب قسم تاريخ ، فابتسمت وأظهرت امتنانها لذلك ،ثم أردفت كان الميدان مثل ميدان شارل ديجول بباريس ولهذا اقامه الخديوى اسماعيل الذى أراد أن يجعل من القاهرة باريس الشرق ، ثم تحول مع ثورة 1919 إلى ميدان التحرير ،واستمر على هذا الإسم ، تنهدت كمن عادت بالزمن وقالت : كانت الطرق نظيفة ومتسعة والكل يقوم بعمله على أكمل وجه ، أما الآن فكل شئ اصبح بلا هوية ، بلا روح ، بلا إيمان ، استوقفتنى كلماتها ، وقلت بلا ضمير ، قالت نعم بلا ضمير .
كان الوقت قد ازف ولابد من العودة ولأول مرة أرى فى وجهها أسى واضح لمفارقتى ، وكان على لسانها ،سوف تطلب منى البقاء ولكنها منعت نفسها وقالت : مع الف سلامة ، حافظى على نفسك وعودى لى غدا ،قبلتها لأول مرة وانصرفت سريعا .
لم يكن يشغلنى فى هذا اليوم سوى زيارة المحامى وماذا بعد ؟
فى اليوم الخامس :وصلت فى تمام التاسعة والنصف ، كان الطريق سهلا ،والمواصلات سريعة ، قابلنى بائع للورد فاشتريت وردة حمراء جميلة لكى أهديها لها ، لا أدرى لماذا فعلت ذلك ولكن قلبى هو من أرشدنى لذلك ، اخذتْ الوردة منى واطالت شمها كمن تستقى من رحقيها نفسا تطوى به ايام غابرة كانت تشتاق إليها كثيرا .
قالت : أول وردة اهداها لى زوجى بعد الخطوبة كانت على الكورنيش هناك ، كنا نتمشى واشتراها لى من بائعة الورد التى قالت له بدلال ، بعد ان ناولتنى وردة ، هذه الوردة يا بيه لن تذبل ابدا لانها جميلة مثل خطيبتك ، فضحك واعطاها اكثر من ثمنها ، وقد احتفظتُ بها اسبوع كامل لم تذبل إلا عندما رأتها صديقة لى وهمست لماذا لا تذبل هذه الوردة مثل باق الورد ؟! ، فلما انصرفت وجدت الوردة قد مالت على جنبها بعد أن كانت واقفة مثل عود الندى المستقيم .
قلت لها العين فلقت الحجر .
أخدت الوردة وقامت بوضعها فى اناء خاص مع بعض الماء واسبرينة وقالت: هذه الوردة لن تذبل إلا بعد ، ثم صمتت فجأة وحولت الحديث نحو دولابها المغلق قائلة اليوم ماذا سنفعل به ، قلت اليوم سوف اقوم بتنظيف البلكونة والإهتمام بالزرع فيها إنه جميل جدا ولولا أنه صبار لما احتمل هذا الإهمال ، وبه أنواع زهرية جميلة .
قالت : هل تعرفين عن الصبار ، قلت : بعض الشئ ولدىّ بالبيت أصارى بها بعض الصبار .
وتركتها وذهبت إلى البلكون استمتع بمنظر الزرع وتنظيفه وريه ، وكذلك منظر الماريين بالتحرير ، الذى حرمت من المشاركة فى اى من فعالياته ، وقلبى تركته هناك فى منطقة قريبة على احدى القهاوى المجاورة التى جلست عليها يوما ليس بالبعيد .
لم يأخذ منى وقتا ولكن تركت به بعض اللمسات الجميلة التى سُرّتْ بها وجلست تستمع إلى الموسيقى وتُملّى نظرها بماحولها من جمال طبيعى منسق للزرع .
أحضرت لها فنجان من الشاى ، وحاولت أن أفتح حوارا عن الامس والمحامى الذى زارها ، قلت : الصالون هنا فخم جدا وجميل ولم يدخله أحد منذ زمن ، وكان لابد من تنظيفه قبل أن يأتيه زائر .
قالت : لم يكن زائر بالمعنى المعروف فهو من العائلة والمكان لم يكن سيئا ، وحولت الحديث سريعا قائلة : هل أعجبك الصالون قلت نعم ، هو بحجم الصالة عندى وضحكت ، فقالت أوصفى لى بيتك .
قلت : هو ثلاث حجرات وصالة كبيرة بمثابة ثلاث حجرات أيضا بها انتريه وصالون صغير ، ونيش كبير ، والحجرات الثلاث للنوم واحدة لى وواحدة للبنت وأخرى للاولاد ،قالت والضيوف : قلت نادرا ما يأتينا غريب فكل الضيوف من الأقارب .
قالت : هذا البيت دخل فيه العديد من الضيوف سواء من الاقارب أو الأغراب ،قلت: أكيد
قالت: هل تعلمى أن هذه الصبارة عمرها الان خمسة عشر سنة ، ابنى هو الذى اختارها واعتنى بها حتى سفره الذى أخذه منى وجعله يهجرنا ، بانت عليها علامات الحزن ، وأردفت ، هذا البيت لم يكن هو بيت الزوجية ، ولكن انتقلنا هنا بعد وفاة والد زوجى وكان وحيدا ، انتقلنا ليكون بجوار نينة ، وظلت معنا حتى توفيت ، وأصبح هذا بيتنا بما فيه ، وأنجبت ابنى وظل وحيدا هو الأخر ولكنه لم يكن بارا كما والده ، وفضل الهجرة عن المكوث هنا .
صمتت وطال صمتها فتركتها مع ذكرياتها وذهبت إلى المطبخ كى اعد لها الطعام ، وعندما عدت وجدتها تمسح دمعات فرت لتلاصق خدها الذى علته حمرة و الدمع عليها كلؤلؤة تلمع فى انعكاس ضوء الشمس .
قلت لها لم يتبق فى الشقة سوى حجرة واحدة لم أراها بعد ،قالت : هيا لنراها قلت لا فى الغد ان شاء الله لأن حدثى ينبئنى بأنها هامة جدا وتحتاج إلى وقت كثير ، قالت: هى بالفعل كذلك ، وسوف تجدين فيها ما يسرك ويدعم دراستك ، وقلت وكتاباتى ، فدهشت لذلك وقالت : هل تؤلفين الكتب ، قلت : بل بعض القصص ، مجرد هواية ، قالت : لاااااا أنت حكاية لابد من معرفتها ، قلت وأنت ِ الحكى كله الذى يثير فضولى .
انتهى يومى معها إلى هذا الحد واستأذنت فى الإنصراف ، وودعدتنى حتى الباب لأول مرة مبتسمة حانية ، وفى عيونها نظرة حب جديدة لم أرقبها فيها من قبل .
خطر على بالى أن أسألها عما إذا كانت قد سافرت من قبل إلى الخارج ، فدائما فى القصص القديمة التى قرأتها كان أبناء هذه الطبقة يسافرون للإستشفاء أو للنزهة أو حتى للتعليم فى دول أوربا وتركيا وغيرها ، فالطابع الإفرنجى كان دائما مسيطرا على تصرفات تلك الطبقة .
وقد اجاب ما رأيته فى الحجرة المغلقة تقريبا عن سؤالى واكثر .
عدت فى اليوم السابع وبالى مشغول عما تحويه تلك الحجرة وتهيأ لى كنوز على بابا وبدأت ابحث عن كلمة السر لها هل هى سم سم أم ماذا ؟
فى اول دخولى عليها وجدتها صامتة وفى عيونها لمحة حزن عميقة ، هممت بسؤالها ولكنى لمحت بجوارها صورة ابنها ، فهمت مغزى حزنها فآثرت الصمت ، قلت لها هيا نتناول الإفطار بالبلكون الجو مشمس وجميل جدا ، نهضت بصعوبة كمن تحمل فوق كتفيها جبلا يجثم عليها كلما همت ، ساعدتها وقامت فى تكاسل ولكن بمجرد دخولها البلكون واستنشاق هواء الصباح العليل ومنظر الزهور فى كل مكان فتحت صدرها للهواء واخرجت ما بصدرها من زفير ضاق به ، وجلست لتناول إفطارها وشرب الشاى .
سألتها هل سافرت خارج مصر من قبل ،قالت: زرت لبنان وفرنسا واسطنبول ، قلت : واو ثلاث اماكن فاخرة ،ضحكتْ وقالت بالفعل هى أماكن فاخرة ، والنزهة فيها لا تعوض ، وقامت وأحضرت ألبوم من الصور يحتوى على بعض المناظر لها وإبنها وزوجها فى هذه المناطق ، قالت لبنان بلد الهوى ، وفرنسا بلد الحضارة ، واسطنبول بلد الجمال ، قلت لها أوصاف فى غاية الدقة ،انقلب الجو فجأة وكأن الشتاء كله حل فى يوم واحد وبدأ المطر ينهمر بغزارة دون مقدمات ، يا سبحان الله الذى يُغير ولا يتغير ، كان منظر انهمار المطر جميلا مع دفئ الجو ، إعترانى حزن شديد ورغبة فى البكاء ولكن عينى بخلت علىّ ، فقلت : مهلا يا زمن قلبى مازال طفلا
: ودمعى يحبو فوق خد الهوى
: وانهمار الشوق يستبق النوى
: كن صديق عندما يباغتنى الوغى
هل يأتى المطر بالحزن أم هو أثر حزنها عندما رأيتها فى بداية يومى ، ألهذا الحد اصبحت لى قرين فى ابتسامى وحزنى ! سكت المطر فجأة كما بدأ فجأة ، فخرجنا من حالة الصمت ولم يعد بى رغبة إلى أى شئ آخر ، قالت لى : هيا لترى الحجرة الباقية ، ولما لم تجدنى متحمسة لذلك ، صمتت قلت لها : سوف اذهب إلى المطبخ اولا لإعداد الطعام ، عدت إليها وقد ذهبت إلى حجرتها وأغلقت البلكون ، وكان المطر قد توقف تماما وصفت السماء مرة اخرى ، قلت لها : لقد وجدت عروسة جديدة تبحث عن فستان لزفافها فما رايك لو عدلت هذا الفستان لها ، قالت : احضرية وبدانا أنا وهى نزيل منه بعض الزينات الزائدة التى لا تليق بعروس اليوم ، ثم وضعته فى شنطة وتركته خلف الباب حتى لا أنساه ، قالت لى سوف اطلب منك طلبا ، قلت عيونى ، قالت عندما ترتدى العروس ثوب الزفاف ، التقطى لها صورة كى أراه مرة أخرى ، ضحكت وقلت حاضر سوف أفعل ، لمحت فى وجهها تعابير لم افهمها ، خليط من الدفئ والغضب والحزن والالم ، تبعتها بابتسامة غير مكتملة ، ثم اردفت ، كنت أود ان يكون لى ابنة أعطيها هذا الفستان فى يوم عرسها ، قلت لها أولست ابنتك، ضمتنى فى رفق وقالت بلى ابنتى ، قلت ولى ابنة عروسة أيضا سوف تقومى بشراء فستانها بنفسك لان بنات اليوم لا ترضى باى قديم ولا يعرفن قيمة مثل هذه الاشياء .
قالت : أريد أن أراها ، قلتُ ان شاء الله فى الإجازة ، تمتمت ، إن كنت على قيد الحياة ، حملت إليها صورة لابنتى فرحت بها واستبقتها معها ، وفى اليوم التالى وجدتها قد جعلتها فى برواز أنيق ووضعتها بجانبها على الكوميدينو .
تحولت حياتى إلى شغل دائم ، ولم أعد أجد وقتا كافيا أنفرد به لذاتى وأفكارى وكتاباتى وكتبى واحلامى وحتى أوهامى ، وإن كنت هنا اجد بعض السلوى فى كينونة مختلفة ووقت يضيف لى شيئا لم آلفه من قبل وحياة لم أعرفها عن قرب ، حكت لى : أنها يوم زواجها مرت ببيتهم فى منطقة المعادى عرافة ،تحمل كيس صغير وتنادى اضرب الودع واشوف البخت ، وكانت فى طريقها إلى الكوافير ، لم ترغب أن يأتى الكوافير إلى البيت ، ولعله القدر الذى يرسم لها الطريق ، ومن باب الفضول نادت على العرافة فضربت ودعها على الرمل ، ونظرت إلى كفها وقالت لها : اليوم عرسك ياصبية ، قالت لها نعم وكيف عرفتِ ، قالت لها عيشتك هنية ، فرح وسعادة لكن بالنهاية حزن ، يفارقك رجلين من دمك ،والان فارقنى زوجى بالموت ، وأبنى بالهجرة ، ولم تكمل كلامها ولكنى شعرت بأن القصة لم تنتهى وأن العرافة قالت لها شيئا آخر ولكنها تخفيه ،
تذكرت فيلم (مولن روج ) فى نهايته والبطلة مدرجة فى دماء مرضها على خشبة المسرح بعد ان أدت ما عليها من دور فى صبر ودعة ،وحيدة كما اتت الدنيا وحيدة ، وصارت مجرد قصة على ورق ، ولكن هل أكتب أنا هذه القصة ؟
سألتها يوما عن ثورة 25 يناير وكيف رأتها خاصة وهى تعيش فى قلب الميدان تقريبا فقالت : هى مثل ثورة 1919 عندما نفى سعد زغلول ، فالبركان الخامد الذى يغلى لا يحتمله الجوف كثرا ولابد وان يفور وتنطلق شراراته فى كل مكان .
يالك من امراة تعرف كيف تصف الأحداث بعمق ودقة ، ولكن ما صاحبها من تخريب وأذى شئ سئ ، قالت : ان الاندفاع الجامح والسخط الكامن داخل النفوس هو الذى يدفع بدون قصد لكل هذا الدمار حتى لا تخمد الشرارة وينطلق الصوت يدوى فى كل مكان فيتحقق الغرض منها .
قالت سوف أحكى لك بالتفصيل عما شاهدت فى الميدان من احداث قد لا يعرفها الكثيرين ، ثم انقضى اليوم وقلت نتابع فى يوم لاحق .
لم انس رغبتى فى الحجرة المغلقة بل ذاد شوقى إليها حتى تكتمل منظومة البيت ، وأطلع على كل محتوياته فكانت شغلى الشاغل فى اليوم التالى .
كان كل همى هو فتح مغارة على بابا ومعرفة أى كنوز تحوى ، بعد تناول الافطار مباشرة قلت لها ، هيا نفتح الغرفة الباقية ، قالت تقدمى وافتحيها ، تقدمت ببطئ نحو الباب وأمسكت بالمفتاح كى أديره فى الباب ، تملكنى شعور غريب لا أدرى هو رهبة أم خوف أم رغبة ، فتحت الباب بهدوء وانطلقت بداخله ، فدارت بى الدنيا دورة كاملة ، واستلقيت على أول مقعد قابلنى ، وقفت على الباب وقالت: ها ماذا حل بك ، قلت هى بالفعل كنوز على بابا ، قالت على بابا! قلت نعم : كم حلمت باقتناء واحدة مثلها ، وطفتُ على جدرانها ألمس تلك الكنوز حتى أتيقن من حقيقتها ، وأنى لا أحلم قالت : ألهذا الحد تعشقين القراءة والكتابة !، قلت بل أعشق التاريخ والأدب ،قالت اذن هى لك ، قلت : ماذا ، قالت : هى لك كل يوم تأتين فيه افعلى ما تريه مناسبا وأقتنى منها ما تريدين ، قلت أنا أسيرة لهذا المكان ، ولكن ينقصه شئ ما ، قالت : ماذا ؟ قلت : اللغة الحديثة ، الكمبيوتر ، ولكن لا باس هى كما هى تكفى ، درت أتلمس بعض الكتب وأنفض عنها الغبار ، فهالنى ما رايت من كتب التاريخ وألأدب العربى والعالمى ، والمجموعات الكاملة لكل عمالقة مصر والعرب والعالم ، ولفت نظرى الجانب الذى يحتوى على كتب عن الماركسية والحركات الشيوعية وحركات العمال ونضالهم الدائم لنيل حقوقهم ، وقد كان لدى فكرة عن تلك المرحلة أوردها صديق لى فى كتيب صغير يضم اهم الأحداث فيه عن حركات العمال منذ بداية القرن 1900 وحتى 2011 ، لم اميل كثيرا لتلك الفترة ولكن عشقى كان يبدا وينتهى بالقصة والرواية التى تعكس حالة المجتمعات وتصفى الذهن وتعطى جرعة من الحب والرومانسية التى افتقدها الشارع ، ابحث عنها بين طيات الكتب وفى كتاباتى .
أصبح شغلى الشاغل أن أعيد ترتيب هذه الحجرة وما يتفق معى من اهتمامات ، وأن أبرز فيها ما أرغب فى تناوله وقراءته كلما وجدت وقت فراغ .
قلت فى نفسى سبحان الله ، عندما يتحقق الحلم ، أُحبس بين فراغين ،كم اشتاق إلى حمل كتاب والجلوس فى هذا البلكون ، مع فنجان الشاى ، ولا أتحرك حتى أفرغ منه ،دون ازعاج ، راودنى هذا الحلم وأنا أحمل بيدى رواية ،لا أنام ،وأميل برأسى وأنا ادير الكتاب على الوجهين ، ثم ادور فى الغرفة وحول المكتب الفخم دورات متتالية ، حتى أيقظتنى من حلمى بقولها : لو اعلم أنك سوف تتحولين إلى هذه الحالة لكانت أولى الحجرات التى فتحتها لك .
كانت هى ملاذى فى وحدتى مدة طويلة حتى سأمت دخولها فأغلقتها وكنت أنوى أن اهبها أو ابيعها والحمد لله أنى عدلت عن ذلك ،قلت : الحمد لله .
فى اليوم التالى وعند دخولى البيت وجدت حجرة المكتبة مفتوحة وشباكها مفتوح والنور يدخلها والشمس تسطع على الكتب المجلدة بجلاد فخم فيعكس ألوانها على الستائر المدلاة على الشباك فكأنها ألوان قوس قزح .
تضحك فرحة بمقدمى ، والمفاجأة الكبيرة فوق المكتب ، كمبيوتر جديد بكل امكانياته الحديثة ، توقفت أمامه التفتُ إليه وإليها مندهشة من فعلها وفى عينى ألف تساؤل ، رحت فى عالم آخر أبحث فيه عنى وعنها .هى أمرأة ليس لها سلطة او قوة ولا أدرى عن غناها أو فقرها ، فماذا أكون أنا لها لعبة ما ولما ؟ ، تسلية فى آخر العهد ، رغبة فى التملك والعودة إلى ريعان الشباب ، أى شباب فهى ملكت الدنيا فى شبابها وعاشت كل حياتها مرفهة عزيزة تفعل ما تريد وقتما تريد ، لم تعرف معنى التحكم ، ولم تعى معنى مرور الوقت بلا نتاج يشعرها بأنها أمرأة ، ماذا فعلت غير الإنضمام إلى الجمعيات الخيرية لتكون سيدة مجتمع راق ، وماذا قدمت من خير للغير بل لنفسها ، وهل أنا مجرد ثواب وعمل خير ل ..إمرأة لا تعرفها ، لا لأ هى لم تسألنى مرة عن شكواى وألمى ، ولم تعرف عنى ما يجعلنى مجرد ذكاة ترجوها فى آخر أيامها ، لا تنسى أنكِ وجدت فيها نصا وقصة لك ، فالمنفعة متبادلة ، هى تريد الأُنس وانتِ تريدين الحياة ، عن اى حياة أتحدث ؟ حياة الخضوع لما لا اعرف ، حياة السكوت فى مقابل الترف المادى ، حياة … ، قطعت أحاديث نفسى قائلة :.
عندما تكون في سنّي ربما لا ترغب في أن تبقى وحيدا الى الحدّ الذي يألفه الكُتّاب.بل احاول أن أصير اجتماعية قدر الإمكان ً، عند طرف الحياة غير المناسب ، لابد من فعل شئ مناسب ، قلت : وما هو المناسب ؟ قالت : لا تحاولى الدخول فى تفاصيل كثيرة وثقى أنك سوف تعلمين كل شئ فى أوانه حاولى الاستمتاع بما فُقِدَ فى حياتك ، هذا هو الأَولى ، هممت بالكلام فقالت: ألاتريدن تعليمى على الكمبيوتر ، وأن ارى بعض كتاباتك وعالمك الفرضى الذى ترتادين ، ألن أكون قصتك القادمة ، فمن حقى معرفة الكاتبة حق معرفة ، اندهشت لكلامها ولكنى انصعت لها فى هدوء ، وكأنى مُسيرة إلى شئ مقدر لا يمكننى التدخل فيه وافساده مهما كان .
غمرتنى فرحة لا ادرى مصدرها ، ولكنى ترجمتها بابتسامة على شفتى ، لم تكن ابتسامة صفراء ، ولم تكن دبلوماسية ، لأنها قادمة من القلب إلى الشفتين طازجة كالتفاح الأمريكانى ، عندما كان يأتينا مع الحجاج من مكة المكرمة ، عندها ورد سؤال من قلبى ، كيف تتجزأ الفرحة بين هنا وهناك ، هناك عندما تعاودين إلى البيت ، لا تطرقين الباب ، لديك مفتاحك الخاص ، لا تجدى سوى برود يعترى جسدك فجأة ، لقاء فاتر ، لم تحكى يوما عن عودة ولقاء حميمى ، وسؤال عن الأحوال .
يمضى اليوم فى سكون إلا من عبث الاطفال ، أو طلبات الشاى والعصائر التى لا تنتهى ، تنادين وأنتِ تحملين الصينية كما ينادى القهوجى ،حتى صوتك الرخيم لا يزعج فؤاده فيرتخى له ، ويزيل اللون الرمادى من فوق نظارته الطبيعية ، ليرى فى وجهك وعلى خديك اللون الوردى الزاهى .
على كل لن افسد بهجتى اليوم ، نظرتُ إليها وأنا أستدير خلف المكتب الفخم ، وأجلس على الكرسى المريح ، وأبدأ فى تشغيل جهاز الكمبيوتر وأنا اشرح لها الكيفية ،قاطعتنى ، لا أريد الشرح أريد أن أرى صفحتك وكتاباتك ، ولجتُ إلى الفيس بوك مباشرة على صفحتى واسمى فوجدتنى كما أنا ،أول ما رأت قصة وقعت عينها عليها بعنوان خانة النساء :

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى